الكاتب: د. رمزي عودة
تقترح وزارة الحكم المحلي تغيير النظام الانتخابي المعمول به في الانتخابات البلدية المقبلة وتحويله من النظام النسبي المغلق الذي كان معمولا به في الانتخابات السابقة عام 2021 الى نظام القائمة المفتوحة النسبي. وفي الواقع، هذا التغيير المقترح سبقه تغيير من نظام الأغلبية الى النظام النسبي الذي عمل به في انتخابات 2012، 2016، 2021. ووحسب تصريحات وزير الحكم المحلي، فإن النظام المقترح يتضمن وجود صوتين لكل ناخب: الصوت الأول للقائمة بحيث تحصل القائمة على نسبة من المقاعد تتناسب مع نسبة الأصوات التي حصلت عليها، أما الصوت الثاني فهو خاص بترتيب أول خمسة أسماء من القائمة وذاك لاختيار رئيس القائمة في إطار المرشح الذي يحص على أعلى الأصوات. من جانب أخر، يتضمن مشروع القانون الذي أقر في جلسة مجلس الوزراء بالقراءة الأولى وعُرض للنقاش العام، على زيادة نسبة الكوتا النسوية من 20% الى 30%، إضافةً الى تخفيض عمر الترشح من 25 الى 23 عام. وبالطبع، فإن هذه التعديلات المقترحة تعتبر أكثر ديمقراطية لأنها تتيح للناخبين اختيار كل من القائمة ورئيسها وهو إجراء معمول به في العديد من الانتخابات المحلية مثل الاردن والجزائر وبعض المقاطعات في فنلندا والسويد والبرازيل. كما انها تعزز من نسبة من مشاركة النساء والشباب.
يبدو أن المحرك الرئيس لاقتراح هذا المشروع هو التنافس بين مرشحي القوائم الفتحاوية في أي انتخابات بلدية لاسيما في المدن الكبرى، حيث تختار في العادة الحركة مرشح قوي ليشكل القائمة بينما يرفض هذا الترشيح مرشحين فتحاويين أخرين يطمحون للتمثيل ورئاسة البلدية ، وبالتالي يقوم هؤلاء بتشكيل قوائم مستقلة منافسة أخرى تتكون القاعدة الشعبية لها من الفتحاويين أنفسهم ومن امتداداتهم العشائرية. وهذا بالطبع يعرض قائمة حركة فتح الأساسية للخسارة أو عدم قدرتها على الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل المجلس.
ويمكن تسمية هذه الحالة المتكررة في كل انتخابات تخوضها حركة فتح بأن فتح تنافس نفسها، وهو بالضبط ما حدث في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، والذي نافس فيها 70 عضو من أعضاء حركة فتح المستقلين قوائم حركة الرسمية على مستوى الدوائر بما أدى الى خسارة الحركة في هذه الانتخابات. وفي ظل هذا الاقتراح الجديد، وهو نظام القائمة المفتوحة، يأمل مهندسو هذا النظام أن تزول هذه المشكلة برغم العيوب الأخرى والكثيرة التي تعترض سير هذا النظام. وقد قدّمت هذه العيوب أو الاشكاليات الى وزارة الحكم المحلي وأمام جلسات خاصة بنواب المجلس التشريعي عندما تم اقتراح هذه المشروع عام 2016، وهو الأمر الذي ربما أدى الى تأجيل إنفاذ هذا القانون حينها، ولكنني فوجئت بإعادة اقتراح هذا القانون في الوقت الحاضر، وهو الأمر الذي جعلني مرة أخرى أقدم العديد من الاشكاليات التي تواجه هذا النظام حسب التالي:
الاشكالية الأولى تتمثل في حالة الارباك التي قد تصيب الحركة نتيجة لكونها تتعامل مع نظام انتخابي جديد ، وعليها بالضرورة أن تتدرب عليه وأن تعي نتائجه وتضع الخطط الانتخابية المتناسبة مع هذا النظام.
الاشكالية الثانية تعكس عدم قدرة نظام القائمة المفتوحة على منع الانقسامات داخل صفوف الحركة نتيجة للتنافس على ترأس القوائم، حيث يؤثر نظام القائمة المفتوحة سلباً على التماسك الحزبي ويزيد من حدة الصراعات داخل الحزب على خلاف النظام النسبي المغلق، ففي العادة، فأن الأحزاب الأقل تماسكاً تكون عرضة للانقسام أكثر داخل هذا النظام، وبالضرورة، فإن هذا النظام لا يستطيع أن يضمن عدم تشكيل قوائم "فتحاوية" مستقلة لا تريد أن تخضع لنظام القائمة المفتوحة.
الاشكالية الثالثة تتمثل في تشتيت الأصوات بين الخمسة أسماء المتضمنة في القائمة، حيث سيتم تركيز الناخبين على أول اسم كرئيس للقائمة، وحينها سيتم تشتيت الأصوات الاربعة المتبقية، وهذا قد يؤدي الى فوز بعض المرشحين في القائمة ليس لقوتهم وانما بسبب تشتيت الأصوات.
الاشكالية الرابعة في هذا النظام المقترح تتمثل في أنه يسمح بمجال أوسع للعشائرية بالتحكم في حركة فتح، حيث يسهل على العشائر الكبرى في المناطق أن تترأس القوائم الانتخابية بما سيؤدي الى استبعاد الكادر الفتحاوي عن القيادة وسيجعله تابعاً للإملاءات العائلية.
الاشكالية الخامسة تتمثل في ميل نظام القائمة المفتوحة الى استبعاد الشباب والفئات المعتدلة الأقل شهرة داخل صفوف الحركة، حيث أنه من خلال عملية الاستقطاب في التصويت لصالح القيادات الكبرى داخل الحركة سيحصل الشباب والاجنحة الجديدة والتي هي في الأغلب تكون أكثر اعتدالا على نسبة أقل من الأصوات، وبالضرورة، فان نظام القائمة المفتوحة سيقصي الدماء الجديدة والأكثر انفتاحا داخل صفوف الحركة.
الاشكالية السادسة تتمثل في عدم فهم النظام الانتخابي من قبل عامة الناس، أولاً لانه نظام جديد، وثانياً بسبب عدم معرفة الناخبين بكل مرشحي القائمة الانتخابية. فعلى سبيل المثال فقط 25% من الناخبين في السويد يرتبون أسماء القائمة. وهذا يعبر عن عدم وعي وإدارك الناخب بأسماء المرشحين وخاصةً أن هؤلاء المرشحين لا يسمح لهم بعمل حملات إنتخابية خاصة بهم، وانما حملة انتخابية فقط للقائمة ككل.
الاشكالية السابعة تتمثل في صعوية جمع الأصوات وتحليلها من قبل لجنة الانتخابات المركزية، حيث انه بسبب ترتيب الأسماء في القائمة، فإن ذلك يحتاج الى جهد أكبر وكلفة عالية وتدريب عالي، وهذا الذي أدى الى تخلي إستونيا عن هذا النظام
الاشكالية الأخيرة في هذا النظام المقترح تتمثل في صعوبة تمثيل الأقليات داخل القائمة، حيث من الصعب على هذه الأقليات الفوز ضمن هذا النظام. وبرغم أن المسيحيين الفتحاويين سيحظون بتمثيل ضمن نظام الكوتة الا أنهم لن يستطيعوا الحصول على مقاعد أكثر عن هذه الكوتة حتى وان توافرت لديهم كفاءات تنظيمية أكبر.
من التحليل السابق، أعتقد أن نظام القائمة ليس هو الحل الأمثل لتعدد الانقسامات داخل حركة فتح في الانتخابات البلدية، وأعتقد أيضاً أن وزارة الحكم المحلي يجب أن تجري مسبقاً دراسات أكثر عمقاً على واقع تجربة القوائم المفتوحة في الأردن والجزائر وبعض الدول ذات النظم القريبة من فلسطين. وبالضرورة، يمكن للوزارة أن تفكر ببدائل ربما تكون أكثر واقعية مثل اشتراط عمل انتخابات تمهيدية داخل كل قائمة أو رفع نسبة الحسم حتى تمنع القوائم الصغيرة من التنافس في الانتخابات، كما أن رفع نسبة الحسم الى 10% على سبيل المثال كما هو معمول به في تركيا وماليزيا سوف يشجع الأقليات والأحزاب الصغيرة والقوائم المستقلة على الاندماج في قوائم مشتركة ضمن اتفاقات مسبقة قبيل الانتخابات.