السبت: 12/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

التعليم ثم التعليم

نشر بتاريخ: 17/09/2024 ( آخر تحديث: 17/09/2024 الساعة: 11:11 )

الكاتب: تحسين يقين

تجدد نكبة 2023 التي ما زالت قائمة نكبة 1948 التي لم تنته بعد، لذلك سيحضر الحديث عن التعليم كثيرا.

من المفاهيم الفلسطينية التي صارت على مدار 76 عاما نهجا واستراتيجيات أسرية وشعبية، مفهوم التعليم، لأنني لا أكاد أمرّ في مكان، ولا أزور بيتا، ولا أجلس في أي مكان، حتى أجد أحد الناس وأكثر من يذكّرنا بالتعليم، مهتما بشكل خاص مثير للتأمل بتعليم أولاد وبناته.

عجيب أمر شعبنا إزاء التعليم، حتى وجدنا أنفسنا جميعا ننظر للتعليم بشيء من القداسة؛ لذلك يصعب أن يردّ مدير مدرسة خائبا إذا لجأ الى أي مقتدر أو مؤسسة طالبا بعض الدعم للمدرسة التي يديرها. بل صار الناس يؤثرون التبرع للمدرسة، وكم رأيت بعيني من يزور المدرسة ويسأل ما ينقصها. والحق أن المجالس القروية والبلدية دوما تهتم بشأن المدارس. وكل ذلك لم يأت من فراغ أو صدفة، بل مما تراكم من وعي ممزوج بإرادة فلسطينية عظيمة بالتمسك بالتعليم، وما زلنا نشهد عبر سنوات اللجوء والنزوح حرص اللاجئين والنازحين على التعليم.

واليوم، يدخل مائة ألف طالب وطالبة من قطاع غزة الحبيب على برنامج التعليم عن بعد، من خلال حرص وزارة التربية والتعليم على توفير ما يمكن حتى تحت القصف الغاشم. سيحيا طلاب وطالبات غزة والضفة والشتات، وسيحيا طلبتنا في فلسطين المحتلة عام 1948 أيضا، وستظل فلسطين الوطن والحضارة حاضرة لن تزعزعها سلطات الاحتلال، والتي لجهلها وسوء تقديرها، كلما حاولت استلاب التعليم يزاد قوة.

ما دامت القلوب على القلوب، والوعي التربوي والمجتمعي في مكانه، فسنتابع؛ فما معنى رؤية طلبتنا وهم يملؤون الشوارع والساحات باسمين؟ وما معنى متابعة أطفال الخيام دروسهم المدرسية عن بعد؟ في فلسطين نحن لا نصف المعجزات بل نجترحها فعلا، تلك هي العبقرية الفلسطينية التي لن تهزم.

وتلك هي المقاومة الأكثر نبلا على الإطلاق.

في الحديث عن التعليم وقت الحرب، لربما علينا تأمل التعليم في الظروف العادية؛ فالتركيز على التعليم في غرف الصفوف يشكل ضمانة مهمة لعمل اختراق، فما بالك في هكذا ظروف؟ بمعنى أن التركيز على التعليم، يعيد العملية التعليمية إلى أصولها، وهذا ما يتفق مع الحداثة والتحديث في العالم المستقر.

معلم جاد، بهيبة ووقار، ومتعلم جاد بإرادة التعلم بوعي على أهمية التعليم في الحياة. وبانسجام مع الإدارات التربوية على مختلف مستوياتها، سيترسخ ما هو تقليد نعتز به، عن المعلم القدوة والمدير القدوة، في ظل جدية الاتجاهات التي تتبلور مهنيا ووطنيا وإنسانيا، بجعل الطالب محط الاهتمام الأول، وخلق أريحية للتعليم المدرسي. وهذا سيكتمل فعلا بوعي المجتمع وتعاونه، في ظل ترحيب مؤسسة التربية بالمجتمع الفلسطيني الشريك الأكثر أهمية. ستتآلف الإدارات التربوية جميعا لدعم المعلم والتعليم كهدف أساس وحماية التعليم من أي تشتت يمكن أن يؤثر سلبا على انتظام العملية التعليمية التي وصفناها بالمقدسة.

في ظل اهتمام المجتمع والمؤسسة معا، سنعبر معا عاما دراسيا جديدا، بالرغم من المأساة الكبرى لكل مكان يصل له الاحتلال، والتعويل اليوم على المعلم القدوة، فلم يمر وقت على فلسطين وجد فيه المعلم على المحك كما هو اليوم، وكلنا ثقة في المعلمين والمعلمات في التعليم ما كانوا قادرين فعلا للوصول إلى المدارس، أما في ظل صعوبة تظهر هنا وهناك، فإن التعليم عن بعد يمكن أن يشكل بديلا لا بأس به، والتعويل على الأهالي والهيئة التدريسية لأية مدرسة هو ضمان دخول الطلبة خاصة الذكور الى الصفوف الافتراضية، والتي صار للطلبة الفلسطينيين اليوم خبرة في التعلم بواسطتها.

أما ما يمكن أن يبعدنا عن البوصلة، فلا داع لذكره، أكان داخليا يقصد فتنة وتشتيتا أو عدوا يكره مجرد ذكر فلسطين وعلمها وكوفيتها التي تزين أغلفة كتبنا المدرسة؛ فأي جريمة في أن يعلم الشعب خصوصياته الثقافية والوطنية؟ ومعروف تماما من هم الفلسطينيون أحفاد الكنعانيين، مؤسسي الأبجدية، وأكثر شعوب العالم ممارسة للزراعة وجعل الأرض خضراء!

"كلنا للطالب" و"الطالب على مقعد التعليم"، ليس كلاما يقال في أروقة المؤسسة التعليمة، بل فعل يتجلى اليوم في استئناف العملية التربوية، التي وحدها أعادت للمجتمع الفلسطيني الحركة والحياة بعد إجازة الصيف. ومن هذا المنطلق، فإن كل جهد مخلص يضع التعليم الحقيقي بوصلة له، سيعني تكامل الأدوار، وسيعني سرور الطلبة باستئناف حياتهم، على أمل بعودة طلبة غزة الى مقاعدهم.

قبل عقود من السنوات، قال الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بيلا: أطفال فلسطين هم الظاهرة الأكثر حيوية ونبلا في العالم"، ترى ماذا يمكن أن يقول أي إنسان يشاهد حال أطفالنا اليوم؟ ماذا يعني ذلك؟ الحيوية والنبيل، إنهما الحياة في أبهى صورها وتجلياتها.

تستحق فلسطين وتعليم أطفالها وطفلاتها الارتقاء بالعمل من خلال جدية التعليم، ولن تحتاج مدارسنا فعليا الا التعليم، لذلك فإن الاعتماد على خبرات المعلمين أولا وتشجيعهم سيعني الكثير، في الوقت الذي نستعيد فيها رشاقة التعليم، لأننا إن فعلنا ذلك، فسينعكس ذلك على طلبتنا.

طرق تطوير التعليم تبدأ أولا بضمان الاستمرار بالتعليم، فمهما ستكون لنا من ملاحظات نقدية على العمل التربوي، فإنها ستكون ذات معنى عند ضمان العملية التعليمية وتجنيبها أية إغلاقات، باعتبار أن هناك إجماعا على صون التعليم.

ولعل قطاع التعليم على مرّ عقدين ونصف، أي منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، هو القطاع الأكثر حيوية في المجتمع الفلسطيني، ما يعني الكثير من اهتمام المجتمع والنظام السياسي والحكومة. لقد أدرنا التعليم خلال 3 عقود، هي عمر السلطة الوطنية، ويمكننا اليوم مراجعة ما تمّ، ما تم إنجازه، وما تراجع، في سياق ما يحدث في فلسطين والعالم من تحولات متنوعة نحن لسنا بعيدين عنها. لذلك سيصير للمساءلة والشفافية مكانة مهمة حين تتم منطلق وطني ومهنيّ بعيدا عن أية حسابات لسنا بحاجة لها.

نحن بلد صغيرة، ونعرف بعضنا بعضا، وآن الأوان لا لإقصاء أحد هنا أو هناك، بل لوضع كل صاحب خبرة في مجاله، ولعل قيمة التعاون ستظل القيمة العظيمة التي تجعلنا نراكم الإيجابيات.

في العمل الفكري التربوي نحن بحاجة للندية الفكرية، التي تتم خارج الرتب والمناصب، ونحن بحاجة لكل ما نعرفه من تلبية الحاجات، وأن نتعاون في مأسسة العمل لأن ذلك يخلق جوا جاذبا للعمل.

السلطة هي للمعنى الذي يتجلى في تنفيذ حصة دراسية ناجحة أحبها أطفال فلسطين، وكانوا فيها وبعدها باسمين، يستفيدون منها في حياتهم ومستقبلهم.

سعيدون وسعيدات باتجاهات التعليم المؤكد على تركيز التعليم لا تبعثره، وعلى التعاون، وكل عمل يصب في هذا الاتجاه سيكون عملا وطنيا وإنسانيا نقدره.

وكل من يحب تعليم طلبة فلسطين وحمايتهم، فإن الطريق معروفة وواضحة، وليكن شعارنا النبيل كلنا للطالب الفلسطيني، بما يحقق مصلحته في التعلم، للوقوف على أرض صلبة لينطلق منها بعدها بل وخلالها.

[email protected]