الكاتب:
نبيل عمرو
بجهودٍ عمانية تمّ اتفاق أمريكي حوثي، اعتبره كل طرفٍ انتصاراً له.
الحوثي تخلص من قصفٍ أمريكي أحدث خسائر فادحة في الأرواح والمنشآت، وقد زاد طينهُ بلةً قيام الطيران الإسرائيلي بتدمير مطار صنعاء، ومنشآت يمنية أخرى، ما أظهر أن اليمن الحوثي دخل في حربٍ مزدوجة، ووفق كل التقديرات ستكون مرهقةً ومكلفة.
التطور الذي أنتجته الوساطة العمانية، هو وقف القصف الأمريكي مقابل موافقةٍ يمنية، على تجنب التعرض للسفن الأمريكية في البحر الأحمر، ما سوّقه إعلام ترمب على أته استسلامٌ حوثي، بينما الإعلام الحوثي صوّر الأمر على أنه هزيمةٌ لترمب الذي بدأ الحرب مع الحوثيين وليس العكس.
لن ندخل في متاهة الروايات المتبادلة بين ترمب والحوثيين، فالطرفان استفادا من الاتفاق العماني، ولكن ليس دقيقاً وصف الخلاصات على أنها حاسمة بانتصار طرفٍ على آخر، وإذا كان لابد من توصيفٍ كهذا فالحوثي كسب أكثر من الأمريكي ذلك بالنظر إلى الإمكانات العسكرية المتوفرة لدى كل طرف، ويظل الأمر نسبياً في هذا المجال.
الاتفاق وقع على نتنياهو بل وعلى إسرائيل كلها وقع الصاعقة، ذلك لما انطوى عليه من تجاهلٍ مقصودٍ وذي دلالة لإسرائيل التي علمت بالأمر بعد حدوثه، أي دون تنسيق مسبق، مع أن خطط نتنياهو بشأن اليمن وأي مكانٍ آخر تعتمد على الشراكة مع أمريكا، ذلك وفق فهم نتنياهو للشراكة، ملخصه أن لإسرائيل أفضلية في القرار الأمريكي وآلياته، وحتى لو كان للإدارة الأمريكية حسابات مختلفة، فيجب أن لا تصل الأمور وفق نتنياهو حد اتخاذ قراراتٍ من وراء ظهر إسرائيل.
نتنياهو الذي استغل ترمب في ولايته الأولى، وأخذ منه أكثر بكثيرٍ مما توقع، خصوصاً على مسار التطبيع وصفقة القرن وضم الجولان والقدس وغيرها الكثير الكثير، وجد تشجيعاً قوياً يوسّع مساحة تأثيره على ترمب، ليس فقط بشأن إدارة الحرب على غزة، وإنما بشأن الأمر الأكثر خطورةً وحساسية، وهو المسألة الإيرانية.
لقد ظهر جلياً اختلاف الأولويات بين الاثنين أولوية ترمب المعلنة والممارسة، هي الذهاب إلى تسوية سلمية مع إيران بما في ذلك تقديم تنازلاتٍ لا ترضى عنها إسرائيل، أمّا أولوية نتنياهو فهي الذهاب إلى حلٍ جذري أساسه العمل العسكري، ليس لبلوغ اتفاق قريب من الاتفاق السابق، الذي ألغاه ترمب، بل لتفكيك المشروع النووي الإيراني وتدمير ما لدى إيران من قدرات عسكرية وتسليحية واقتصادية، ما أشعر ترمب وإدارته بأن أمريكا في هذه الحالة، لن تكون إلا أداةً في يد إسرائيل تحقق لها أجنداتها بشأن إيران.
لعله من قبيل المبالغة في التشخيص الذهاب إلى اعتبار ان أمريكا آخذة بالتخلي عن إسرائيل وتركها وحيدة في حروبها الشرق أوسطية، الأمر لا يصل إلى هذ الحد، نظراً لطبيعة العلاقة الاستراتيجية والعضوية، بين أمريكا بمختلف إداراتها، وإسرائيل بمختلف حكوماتها.
إلا أن مخاوف نتنياهو ويشاطره فيها كل أطياف الطبقة السياسية الإسرائيلية هو تصحيح العلاقة بين السيد الأمريكي والمستخدم الإسرائيلي عنده، وقاعدتها لإسرائيل حق الحماية والتبني والدعم، حتى لمعظم مغامراتها في المنطقة، أمّا بشأن القرارات الاستراتيجية المتصلة مباشرة بالمصالح الأمريكية فالقرار أمريكي مطلق، وحدود الدور الإسرائيلي فيه يضعها السيد الأمريكي وما على إسرائيل إلا الاستجابة وتنفيذ المهام المحددة لها.
نتنياهو بعد أن بنى خطط بقاءه في السلطة وحروبه على بديهية أن ترمب مضمون ٌ في جيبه، شعر وهو موضوعي في ذلك بأن ترمب ليس كومة مزايا يغترف منها ما يشاء، وكيفما يشاء ووقتما يشاء، بقدر ما هو رجلٌ غير مسيطر عليه، ولا على ردود فعله وقراراته، وهذا ما يخيف نتنياهو، بل ويجردّه من أهم مرتكزات سياساته وأجنداته.
ترمب بعد حكاية اليمن، وبين يدي زيارته المنتظرة للشرق الأوسط والتي لم تتضمن محطة إسرائيلية، تقمص شخصية بابا نويل حامل صناديق الهدايا الملونة للأطفال، ولأنه ملك الإثارة – على الفاضي والمليان كما يقال- فلم يبح بمحتوى صناديق الهدايا من أجل التشويق، وإلى أن يبوح ويكتشف أن فيها شيئاً يستحق الالتفات إليه، أو انها صناديق فارغة مثل كل وعود الحملة، فالعالم سيغرق عدة أيام في التوقعات، وأمرٌ كهذا سيتكرر كثيراً في زمن زعامة ترمب وعلاقاته مع الآخرين.