السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حوارات المصالحة الفلسطينية ما بين صقيع موسكو والحرب على غزة

نشر بتاريخ: 29/02/2024 ( آخر تحديث: 29/02/2024 الساعة: 10:31 )

الكاتب: اكرم عطالله العيسة

على مدار الستة عشرة عاما الأخيرة، ومنذ اكتساح حركة حماس للسلطة وسيطرتها امنيا وسياسيا على قطاع غزة عام ،2007 لم تتوقف الحوارات الفلسطينية الفلسطينية خاصة ما بين رأسي المعادلة الفلسطينية، حركتي حماس وفتح ، بل انه قد تم اعلان الاتفاق على المصالحة اكثر من 12 مرة خلال تلك الفترة، اعلان القاهرة، ومكة، واتفاق مخيم الشاطئ، ووثيقة الاسرى، والخرطوم واليمن، والجزائر، والقاهرة 1 والقاهرة 2، وأخيرا الاتفاق الذي قاده عن حركة حماس موسى أبو مرزوق، وعن حركة فتح جبريل الرجوب، وللأسف فان كل هذه الإعلانات عن المصالحة كانت عديمة الجدوى بل أصبحت مادة للتندر والفكاهة في الشارع الفلسطيني، وأيضا فقدانا للأمل.

تتوجه انظار الكثير من الفلسطينيين، سواء أولئك من فقدوا الامل في إمكانية المصالحة، او الكثيرين ممن يأملون ان يساعد الدم الفلسطيني المسال في غزة، والخطر المحدق بمئات الاف الفلسطينيين في التهجير، في دفع المتوجهين الى موسكو يوم 29 شباط، بأن يتوصلوا الى اتفاقية بشكل ما، علها تساهم في حمل مهمات المرحلة الاقسى والأكثر عنفا في تاريخ شعبنا الفلسطيني.

هذه ليست المرة الأولى التي تستضيف موسكو لقاءات حمساوية فتحاوية، فقد شهدت الأعوام 2008 حتى 2012 أكثر من لقاء. على عكس معظم دول أوروبا الغربية وكذلك الولايات المتحدة التي وسمت حركة حماس بالإرهاب، فان روسيا أبقت على علاقات وثيقة الى حد ما مع حركة حماس، ودأبت على استقبال قادتها من وقت الى آخر، مما سبب ازعاجا في بعض الأحيان لقيادة السلطة الفلسطينية، علما ان هنالك أيضا علاقة قوية تربط موسكو بقيادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح.

نعم الحاجة ملحة للمصالحة الوطنية الفلسطينية، ومكان استضافة جولات المصالحة ما بين 29 شباط حتى 2 آذار، يمثل قوة عالمية مهمة، قد حافظت على علاقة متوازنة ما بين طرفي الانقسام الأساسيين "فتح وحماس" الا ان ذلك لربما لن يكون كافيا لتحقيق الرغبات.

في 18 فبراير/شباط الجاري رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال اجتماع للقيادة الفلسطينية بالدعوة الروسية، للحوار ما بين الفصائل الفلسطينية وأكد على ضرورة الالتزام بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير "وإنهاء إفرازات الانقلاب في العام 2007، والالتزام بمبدأ السلطة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد والمقاومة الشعبية السلمية".

ماذا يعني ذلك؟

- الاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها واهمها اوسلو - علما ان اسرائيل وعبر تصريحات من معظم قياداتها، قالت ان اتفاق اوسلو ولى وانتهى، وانها اي اسرائيل تنظر للسلطة كأداة امنية لا اكثر ولا اقل، وهذا ما قاله رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل محمد اشتية من خلال التعقيب على استقالته يوم 26 شباط 2024.

- يعني ذلك عدم اصلاح واعادة هيكلة منظمة التحرير والقبول بها على عواهنها وهي التي تحولت الى مجرد دائرة تابعة للسلطة الفلسطينية.

- ويعني ايضا ادانة المقاومة، وفقط القبول بالمقاومة الشعبية السلمية، على الرغم ان المقاومة الشعبية السلمية هي موضوع نقاش طويل وعريض في الضفة الغربية، كونه يطرح كشعار بعيدا عن التغذية والتمويل والتطوير واطلاق اليد.

بالمقابل فان النائب عن حركة حماس ايمن ضراغمة يقول " نجاح الحوار يتطلب التراجع عن الشروط التي وضعها الرئيس أبو مازن، ومنها الاعتراف بالشرعية الدولية لدخول منظمة التحرير". اما محمد اشتية رئيس الوزراء الذي وضع استقالته امام الرئيس الفلسطيني فقد قال خلال مؤتمر ميونخ للأمن الذي انعقد مؤخرا" سنرى ما إذا كانت حماس مستعدة للنزول معنا على الأرض، نحن مستعدون للتعامل معها. وإذا لم تكن حماس مستعدة فهذه قصة مختلفة، ويضيف انه لكي تكون حماس جزءا من الوحدة الوطنية يتعين عليها ان تفي بشروط مسبقة معينة".

لقاء موسكو المرتقب قد يصل الى اتفاق عام على حكومة تكنوقراط في سبيل ادارة اوضاع المرحلة القادمة والحرجة من تاريخ شعبنا، لكن موسكو لن تكون قادرة على تحديد مكونات واشتراطات ولا اهداف حكومة التكنوقراط، بمنتهى البساطة فالحرب العدوانية على قطاع غزة لم تكن موسكو حاضرة بقوة فيها لانشغالها في أوكرانيا، وربما كانت موسكو مستفيدة من انشغال أمريكا وأوروبا في الشرق الأوسط ودعم إسرائيل، حتى يتاح لها تحقيق تقدما اكبر على جبهة أوكرانيا، حكومة التكنوقراط يجب ان ترضي أطرافا إقليمية معينة، وكذلك تلقى قبولا أمريكيا واوروبيا.

اما موضوع المصالحة الوطنية بمضامينها الاستراتيجية فربما تؤجل الى مرحلة لاحقة، بسبب عمق الخلافات وتشعبها، والتي ازدادت بوضوح خلال مرحلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومثلما كان الاتفاق ما بين موسى أبو مرزق وجبريل الرجوب عام 2020، بترحيل الخلافات المركزية والاتفاق على اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في فلسطين، وبعدها يتم العودة لحل الخلافات المركزية، فربما يتم التوافق على بيان عام بخصوص حكومة تكنوقراط بعيدة عن الفصائلية السياسية لتحمل عبئ التعاطي في مرحلة ما بعد العدوان على غزة، اما تشكيلها والاتفاق على أعضائها، وكما قلنا أعلاه فهو يخضع للمزاج والمصالح الإقليمية والتدخلات الامريكية والأوروبية وإسرائيل إضافة الى الدول العربية المركزية, والاهم من ذلك تأثير العدوان والحرب التي ما زالت تفعل فعلها المدمر في قطاع غزة، وهل هذا هو الوقت المناسب لتشكيل الحكومة ام لا؟، مم يرجح ترحيل تشكيل مثل هذه الحكومة لمرحلة قادمة.