الكاتب: داود داود
ليس من حقّ مَن ارتهنَ لمشاريع وأجندات خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية وخارج النظام السياسي الفلسطيني أن ينتقد أو يُصدر مواقف وتصريحات تخصّ الشأن الفلسطيني وترتيباته الداخلية. فالقرارات الفلسطينية يجب أن تُصاغ داخل المؤسسات الشرعية التي تمثل إرادة الشعب الفلسطيني، وليس وفقاً لأهواء مجموعات تتبع لتحالفات إقليمية ودولية تُعارض المسار الوطني الفلسطيني.
ما جرى مؤخراً من استحداث لمنصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دولة فلسطين هو مطلبٌ وطنيٌ ضروري لضمان تواصل الأجيال، وتعزيز التماسك الداخلي، واستمرار عافية النظام السياسي الفلسطيني بمؤسساته المختلفة. هذا الإجراء ليس جديداً، بل هو جزء من التطوير الطبيعي لأيّ نظام سياسي يسعى إلى تجديد دمائه وضمان استقراره، خاصةً في ظلّ التحديات الكبيرة التي تواجه القضية الفلسطينية، من محاولات التصفية والتهويد إلى تعطيل المشروع الوطني الفلسطيني.
واختيار الرئيس محمود عباس (أبو مازن) لتعيين حسين الشيخ نائباً له هو اختيار صائب وحكيم، لما يتمتع به الشيخ من مقوّمات رجل الدولة المخضرم، الذي اكتسب خبرة واسعة في إدارة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية على مدار عقود. كما يتمتع بعلاقات متينة على المستويين العربي والدولي، مما يجعله عنصراً فاعلاً في تعزيز مكانة القضية الفلسطينية وحشد الدعم لها في المحافل المختلفة. هذا التعيين يأتي في إطار تعزيز البنية المؤسسية للسلطة الوطنية الفلسطينية وضمان استمرارية العمل الوطني وفق رؤية استراتيجية واضحة.
غير أن حركة حماس، ومنذ عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن بعد اتفاقية أوسلو (1993)، ظلّت تسير عكس التيار الوطني العام، وتتبنى خطاباً وسياسات تتعارض مع الإجماع الفلسطيني. بل إن مواقفها الأخيرة، وخاصةً تلك التي تنتقد التطويرات الداخلية للنظام السياسي الفلسطيني، تتساوق مع تصريحات بعض السياسيين الإسرائيليين الذين يسعون إلى تفكيك مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وإضعافها.
من الواضح أن حماس، بدلاً من أن تكون جزءاً من المنظومة الوطنية الموحدة، تختار أن تضع نفسها في موقع المعارضة الدائمة، بل وتتحالف مع قوى إقليمية تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني وفقاً لمصالحها الضيقة. وهذا ليس غريباً على حركةٍ عرقلت مراراً جهود المصالحة، ورفضت الخيارات الديمقراطية عندما لم تكن في صالحها، كما حدث بعد انتخابات 2006 وانقلابها على الشرعية في 2007.
إن استمرار حماس في نهجها هذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من التفتيت للصف الفلسطيني، في وقتٍ يحتاج فيه شعبنا إلى الوحدة أكثر من أي وقتٍ مضى لمواجهة مشاريع الضمّ والتهويد التي تُنفذ على الأرض. فالقضية الفلسطينية تحتاج إلى مؤسساتٍ قوية تمثل جميع الفلسطينيين، وليس إلى خطاباتٍ تزيد من الانقسام وتخدم، ولو عن غير قصد، الأجندات الإسرائيلية الرامية إلى إلغاء الحقوق الوطنية الفلسطينية.
لذلك، فإن التمسّك بمنظمة التحرير الفلسطينية كمظلةٍ وطنيةٍ جامعة، والعمل على تطويرها لتكون أكثر تمثيلاً وتفاعلاً مع كلّ فئات الشعب، هو الطريق الوحيد للحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني وصيانته من محاولات الاختطاف الخارجية والداخلية.