الخميس: 08/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

إعتذار بريطانيا للفلسطينيين

نشر بتاريخ: 08/05/2025 ( آخر تحديث: 08/05/2025 الساعة: 11:32 )

الكاتب: هبة بيضون

شكّلت بريطانيا الواقع الفلسطيني، بالدور الذي لعبته منذ وعد بلفور وحتى فترة الانتداب، وللأسف، لم تترتب عليه أيّ مساءلة تاريخية حتى اليوم، على الرغم من أنه كان هناك مبادرة قادها رجل الأعمال الفلسطيني، منيب المصري، للمطالبة باعتذار رسمي من قبل بريطانيا عن الانتهاكات التي ارتكبتها خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث جمع المصري ملفاً من (300) صفحة، يحتوي على أدلة حول جرائم ارتكبتها القوات البريطانية ضد الفلسطينيين، وسعى إلى تقديم الملف للحكومة البريطانية، مطالباً باعتراف رسمي بالمسؤولية، الى جانب الاعتذار عن وعد بلفور، ولكن، لا تزال القضية قيد المتابعة.

من الجدير بالذكر، أنه تاريخياً، هناك دول اعتذرت عن استعمارها وجرائمها، ولو أنّ بعضها بصورة غير رسمية، فمثلاً: أبدت فرنسها أسفها، ولم تعتذر رسمياً، عن استعمارها للجزائر الذي استمر (132) عاماً، أما ألمانيا، فقد اعتذرت رسمياً عام (2021) لناميبيا عمّا ارتكبته من إبادة جماعية خلال الفترة (1904- 1908) من سنوات الاستعمار، كما أنّ بريطانيا ذاتها، لها سوابق بالاعتذار، منها اعتذارها عام 2013 عن مجزرة كينيا (1952- 1960)، وفي عام (2010) عن مجزرة الأحد الدامي في إيرلندا عام (1972)، وغيرها.

السؤال هو: ما هي احتمالات اعتراف بريطانيا بمسؤوليتها التاريخية عن النكبة؟ أعتقد أنّ ذلك يعتمد على عدة عوامل؛ فمع تزايد المطالبات القانونية والضغط الدولي ومن قبل المنظمات الحقوقية عليها، قد يضطرها ذلك لإعادة النظر بموقفها، وكان النائب البريطاني، جيرمي كوربين، قد دعا عدة مرات إلى تقديم بريطانيا اعتذاراً رسمياً عن دورها بوعد بلفور، وما ترتب عليه من نكبة فلسطينية، كما أطلق مركز العودة الفلسطيني، حملة دولية، بمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور، لدفع بريطانيا الاعتراف بمسؤوليتها التاريخية عن الوعد، والاعتذار. كما أنه من المأمول أن تمهّد حقيقة وجود سوابق تاريخية لها بالاعتذار عن جرائمها لبعض الدول، كما سبق وذكرت، لاعتذار مشابه للفلسطينيين.

بعد خروج بريطانيا من "البريكست"، وانعاكاسات ذلك على اقتصادها بصورة سلبية، أصبحت ترغب بتعزيز علاقاتها مع الدول العربية بمجالات عدّة، لتعويض خسائرها الناجمة عن خروجها من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تحسين صورتها الدولية، ما قد يجعلها تستخدم الاعتذار للفلسطينيين لتحقيق هذا الهدف، خاصة أنها تُظهر اهتماماً بتعزيز شراكاتها الاقتصادية مع دول الخليج، وجذب الاستثمارات الخليجية، وكذلك بحثها عن أسواق جديدة في الدول العربية. ناهيك عن رغبتها بالتقارب السياسي والدبلوماسي، وتعزيز علاقاتها مع دول عربية أخرى، للمحافظة على نفوذها الدولي، كل ذلك قد يكون دافعاً وراء تقديم اعتذارها للفلسطيينين، لما سيكون له أثر إيجابي على الدول العربية الأخرى.

من جانب آخر، وللموضوعية، فإنّ هناك اعتبارات قد تعيق الاعتذار، منها سياسية، وأخرى قانونية، حيث أنّ الاعتراف بمسؤولية بريطانيا عن وعد بلفور وتبعاته على الشعب الفلسطيني، قد يسبب توتراً بالعلاقة بينها وبين إسرائيل، وحتى حلفائها، ما يجعل القرار حساساً من الناحية السياسية. أما قانونياً، قد يفتح الاعتذار الرسمي باباً أمام مطالبات قانونية أخرى، كالتعويضات المالية للفلسطينيين، وهو ما قد تتجنبه بريطانيا.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار، أهمية الرأي العام البريطاني، فإنه ما لم يتوفر ضغط شعبي قوي داخل بريطانيا بالمطالبة بالاعتذار، فإنّ ذلك قد يقلل من احتمالية حدوثه، لذا قد يكون من المجدي والضروري العمل على تحفيز الرأي العام البريطاني، من خلال حملات إعلامية وتوعوية، ليتحرك بهذا الاتجاه، وهذه مسؤولية جماعية وفردية مشتركة، وكذلك رسمية وغير رسمية.

حتى الآن، لا يوجد مؤشرات – حسب علمي حتى اللحظة- على أنّ بريطانيا ستقدم اعتذاراً رسمياً، لنستطيع القول بأنّ العوامل الإيجابية فاقت المعيقات المحتملة، لكن من الضروري استمرار الجهود القانونية والسياسية، حيث أنها قد تجعلها تواجه ضغوطاً أكبر في السنوات القادمة، مع الأخذ بالاعتبار، بأنّ أيّ اعتراف بالمسؤولية واعتذار مستقبلي، قد يكون رمزياً ومشروطاً، وهذا ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل منيب المصري وفريقه من القانونيين، الذي لا زالت مطالبته قائمة.