الثلاثاء: 20/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

يا ابن فاطمة

نشر بتاريخ: 20/05/2025 ( آخر تحديث: 20/05/2025 الساعة: 12:58 )

الكاتب:

يونس العموري

يا حامل بندقية الثائر ويا كاتب التاريخ ، وصاحب الموقف ، والمُعلم العالم بحثيات القتل بكل الأمكنة ، والشاهد على مجازر فقراء المخيمات ، أيها الهارب من حقيقة الانكسار ، يا كاتب النص والنصوص هنا ، يا ابن امك ، يا ابن فاطمة ، ولأمك من اسمها نصيب بالتاريخ الذي كان وسيكون ، يا صاحب بيان لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة ، ولا صوت يعلو فوق صوت العاصفة ، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة ، أيها المدافع عن التاريخ واللافظ للحاضر والمتبرئ من اللحظة الراهن ، أيها المتشرد الشارد من سراب العواصم وازقة الحواري ، وانت القادم الى بيت حانون والقاعد بخيمة الجوع و التمترس ، منذ ان كنت ومنذ ان كان التهجير والحلم بصناعة ثورة المستحيل يا أيها اللاجئ الذي ظل لألاف السنين يبحث عن بيت يأويه وعن جدار يستند اليه دون ان يطردوه من المكان والشوارع الجانبية شاهدة على الطرد والملاحقة.

جاء من البعيد هاربا من جحيم القتل حينما احتدم هناك بعاصمة الشتات بالمدن الاموية واتخذ القرار بركوب البحر والعودة الى السياج الفاصل الأقرب الى ارض الجليل، وكان القرار بأن يمكث والمكوث فيه فلسفة العشاق.

وكان ان عايش كل اشكال القتل على الاشهاد بالعواصم القريبة والمحاذية وتلك صاحبة المجازر بحق الناطق باسم الجرح والعاشق لنجمة الصبح التي كانت تتراءى له من السماء البعيدة والمعلقة بفضاء الوطن المسلوب. وانتظر الجالسات المؤنسات، اللواتي ينتظرن النبأ الجديد لعل وعسى، والقتلى كانوا يحلمون بليل هادئ بعد ان غادرالاحبة وكان وداعهم جزءا من طقوس يوميات الرحيل وعادوا ليحلموا بدرب الالام وهم موقنون ان ما وراء رحيل الرجال المقاتلين رحيلا نحو الخلود ... حاول القتلى ان يموتوا بهدوء وتجمعوا بالطرقات والازقة بشكل جماعي حتى يكون الموت رحيم..

وما زالت صرخاتهم ترتد حتى اللحظة بضرورة مطاردة الذابح والقاتل ومن كان يحرس الجريمة ومن كان يسترق السمع لضجيج القتل عن بعد ... والمطاردة هنا تعني المطاردة بكل الاشكال والاساليب المتاحة وغير المتاحة ...

وحده من حمل الامانة والالم الثكالى والقصة والحكاية ... وكان صوته جميلا وغرد خارج السرب ... وحده من ملأ الدنيا ضجيج دون ان يسمعه احد ... وحمل رسالة القتلى والمنبوذين من الحياة .... وحده من طارد ويطارد القتلة بكل الامكنة وأصبح ايقونة للحرية وللحياة ان استطاع الى ذلك سبيلا وتحول الى لعنة على كل من مارس فعله الدنيء بحق ابناء الارض السمراء ومن أصبح فيما أصبح عنوانا للفشل وقد اضحى تاجرا على حساب الدم ...

والدم بالدم والرأس بالراس ايها السادة الممثلين لمن هم يعيشون تحت مستوى البشر وأنتم تعلمون ... ذاك المشرد بين المخيمات المختفي خلف الجدران والمجاهر بالحقيقة ... كان الشاهد على الذابح منذ البدايات والمستمع لعويل النساء المغتصبات والمبقورة بطونهن ... والكل تبرأ منه حتى العواصم لم تحتمل رمزيته وأضحى المطارد من اشباحهم .... وصار تعويذة الفقراء... وبطل المحرومين المنتظرين للإستظلال بفيء شجرة زيتون ما زالت رابضة على تلة من تلال الجليل... صار روحا تتجسده كل الأجساد المتعبة والمحرومة من شبق اللحظة، وعبق العطر المقدس المنبعث من قطرات الندى الصباحية ببلاد العشق والهوى والكثير من الانكسار...

صار ممزوجا بتراب الأرض العطشى للهو عاشقين يصعدان الجبل للاستكانة بمغارة لا تستقبل الا من يرتل مزامير أبجديات كنعان من جديد... صار أريج البراري المعطرة بنسائم الأقحوان وشقائق النعمان... صار أيقونة قدسية معلقة بأعناق حراس وسدنة الحلم الذي سيكون.... صار المخلص، المحلق في عنان سماء المنتظرين عطاءات سنابل القمح المتطلعة نحو الشمس... وصار نجمة مضيئة في فضاء حقائقنا لترشدنا دوما تجاه بوصلة لا تنحرف...

صار رمزا لتوق الأحرار لثورة تغتال الظلم... صار رقما صعبا في حسبة الأرقام، وبمعادلة الأشرار... وصار مفردة من مفردات التبشير بالقيامة من جديد لجموع السجد الركع بحضرة النخيل ببلاد الرافدين.... ومعزوفة على قيثارة الزمن الرديء يتردد صداها في حواري القاهرة، قاهرة طفولة الحواري المتمرغة بأوحال النيل والوسخين من غبار عبث العابرين أزقة الفاطميين الأولين، صار نبيا يتصدى لفراعنة العصر الجديد.... وكلمة سحر تلقيها جميلة صارخة الجمال في صحاري تيه وهران، ولربما أيضا يتراءى أكثر بهاء بلوحة من لوحات جسور قسنطينة ما بين وريقات رواية القادمة من احلامها... صار أهزوجة تغنيها سمراوات النوبة حينما يشتد الشوق لحكايا العشاق الفقراء... صار لعنة على قتلة المرأة المتمردة بأزقة بغداد... كان الشاهد والصابر والصامد في شارع الحمرا ببيروت حينما كان لاسمه ذاك الصدى المرتد عن جدران ضجيج المعارك... وعندما تصدى لبساطير الغزاة، وتصدى لعويل المنتفخين تكرشا، وتجار الحزينة بيروت بذاك الصباح حينما كان الوداع لرذاذ الموج المتكسر على صخرة الروشة... وكان الشاهد عن الموت الفعلي لما يسمى بالضمير الانساني حينما قتل من قتل بأزقة الجنون بصبرا وشاتيلا ومطاردة الضحية لتقع بين انياب التنين كوجبة شهية دسمة بعد ان يكون الاغتصاب ....

للقتل حكاية اخرى وصور اخرى .... ولجباليا وبيت حانون قصة اخرى لم ترو بعد ...قصة شعب ما زال تائها يبحث عن نفسه.. ولا فرق يتبدل الموت عليه فمرة قتلا بالرصاص ومرة قتلا بالقهر.. فشعب لم يعد يملك بندقية الثائر عاد من جديد ليواصل التهجير والكثير من القتل والتقتيل ويبقى ابن المخيم المقتول ايضا الشاهد الشهيد ... والرواية مختلف عليها لكنه الوحيد القادر دائما على روايتها بالشكل الصحيح ....

ولفاطمة ان تزغرد وترقص رقصة اليائسة بحواري المسمى مجازا بالوطن ... بعد ان كانت المصافحة ليد القاتل وان تكون اللقاءات البروتوكولية جزءا من ضرورات المرحلة ولا اقصد هنا القاتل التقليدي القابع هنا بجوار المسجد والبيت العتيق بل ذاك الساكن بجوار قلاع الحكم العسكري بعاصمة السراب هنا، والشمس تشرق اولا على بيته وفنجان قهوته يحتسيه صباحا من اطلالة على ازقة المخيم ويشاهد المشوهين الذين ما زالوا يحيون ببقايا المسمى بالمخيم ....

اختار الرحيل بعد ان رحل ابناء المخيم وكان له ان اختار ايضا شكل رحيله فأراد ان يكون المقتول فوق اوراقه البيضاء حتى يستوي مشهد الذبح ما بين اليرموك وتل الزعتر وشاتيلا وجباليا ...