الإثنين: 26/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

خسارة إسرائيل سياسياً

نشر بتاريخ: 25/05/2025 ( آخر تحديث: 25/05/2025 الساعة: 20:15 )

الكاتب:

بقلم: هبه بيضون

يواجه الكيان الصهيوني تراجعاً سياسياً ملحوظاً على الساحة الدولية، بمعنى أنه يفقد من النفوذ والتاثير في القرارات الدولية، وذلك نتيجة عدة عوامل لها علاقة بالحرب المستمرة على غزة، الضغوط الدبلوماسية التي تمارس عليه، والتي تؤدّي شيئاً فشيئاً الى تراجع شرعيته الدولية، بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية التي يواجهها.

فإذا نظرنا للضغوط الدولية المتزايدة، فإنّ استدعاء السفراء الإسرائيليين في عدة دول غربية، مثل بريطانيا وفرنسا مؤخراً، كاستدعاء بريطانيا سفيرة الكيان احتجاجاً على التصعيد الأخير على غزة، وإعلان فرنسا أنها ستقوم باستدعاء السفير الإسرائيلي بعد إطلاق النار على دبلوماسيين خلال زيارتهم إلى جنين للاستفسار عما حصل، ما هو إلّا مؤشر على تصاعد التوتر الدبلوماسي بين الكيان ودول أوروبا، نتيجة الرفض الأوروبي للسياسات الإسرائيلية، وكنوع من التحذير للكيان باتخاذ إجراءات دبلوماسية ضده، قد تصل لسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية، كما أنه نوع من الضغط السياسي على إسرائيل. كل ذلك يعكس تغيراً ملحوظاً بالموقف الأوروبي تجاه الكيان، وإعادة تقييم الدعم التقليدي له.

ومن دلالات تراجعه، تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين بريطانيا والكيان، ودعوة وزير الخارجية الفرنسي الى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبينه، والتي كانت قد دخلت حيز التنفيذ عام 2000، ما يعكس تراجع الدعم السياسي له.

ناهيك عن تراجع تأييد الكيان من قبل المؤسسات الدولية، وأهمها الأمم المتحدة، والمتمثّل بالإدانات المتكرّرة له، واستخدام لهجة تحذيرية حول الانتهاكات التي ترقى لإبادة جماعية، ومطالبات بوقف الحرب وغيرها، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية في غزة.

أمّا واشنطن، وبعد عودة ترامب للحكم، فقد بات هناك تراجع للدعم الأمريكي، وبدأت إعادة تقييم موقفها من الحرب، والطلب من نتنياهو ضرورة إنهائها، الأمر الذي يعكس تراجع الثقة الأمريكية بحكومة اليمين المتطرف، لا سيمّا أنّ استمرار الحرب يعطل مشروع السلام الإقليمي الذي تسعى واشنطن لتحقيقه، والذي يشكّل أحد أهم طموحات ترامب السياسية.

كما لا يمكن تجاهل الأزمة الداخلية في إسرائيل، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أنّ أكثر من نصف الإسرائيليين يطالبون بوقف الحرب، والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى، وذلك وفق استطلاع للرأي أجراه مركز "كانتار" الإسرائيلي، وآخر أجراه معهد Mind Pool، ما يعكس تزايد الغضب والضغط الشعبي داخل الكيان لإنهاء الحرب، ويضعف موقفه على الساحة الدولية بالدفاع عن استمرارها، ويصعب على الحكومة الإسرائيلية تبرير استمرار العمليات العسكرية أمام المجتمع الدولي، ما قد يؤدّي إلى تراجع ثقة الحلفاء الدوليين بقدرة إسرائيل على إدارة الصراع بفعالية، كما أنّ الدول المناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة، قد تستخدم نتائج استطلاعات الرأي تلك، كدليل على أنّ الحكومة الإسرائيلية لا تمثّل شعبها، وبالتالي تعزيز دعوات اتخاذ إجراءات ضدها وفرض عقوبات عليها. كما أنّ تزايد الضغوطات الداخلية في الكيان، قد يسهّل على الدول الكبرى فرض شروط سياسية عليه، هذا بالإضافة إلى تأثيره على صورته "كدولة موحدّة" سياسياً، وتسويق ذلك دولياً.

أمّا تأثير ذلك عربياً، فإنه قد يؤدّي الى تراجع بعض الدول العربية التي كانت تتجه نحو التطبيع مع إسرائيل، في حال استمرت الحرب رغم المعارضة الداخلية لها، وعلى ما يبدو أنّ بعض الدول العربية المطبعة، بدأت بإعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، بسبب حرب الإبادة التي لم تتوقف منذ الثامن من أكتوبر 2023.

كما تشكّل الهجرة المعاكسة ضغطاً على حكومة الكيان، وبالتالي أدّت إلى تراجعه، حيث تشير التقديرات إلى أنّ ما يقارب من (700) ألف إسرائيلي قد غادروا البلاد منذ بداية الحرب، الأمر الذي أدّى إلى أن تقوم الصحافة الإسرائيلية بانتقاد الحكومة، وانعكاس ذلك على العلاقات الإقليمية والدولية.

كل ما سبق من دلالات على تراجع إسرائيل سياسياً، وعزلها دبلوماسياً، ومواجهتها أزمة داخلية غير مسبوقة، إدّى إلى تغير بالمواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية، وبالتالي تزايد الدعم الدولي لها، حيث أنّ هناك دعوات متزايدة في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للاعتراف بدولة فلسطين، ما يعكس تغيراً في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية.