الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلمات في العفو والوفاء

نشر بتاريخ: 27/04/2023 ( آخر تحديث: 27/04/2023 الساعة: 08:57 )

الكاتب:

د. سهيل الأحمد

ومن جميل صدق الوفاء وإظهار معالمه الحضارية؛ الإقرار بأن الحُرَّ مَن راعى وداد لحظَةٍ، وانتمى لمَن أفاده لفظة. وهنا نعلم كذلك أنه لا يبلغ العبد مقام الإحسان حتى يحسن إلى كل مَن صحبه ولو لساعة. ومن لوازم الجهل البين والتجني على حق النفس والقيم؛ أن تعمد إلى ذكر محاسن نفسك وتمعن في ذكر عيوب غيرك ومتابعتها والوقوف على دقائقها والتأمل فيها سواء أكان ذلك بقصد أم بغيره، فعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا، فَإِن تَدنُ مِنّي تَدنُ مِنكَ مَوَدَّتي... وَإِن تَنأَ عَنّي تَلقَني عَنكَ نائِيًا، وهنا وجب التنبيه والحذر من أن يقع الإنسان في أعراض الناس أو يقوم باتهامهم بلا دليل ثم يحاول أن يجمل ذلك بالكذب على النفس واستمراء قناعة صور الزور وتكريس البطلان.. فلا تحسبن يا من تطلب الإنصاف في حق نفسك أن ذلك هينًا؛ بل هو أمر عظيم وخطير عند الله تعالى، وفي حق نفسك، ولتعلم أن من الظلم تغافل ذلك وألا تدرك خطورة هذه الأفعال وآثارها المادية والمعنوية، ويجب التذكير بأن الشخص العفيف الشريف ومن صفاته من الناس كذلك ليس شرطاً أن يكون قد حصل على شهادة أو يمتلك أموالاً وعقارات ليبني سمعة أو يحقق مجدًا وقبولًا؛ إنما بناء معالم المجد وتأييدها في نظره يقوم بعضه على بناء نفسه أولًأ، ويتمثل الآخر منها في بناء أولاده من جوانب البناء الحضاري القيمي المادي والمعنوي، وغير ذلك مما يركز على بناء المجتمع، بل وأرقى صور بناء المجد أن تعمد إلى صناعة التاريخ، وهذه في قمة المفهوم الحضاري والقمي للمجد؛ التي لا تتحصل إلا لمن رزق التوفيق والقبول من الله تعالى.، وهذا لأن الشريف هو شخص مهتم واع يعمل بمسؤولية وبدافع ذاتي لا ينتظر شكراً من أحد ولا يهتم لمدح أو ذم أحد بل يفكر وفق قدراته وقناعاته.، فإذا أراد شخص معرفة موقعه من ذلك فليسال نفسه ماذا قدم وأين أثر ومن انتفع منه من الناس عامتهم قبل خاصتهم، قال ابن الجوزي: "ولقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، وأسلم على يدي أكثر من مائتي نفس، وكم سالت عين متكبر بوعظي لم تكن تسيل، ويحق لمن تلمح هذا أن يرجو التمام. وربما لاحت أسباب الخوف بنظري إلى تقصيري وزللي. ولقد جلست يوما فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف ما فيهم إلا من رق قلبه، أو دمعت عينه فقلت لنفسي: كيف بك إن نجو وهلكت؟ ‍‍! فصحت بلساني وجدي: إلهي وسيدي! إن قضيت علي بالعذاب غدا فلا تعلمهم بعذابي؛ صيانة لكرمك، لا لأجلي؛ لأن لا يقولوا عذب من دلّ عليه)، ولا بد من تذكر أن الله سبحانه وتعالى قد جعل للمظلوم الحق في القصاص من الجاني والمسيء إلا أنه سمى هذا القصاص الذي هو حق للمظلوم سيئة، وهذا للتنبيه إلى أهمية فضيلة العفو، كما يظهر من جميل التعبير وعمق المعنى في قول الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، ومن جميل التعبير العميق في هذا أيضاً أن جعل جزاء العفو على الله عز وجل، وهذا بنظير العفو الذي قد جاء عن عبده سبحانه، فمقابل الحسنة حسنات وإكرام فما أجمل عفو الله وسعة رحمته.