الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عطفاً على ورقة القائد الأسير مروان البرغوتي

نشر بتاريخ: 30/04/2023 ( آخر تحديث: 30/04/2023 الساعة: 15:49 )

الكاتب: العميد: أحمد عيسى

نشرت مجلة الدراسات الفلسطينية في عددها رقم 134/ ربيع 2023، ورقة من خمس صفحات تقريباً للقائد الأسير مروان البرغوتي، حيث يقبع في سجنه الإنفرادي في سجن نفحة الصحرواي للسنة الثانية بعد العشرين على التوالي، حملت عنوان "الفرصة الفلسطينية في الأزمة الصهيونية".

وخصص القائد البارز في الحركة الوطنية الفلسطينية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ثلثي ورقته لشرح مأزق المشروع الإستعماري الصهيوني في فلسطين مفنداً ابعاد هذا المأزق في بيئته الإستراتيجية (المحلية والإقليمية والدولية)، ثم أفرد الثلث الأخير من الورقة لشرح وتوضيح الفرص الكامنة في هذا المأزق أمام الفلسطينيين وما هي الخطوات التي يتوجب عليهم القيام بها لضمان إستثمار هذه الفرص على أكمل وجه لتحقيق أهدافهم الوطنية بالحرية والإستقلال وإقامة الدولة المستقلة.

وحيث تؤسس ورقة البرغوتي لنقاش فلسطيني مسؤول طال انتظاره في الواقع، لاسيما وانها الأولى التي تصدر عن شخصية قيادية بحجم مروان البرغوتي بعد اندلاع وتفاقم الأزمة الصهيونية الآخذة في الإتساع منذ أكثر من أربعة شهور، ستسعى هذه المقالة الى المساهمة في هذا النقاش من خلال التأكيد إبتداء أن ما تشهده إسرائيل للأسبوع السابع عشر على التوالي من مظاهرات معارضة للإنقلاب على القضاء كما يصفها منظمي هذه المظاهرات، أو مظاهرات مؤيدة للإصلاح القضائي كما جرى في القدس يوم الخميس الماضي الموافق 27/4/2023، هو تعبير عن أزمة الحركة الصهيونية الناتجة عن الفشل في تحقيق أهداف مشروعها الإستيطاني الإستعماري، إذ فيما توافق المؤسسون الأوائل للمشروع على صناعة دولة مزدهرة وآمنة وإنشاء أمة وبناء مجتمع يهودي ديمقراطي موحد، نجد أحفاد المؤسسون الأوائل يفرقون ولا يجمعون، ويبددون ولا يوحدون ويهددون ولا يحمون ويخربون ولا يعمرون.

وفيما هي كذلك فهناك حاجة وضرورة فلسطينية لقراءة هذه الأزمة بعمق وشمولية، والأهم بعقول وقلوب فلسطينية، وعدم إكتفاء القراءة على توصيف ما يجري وحصرها فقط في الإجراءات المتعلقة بالسلطة القضائية، أو ربط مسبباتها بدوافع شخصية بنتنياهو للتخلص من تهم الفساد الموجهة اليه، وإن كان ما يجري على هذا الصعيد لا يمكن تجاهله كمعالم للأزمة، الأمر الذي أسس له مروان في ورقته وذلك لجهة تطوير تدخلات فلسطينية جريئة وحكيمة وقادرة على إستثمار الفرص الكامنة في هذه الأزمة، لا سيما وأن القضية الفلسطينية برمتها عرضة للشطب والتهميش، كما أن الإنجازات الوطنية التي تمكن الشعب من تحقيقها على مدى عقود من النضال والتضحيات بما في ذلك السلطة الوطنية عرضة للمصادرة.

وعلاوة على ما ذكره مروان في ورقته حول معالم أزمة الصهيونية التي تطفو منذ بداية العام الجاري على سطح الجدل السياسي والأيديولوجي في أوساط اليهود في إسرائيل وخارجها، كان المؤرخ والأكاديمي الإسرائيلي المعروف (ايلان بابيه) قد جادل في ورقة له نشرتها مجلة الدراسات الفلسطينية عدد 108/ خريف العام 2016، وحملت عنوان "أصول النيو-صهيونية ومستقبلها" بأن الحركة الصهيونية الإسرائيلية يتنازعها الآن تيارين أيدلوجيين أساسيين، الأول هو تيار الصهيونية التقليدية (الكلاسيكية) والذي نشأ منذ تأسيس الحركة الصهيوينة في نهاية القرن التاسع عشر، وظل مهيمناً على السياسة الإسرائيلية حتى نهاية سبعينات القرن الماضي، والثاني هو التيار الذي أطلق عليه (بابيه) وكثير من الباحثين في إسرائيل وصف التيار النيو- صهيوني، الذي كان قد برز بقوة في الإنتخابات العامة العام 1977 وهيمن على السياسة الإسرائيلية منذ ذلك الحين، ويضيف (بابيه) في ورقته أنه منذ العام 2016 أصبحت النيو- صهيونية هي التفسير الأيديولوجي الأقوى للصهيونية في إسرائيل.

وتكون التيار الأول من الحركات العمالية على مر السنين، وهو التيار الذي بنى الدولة خلال فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين، وهو الذي قام بالتطهير العرقي بحق الفلسطينيين العام 1948، ورسخ الحكم العسكري على المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل حتى العام 1966، ونقله للضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب حزيران/يونيو 1967، لكنه فقد سلطته في انتخابات العام 1977، ثم عاد للحكم فترة قصيرة ما بين سنتي 1992-1996، الفترة التي شهدت توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل، هذا الإتفاق الذي بدوره فشل، وأدي الى عودة أحزاب تيار النيو- صهيونية الى السلطة، الأمر الذي يؤكد ما ذهبنا اليه في مقالات سابقة بأن الصراع مع الفلسطينيين هو السبب المنشأ للأزمة وأن هجوم اليمين على السلطة القضائية هو السبب الكاشف للأزمة.

أما التيار الثاني فهو منحدر من الحركة التصحيحية بقيادة زئيف جابوتنسكي، التي كانت سائدة داخل المشروع الإستيطاني في عشرينات القرن الماضي، حيث كان يرى جابوتنسكي أن التيار الصهيوني السائد في حينه هو تيار شديد الإعتدال فيما يتعلق بمطالبه الإقليمية (إذ أراد أن تكون الأردن وفلسطين أرض الدولة اليهودية) فضلاً عن أنه متساهل جداً مع البريطانيين وأصحاب الأرض الأصلانيين الفلسطينيين.

ويقوم هذا التيار على أساس التحالف القوي ما بين الأحزاب الدينية القومية والأحزاب الدينية المتشددة وحزب الليكود، إذ تؤمن هذه الأحزاب أن التنازل أو الإستعداد للتنازل عن شبر من الأرض يدخل في سياق الكفر والخيانة، الأمر الذي يفسر عودة هذا التيار للسلطة والهيمنة على السياسة الإسرائيلية بعد التوقيع على اتفاق اوسلو العام 1993.

وقد تعرض هذا التيار لإنقسامات حادة على أثر قرار الإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة العام 2005، وكان رئيس الوزراء في حينه والقائد البارز في حزب الليكود أرئيل شارون الذي انشق عنه وشكل حزب جديد لتنفيذ قرار الإنسحاب رغم معارضة الليكود، قد إتخذ قرار الإنسحاب كونه جنرال متقاعد من الجيش وبناء على تقدير من هذا الأخير مفاده أن الإنسحاب من غزة سيعزز من مكانة إسرائيل الإستراتيجية في مواجهة التهديدات المتوقعة في المدى القريب، الأمر الذي يعني أن تقديرات الجيش تعلو على الإعتبارات الحزبية، ويعني كذلك أن مؤسسة الجيش التي يكتب للتيار الأول أنه شيدها ووضع عقيدتها تشكل ستبقى تشكل مانعاً أمام التيار الثاني من تغيير النظام لصالح رؤيته.

وشكلت نتائج الإنتخابات العامة الأخيرة التي جرت في نوفمبر العام الماضي والتي فازت فيها الأحزاب المكونة للنيو- صهيونية بأغلبية برلمانية فرصة لهذا التيار بإعادة صياغة نظام الدولة وفقاً لرؤيته التي يؤمن أنها تقدم التفسير الأمين للصهيونية، وأنه قادر على النجاح في ما فشل فيه التيار الأول، لا سيما وأنه لم ينجح في حسم صناعة الدولة على مدى العقود السبعة الماضية، على الرغم أنه يكتب له أنه أنشأها وقادها لثلاثة عقود.

تجدر الإشارة هنا أنه لا خلاف يذكر بين هذين التيارين فيما يتعلق بأهداف المشروع الصهيوني الإستعماري في فلسطين التي تقوم على اساس الحصول على أكبر قدر ممكن من مساحة فلسطين الجغرافية مع أقل قدر ممكن من السكان الفلسطينيين باعتبارهم عوائق أمام تحقيق المشروع، إذ يدور الإختلاف بينهما حول السبل الكفيلة بتحقيق هذه المشروع، ففيما يرى التيار الأول أنه علية الحصول على الموافقة الدولية والترخيص الأمريكي قبل الشروع في اي عمل يقوم به، لا يعير التيار الثاني اي أهمية تذكر للراي الدولي على الإطلاق.

ينبغي هنا التوضيح أن الحركة الصهيونية بصفتها حركة إستعمارية ووفقاً لرأي الباحث المتخصص في شؤون الإستيطان الإستعماري (باتريك وولف) لا تختلف عم مثيلاتها من الحركات الإستعمارية الإستيطانية فيما يتعلق بحاجتها للتخلص من السكان الأصليين، فهذه الحركات إختلفت فيما بينها في الأسلوب، ويضيف (وولف) ان المستوطنون الأوروبيون قد إستخدموا أسلوب الإبادة الجماعية في حالة الأمريكتين وإستراليا، والفصل العنصري في حالة جنوب افريقيا، فيما تستخدم الحركة الصهيونية اسلوب التطهير العرقي المستمر في الحالة الفلسطينية، وتضيف هذه المقالة على ما كتبه (باتريك وولف) أن الحركة الصهيونية لم تكتفي بالتطهير العرقي بحق الفلسطينيين بل جمعت ما بين الأساليب الثلاثة التي مارسها المستوطنون الأوربيون وأضافت الصهيونية على ذلك أسلوب التهجير القصري للسكان الأصليين الى خارج حدود وطنهم.

ما تقدم يظهر أن جذور أزمة الصهيونية التي تطفو على السطح الآن ليست جديدة وليست عابرة، ولا يبدو أنها قابلة للحل كما جادل يوماً في ورقة له الخبير الجيوسياسي اليهودي الأمريكي المعروف جورج فريدمان في ورقة له نشرت على موقع ستراتفور بتاريخ 14/1/2014، وحملت عنوان (الإنسحاب الإسرائيلي من غزة ومأزق إسرائيل الدائم).

وفيما تظهر الأزمة أنه ينتظر الفلسطينيين الذين أصبح عددهم على أرض فلسطين الإنتدابية أكثر من عدد المستعمرين الصهاينة في المدى القريب المزيد من التطهير العرقي والإبادة الجماعية والممارسات العنصرية، الأمر الذي يوجب عليهم الإستعداد لذلك والشروع الفوري في أخذ ما أورده البرغوتي في ورقته، إلا أنها بالمقابل تظهر أن فشل التيار النيو- صهيوني في إصلاح ما فسد هو المآل الحتمي لمشروعهم حتى وإن نجح في فرض رؤيته، لا سيما وأن الشروط الدولية وكذلك الإقليمية التي أنتجت المشروع الإستعماري في فلسطين تتغير لغير صالح الحركة الصهيونية وشركائها من القوى افستعمارية الغربية، الأمر الذي يتطلب من الفلسطينيين إلى جانب صرف جل جهودهم لترتيب صفوفهم وتوحيدها حسن التموضع إقليمياً ودولياً.