السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإرشاد والرعاية النفسية الاجتماعية وقت الازمات

نشر بتاريخ: 16/03/2024 ( آخر تحديث: 16/03/2024 الساعة: 19:49 )

الكاتب:

د. إكرام المحتسب- الاخصائية النفسية الاجتماعية

يواجه الأفراد في أي مجتمع العديد من المواقف الطارئة او الأحداث الصادمة التي تحيط بهم، منها ما يستطيعون مواجهتها والتعامل معها وتجاوزها أو التكيف معها بطرق واقعية وسليمة، ومنها ما يصعب عليهم تجاوزها أو التعامل معها، لما تشكله من تغير جوهري ومفاجئ، يصيب مساحة اعتادوا على انها تحت سيطرتهم وقدراتهم الخاصة، وذلك لشدتها وصعوبتها التي قد تتجاوز قدراتهم الذاتية على التحكم بتبعاتها واضرارها.

ويواجه الأفراد في الازمات او الكوارث أو الحروب العديد من المشاعر السلبية وما يرافقها من صدمات نفسية تفوق قدرتهم على تحملها أو حتى الاعتراف بها، فيعيشون ضغوطات نفسية متنوعة الشدة، ربما تتطور الى اضطرابات نفسية بعد الصدمة، في غياب التدخل المتخصص والمخطط له، مما يستوجب التصدي لها ومواجهتها بطرق أكثر صحية لتقليل اثارها السلبية ونتائجها المرفوضة.

وهنا يبرز الدور الإنمائي والوقائي والعلاجي الهام للمساندة النفسية والاجتماعية والتدخل المبكر مع الافراد الواقعين تحت تأثير الازمة او الموقف الصادم أثناء وبعد تعرضهم للمواقف الصادمة، بهدف الوصول معهم الى مرحلة من الاتزان والاستقرار والتكيف النفسي والقبول ولو المؤقت بوجود الازمة، حتى يستعيدوا السيطرة تدريجيا على سلوكهم وانفعالاتهم، وتزداد قدرتهم على التحمل وتجاوز الازمة، والعودة التدريجية الى الحالة الطبيعية والمرونة النفسية قبل حدوث الازمة، مما يزيد من قدرتهم على التحمل مستقبلا واستئناف الحياة الطبيعية وفهم وتقبل المواقف التي يتعرضون لها، وضمان الوقاية من الاثار النفسية او الجسمية او الاجتماعية او المادية وغيرها.

ويمر المجتمع الفلسطيني في وقتنا الحاضر بالعديد من الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية الصعبة، والتي تنعكس بشكل مباشر على الاحداث الحياتية للأفراد، وتهدد أمنهم النفسي والاجتماعي، وتزيد من معاناتهم، وتصعب عليهم حياتهم اليومية، حيث تشكل لهم تلك الظروف المفاجئة تحديات صعبة على المستوى الفردي والاسري والمجتمعي، وتجعلهم يواجهون المصاعب بطرق قد لا تكون متناسبة مع الاحداث والمواقف او التحديات الخطيرة الحاصلة، وبالتالي تنعكس سلبا على صحتهم النفسية والاجتماعية، وتهدد كيانهم واستقرارهم النفسي، اذا لم يتم التعامل معها كما يجب. فالأحداث تقع وتتصاعد بشكل متسارع وحاد، الامر الذي يؤدي بالبعض أحيانا الى فقد القدرة في السيطرة على الاحداث واستيعابها، او التكيف معها بشكل مناسب.

ونتيجة لما يواجهه المجتمع الفلسطيني من أحداث صادمة وخاصة اثناء الحرب الأخيرة على غزة، وتبعاتها واثارها الصادمة على جميع افراد المجتمع الفلسطيني على وجه الخصوص، فقد أصبح هناك ضرورة شديدة وملحة لتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية، على المختصين والمهنيين واجب تقديمها لكل من يحتاج الى المساندة والدعم النفسي، ولكل المتضررين من هذا الواقع الصعب وغير المحتمل، والذين هم في أمس الحاجة الى الاحتواء والرعاية والاسعافات الأولية النفسية، التي وجب تقديمها منذ اللحظات الأولى لحدوث الازمة، ضمن شروط واعتبارات خاصة لطبيعة الظروف في غزة والمجتمع الفلسطيني ككل.

ولطبيعة الظروف الخاصة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني عموما وما تعيشه غزة على وجه الخصوص، من نقص شديد في الاحتياجات الشديدة التنوع والتكاليف، من مأكل ومشرب وسكن وعلاج وأمن... والتي يصعب عليهم تحديد اولوياتهم منها، فقد تعمل تلك الظروف الشائكة على مضاعفة الازمة وتبعاتها واثارها. وتؤدي الى الصعوبة الشديدة في التركيز على الاثار النفسية السلبية للحرب، مما يستدعي جهود كبيرة ومضاعفة ومدروسة من المهنيين والمختصين للعمل ضمن الظروف الشائكة والعظيمة والمؤلمة، لضمان تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي لدى الضحايا المأزومين، وذلك من خلال العمل على تعديل ما يمكن تعديله في سلوك الافراد وتفكيرهم وفي تقبل البيئة الطبيعية والنفسية والاجتماعية الجديدة التي فرضت عليهم (قبول الواقع الجديد ثم التكيف معه وعدم انكاره).

ان عملية توظيف واستثمار الجهود والامكانيات من قبل المختصين ذوي الخبرة في التدخل في وقت الازمات، له اسهامات كبيرة ومهمة على صعيد التخفيف من وطأة الاحداث الصادمة والأزمات المتنوعة لدى المتضررين منها، والذين يعانون من فقدان ولو مؤقت في القدرة على التكيف مع الواقع الجديد. كما يحتاج من المختصين والمهنيين بناء خطط تدخلية ارشادية محددة وواضحة الأهداف والاولويات، بما يساهم في مساعدة الافراد في استعادة التوازن النفسي وتنمية المناعة النفسية لدى الافراد الضحايا، ليكونوا محصنين ضد الانهيار النفسي جراء أعباء فرضتها المتطلبات الجديدة بعد الحرب، وذلك من خلال العمل معهم على استثمار وتوظيف لقدراتهم في إعادة السيطرة على أفكارهم وزيادة مستوى الوعي لديهم في قبول الواقع الجديد والتكيف معه وعدم انكاره، للانطلاق نحو استعادة التوازن وتمكين الصلابة النفسية في التعامل مع الواقع الجديد والضغوط الناتجة عنه، وليكونوا قادرين على ممارسة المساعدة الذاتية بعد ذلك.

وللبدء في مرحلة العمل مع الافراد المتضررين يتوجب على مقدمي الرعاية النفسية والاجتماعية الانطلاق الى تحقيق الأهداف الرامية الى استعادة التوازن والتمكين النفسي والاجتماعي للمتضررين من خلال الاعتماد على القواعد التالية:

1-استثمار وتوظيف جوانب القوة الموجودة لدى الافراد المتضررين من الازمة والتي قد تكون كامنة لديهم.

2-تعزيز القدرة على المرونة النفسية لديهم، والقدرة على الانحناء بدون التعرض للكسر نتيجة للازمة.

3-تعزيز القدرة على التكيف وقبول الواقع الجديد دون انكاره للانطلاق الى مرحلة التعافي، وردود الأفعال المتوافقة مع الاحداث الجديدة، ضمن نطاق التفكير العقلاني والواقعي، للخروج من حالة العجز وعدم القدرة او السيطرة والتحكم بالأمور.

* دكتوراه الارشاد النفسي والتربوي