الإثنين: 27/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

من يحدد أهدافنا كفلسطينيين مصالحنا أم إسرائيل؟؟

نشر بتاريخ: 31/01/2024 ( آخر تحديث: 31/01/2024 الساعة: 19:19 )

الكاتب:

برهان السعدي

السؤال المشروع قبل الولوج بالمقالة: من يحدد أهدافنا كفلسطينيين؟؟!! مصالحنا أم ردات فعل على مسلكية احتلال غاشم؟؟!!

تكرر الحديث سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا عن اليوم التالي في غزة، وأمام حجم العدوان الإسرائيلي على فلسطين، بما مثّله من إبادة جماعية لشعبنا، شكلت أكبر مجزرة تقترف في العصر الحديث، تخلخلت المفاهيم، ونتجت حالة من الفوضى المفاهيمية، انعكست على تحديد الأهداف.

فالشعار الأكثر انتشارا الآن هو وقف الحرب، وأضحى هذا الشعار الهدف الرئيس فلسطينيا وعربيا، في حين ترفض إسرائيل وقف الحرب، مع استعدادها للتعامل مع هدنة إنسانية للإفراج عن "الرهائن" وكذلك هو الموقف الأمريكي الراهن. ويتضح هنا أن مهندس الهدف أو الأهداف الفلسطينية هو نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث أمام رفض وقف الحرب، واشتداد القصف وإحداث الدمار، جعل الفلسطينيين ينشدون معزوفة وقف الحرب، فتشكلت هذه المطالبة هدفا واضحا وأساساً.

فالسابع من ت1 "أكتوبر" سواء اعتبرته بطولة فلسطينية، أو خطوة نحو التحرير وكنس الاحتلال، أو اعتداءً على إسرائيل المسالمة، أو توريطا لمرحلة لا جاهزية لها، أو إحراجا أمام إسرائيل المانحة امتيازات لأفراد في سدة الحكم، أو أمام دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أو شعورا بالعجز ضمن عدم امتلاك رؤيا أو إمكانيات أو جهوزية، أو قناعات كامنة لدى أفراد القيادة الفلسطينية أن المفاوضات رغم عبثيتها هي الشكل الأفضل لتحقيق دولة فلسطينية رغم حالة الانحسار في الأراضي الفلسطينية مقابل التمدد الاستيطاني وامتلاكه قوة السلاح لمواجهة حتى حكومته إن فكرت بإخلاء المستوطنات، فالسابع من تشرين أول هو أمر حاصل، وشكّل أنموذجاً لا يمكن نسخه من الذاكرة الفلسطينية أو الإسرائيلية، وممكن استنساخه أيضا لاحقا مادام الاحتلال موجودا وقائما على فلسطين أرض الوطن تاريخيا. وعليه، لا مندوحة من بناء استراتيجية وما يخدمها من تكتيكات أو شعارات لتحقق ما ينسجم مع حجم الحدث وتبعاته من إبادة لشعب بجميع شرائحه المجتمعية والعمرية، وتدمير لكل ما من شأنه يمثل أساسيات الحياة من مسكن ومأكل وملبس وعلاج.

تحديد السياسات لا يستند إلى مشاعر أو عواطف أو خجل، إنما مصالح، ومصلحة الشعب الفلسطيني الآن رفع الصوت عاليا بإعلان الهدف الرئيس هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة والوعود الأمريكية والأوروبية التي نادت بشعار حل الدولتين. فالعدوان الإسرائيلي لن يتوقف في ظل احتلاله لفلسطين، ولن يتوقف مستقبلا بامتلاكنا دولة ضعيفة الإمكانيات وحرمانها من وسائل دفاعية أمام دولة تمتلك آلات الفتك والدمار بجانب سلاحها النووي.

فالموقف الفلسطيني يجب أن يكون مستندا إلى إرادة شعبه بضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وحرة على غرار الدول المجاورة. وعليه أن يؤكد أن حماس والجهاد الإسلامي شأنها كبقية الفصائل والتنظيمات الفلسطينية تشكل جزءاً مهما من النسيج المجتمعي الفلسطيني، وأن وجود الاحتلال الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني والإصرار على معاداة ومناهضة حقوق شعبنا هو السبب في أحداث السابع من أكتوبر، والذي يمكن أن يتجدد بشكل أوسع مادام الاحتلال مهيمنا على أرض وطننا ويسعى لطرد شعبنا من دياره، ويواصل عدوانه اليومي على أماكن تواجد شعبنا في جميع الأرض الفلسطينية.

لذا، فإن الهدف الفلسطيني بالإجماع هو إزاحة الاحتلال وإقامة الدول الفلسطينية بنيل الاستقلال الوطني، وتنفيذ تقرير المصير وحق العودة. وهذه أهداف لا يحق لأي قيادة أو منظمة أو دولة مؤيدة أو محايدة أن تساوم عليها. وطالما أن قيادة حكومة الاحتلال ووزرائها لا يخجلون من مناداتهم جهاراً بقتل شعبنا الفلسطيني وطرده من وطنه وحرق بلداته، فلماذا الخجل والحرج من طرح مواقف الحق الفلسطيني.

إن مقاومة الشعب الفلسطيني لم تبدأ في شهر تشرين أول عام 2023، إنما منذ أن سعت بريطانيا جاهدة لفرض المشروع الصهيوني في فلسطين بتحقيق وعد بلفور الظالم، واستمرت بعد قيام دولتهم الاستيطانية، وتجددت المقاومة بانطلاقة الفاتح من كانون ثاني عام 1965 واتسعت بعد احتلال كامل الأراضي الفلسطينية عام 1967. وفترة انحسار المقاومة الساخنة كان السبب فيها التعامل مع اتفاق أوسلو وقبلها مؤتمر مدريد، فعملت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بوقف المقاومة المسلحة، احتراما لاتفاقات وقعت عليها برعاية أمريكية ومباركة أوروبية. لكن وبعد ثلاثة عقود ولم يتحقق سلام أو استقلال أو حتى ظروف إنسانية تليق بشعب يعيش في وطنه، عدا عن سرقة الأرض والتوسع الاستيطاني والسيطرة على معظم الأراضي الفلسطينية، وقتل الاقتصاد الفلسطيني، وقرصنة الأموال تحت مبررات واهية، واحتجاز آلاف الأسرى لعشرات السنين، هذا كله شكل سببا كافيا لأي شعب في العالم بأن يثأر لكرامته ويناضل من أجل استقلاله ونيل حريته. في حين أمام عشرات من الأسرى الإسرائيليين بيد المقاومة الفلسطينية ولمدة لا تزيد عن أيام، قامت الدنيا ولم تقعد، وجل هدفهم، وأساس التفاوض هو إطلاق سراحهم، أما آلاف الأسرى المحكومون بعدة مؤبدات ومئات السنين ظلما، وقضوا في السجون الإسرائيلية فترات تتراوح بين عام وأربعين عاما، ويعيشون شروطا حياتية قاسية، إضافة إلى تحريض الوزير الفاشي على تعذيبهم وتجويعهم وعدم علاجهم، هؤلاء لا يحظون بكلمة تعاطف، أو إدانة لسجانيهم الإسرائيليين، وأمام الكيل بمعيارين تجد الولايات المتحدة وأوروبا يطالبون بالإفراج الفوري عن الأسرى الإسرائيليين باعتبارهم حالة إنسانية، ولا بد من عودتهم إلى حضن أسرهم، أما المعتقلون الفلسطينيون في نظرهم محرومون من هذا الحق. فه يريد هؤلاء من الفلسطينيين الخنوع والتسليم لهذه المفاهيم العنصرية؟؟!!

وفي المقابل، نرى أهداف إسرائيل واضحة ودون خجل أو محاذير، إبقاء السيطرة الإسرائيلية على جميع الأراضي الفلسطينية بما في ذلك عودة السيطرة على قطاع غزة، وفي أحسن الأحوال تسعى لإيجاد سلطة مرتبطة بها، لتحقق مصالحها الأمنية، بملاحقة الصوت الفلسطيني لمجرد رفضه الاحتلال. ورغم ذلك، فإن الموقف الأمريكي داعم بالفعل لسياستها من خلال تقديم كافة أنواع الدعم المالي وإفراغ مستودعات الأسلحة والذخيرة الأمريكية المتطورة لتكون عونا لإسرائيل في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية التوسعية وسياستها في إبادة الشعب الفلسطيني كما هو حاصل الآن.

فالمطالبة بوقف العدوان على شعبنا الفلسطيني هو ضرورة ملحة، وشتان بين حرب وعدوان. ولكن الأهداف الفلسطينية يجب اتصافها بالوضوح دون مواربة أو خجل، وأن تظهر إجماعا فلسطينيا، مع ضرورة إنجاز الوحدة الفلسطينية سواء موقفا أو جسما، ففي ظل عدم انخراط حركتي حماس والجهاد في إطار منظمة التحرير وتحقيق وحدة الجسم الفلسطيني، تبقى وحدة الموقف الفلسطيني ممكنة وضرورة ملحة. ولا بد من وضوح أيضا في مطالبة الدول التي أنشأت إسرائيل على أرض فلسطين، وما زالت تدعمها أن تكفر عن جريمتها بحق الشعب الفلسطيني، وتقف موقفا ثابتا وداعما وضاغطا لصالحه في تحقيق حقوقه الوطنية.

إن عدم تحقيق الوحدة الفلسطينية الآن في ظل العدوان الإسرائيلي والإبادة، مع وجود مقاومة باسلة وجريئة، يثير أسئلة استفهام مريبة. فما الدافع أو المبرر، هل بحاجة لموافقة إقليمية؟؟ أم بحاجة لإذن من أعداء شعبنا المباشرين وغير المباشرين؟؟ أم هي طموحات قزمة فيمن سيحكم على أنقاض الدمار وشلالات دم أطفالنا وأمهاتنا وشيوخنا؟؟ ألا تكمن المقاربة هنا مع أمراء الطوائف في الأندلس، أو حكام دويلات في عهد احتلال الفرنجة في حروبهم الصليبية، الذين تحالفوا وتعاونوا مع الغزاة وسلموا القدس لهم مقابل دعمهم كحكام في إماراتهم.

بكلمة، الشعب الفلسطيني لم يخول ولن يخول أحدا بالقيام بأي حل لا يفضي إلى استقلال وطني وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وغير ذلك خيانة للوطن ودماء الشهداء ووصايا أحرار الأمة. والشعب الفلسطيني بالضرورة يحمّل المسؤولية لكل من يقف عائقا أمام تحقيق وحدته وتطلعاته. وإن المهارات الكلامية والفذلكات وتهييج المشاعر والعواطف لن تشكل ترس وقاية لأي كان من حراب الشعب وصفحات التاريخ.