السبت: 02/08/2025 بتوقيت القدس الشريف

استنتاجات سريعة بعد العدوان العسكري الإسرائيلي على ايران

نشر بتاريخ: 16/06/2025 ( آخر تحديث: 16/06/2025 الساعة: 18:13 )

الكاتب: محسن ابو رمضان

عملت كل من إسرائيل وإدارة ترامب على التمويه السياسي والإعلامي على قادة إيران.
فقد أعلن ترامب عن رغبته باستمرار المفاوضات في عمّان وتم تحديد يوم الأحد للمفاوضات مع الوفد الإيراني.
وقام نتنياهو بعقد اجتماع لمجلس الأمن الإسرائيلي المصغّر لنقاش موضوع الرهائن في غزة.
وقرر إرسال مبعوثه للشؤون الاستراتيجية ديرمر إلى واشنطن للقاء ويتكوف بخصوص ملف غزة، وأعلن أنه سيأخذ إجازة للمشاركة في حفل زفاف ابنته.

واحدة من الاستنتاجات الرئيسية وراء عدوان الاحتلال على إيران تكمن في فشل تحليل البعض بما يتعلق بسيطرة ترامب على نتنياهو، وأن الأول همّش الثاني من خلال اتفاقه مع الحوثيين في اليمن، كما طلب منه عدم توجيه ضربة إلى إيران لأنه -أي ترامب- يفضّل الحل الدبلوماسي.

لقد أثبتت التجربة أن هناك دعماً لا محدوداً من قبل ترامب لنتنياهو، ودعونا نتذكر ما قام به نتنياهو من التنصّل من اتفاق الدوحة الذي أُبرم يوم 19/1 بخصوص ملف غزة، حيث ارتد عليه بعد انتهاء ستين يوماً من الهدنة، وعاد لشن عدوان عسكري جديد على غزة بدعم أمريكي. كما أن العدوان العسكري الإسرائيلي على إيران تم بدعم وتنسيق كامل مع إدارة ترامب، الأمر الذي يؤكد مدى تأثير النفوذ الصهيوني على قرار إدارة ترامب، بل أكثر من ذلك، فقد أثبت هذا قدرة إسرائيل على توظيف القوة العسكرية والتكنولوجية والاستخبارية الأمريكية لصالحها، ضمن جدلية العلاقة العضوية المتبادلة بينهما للسيطرة على المنطقة وإزاحة أية عناصر ممانعة لمشروع الهيمنة المشترك.

أعتقد أن المبالغة عبر تضخيم الخلافات ما بين ترامب ونتنياهو جانبت الصواب، حيث إن المسألة لا تعدو أكثر من اجتهادات بالتكتيك في إطار البيت المشترك، أو أنها تأتي في سياق تبادل الأدوار لتضليل الرأي العام، وخاصة الطرف المستهدف وهو إيران في هذه الحالة. كما تأتي أي عملية تضخيم للخلافات بهدف الرهان على أميركا بدلاً من النضال ضدها، حيث تحاول أحياناً أن تظهر بدور الموضوعي والمتزن، كما حاولت إيحاء ذلك بتأكيد ترامب على رغبته بالتمسك بالحل الدبلوماسي مع إيران.

ويُشار هنا إلى أن إسرائيل استخدمت أسلوب الضربات الجوية المباغتة، والتي تُحدث حالة من الصدمة تجاه العدو المستهدف.
فقد كررت إسرائيل نموذج استهداف حزب الله في لبنان، من حيث استهداف القادة العسكريين، وأضافت في إيران البنية التحتية وبعض المنشآت النووية وبعض العلماء.

ويُذكر هنا أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية لا تهدف للتخلص من المنشآت النووية الإيرانية فقط، بل أصبحت تهدف كذلك إلى زعزعة النظام على طريق إسقاطه، خاصة مع الإرباك الكبير للقيادة الإيرانية بعد الضربة العسكرية الجوية المباغتة، والتي تم استخدام فيها حوالي 200 طائرة والعديد من المسيرات لتحقيق أهداف الضربة.

ستحاول كل من أميركا وإسرائيل استغلال حالة التضعضع في المستوى القيادي الإيراني لتحريض قوى في الجيش وكذلك في المجتمع بحجة الحماية وتجنيب البلاد الويلات، وكذلك بحجة إزاحة النظام الشمولي وتحقيق الحريات، بهدف تعميق الشرخ في بنية الحكم والمجتمع داخل الدولة الإيرانية.

وعليه، فإن ما حدث من هجمات يندرج في إطار الحرب وليس مجرد ضربة عسكرية.
وأعتقد أن إيران كررت ذات الأخطاء التي حصلت مع حزب الله، من حيث غياب منظومة الدفاع القوية، والتحصّن في مناطق سرية، وكذلك مؤشرات الاختراق التي سمحت للموساد بالعمل بحرية داخل الأراضي الإيرانية.

ما حدث من هجمات عسكرية جوية والذي قد يتكرر بسبب ظهور عناصر الضعف الإيرانية - مع الأسف الشديد - يهدف إلى إزاحة "الحجر الأخير" أمام طريق نتنياهو باتجاه تشكيل "الشرق الأوسط الجديد" الذي ستتسيّد فيه دولة الاحتلال المشهد.

أما الحديث عن أن الهجمات تهدف إلى الضغط ضمن مفهوم "المفاوضات تحت النار"، فلا أعتقد أنه سليم، ولكن ربما يُستخدم كتكتيك من خلال حرف الأنظار عبر التركيز على المفاوضات (الوهمية) التي أعلن ترامب عن تمسكه بها، وذلك بدلاً من تجميع عناصر القوة الإيرانية للرد على العدوان العسكري الإسرائيلي.

وما يؤكد قرار كل من إسرائيل وأميركا بالتخلّص من النظام الإيراني، هو قدوم الأساطيل وحاملات الطائرات الأمريكية إلى المنطقة، والطلب من عائلات موظفي السفارات الأمريكية في المنطقة بالمغادرة، بما يُشير إلى أن التوجه الأمريكي الإسرائيلي يرمي إلى التصعيد الشامل مع إيران وعدم الاكتفاء بالملف النووي فقط.

خلال العامين السابقين، أضعفت دولة الاحتلال كلاً من حماس والجهاد، في إطار جرائم الإبادة الجماعية التي ما زالت مستمرة على شعبنا في غزة، ووجهت ضربات قوية إلى حزب الله، وعملت على إسقاط النظام السوري. أما ضربات الحوثي، فصحيح أنها مزعجة، لكنها غير مؤثرة.

إن ضعف الفعل العربي على جرائم الإبادة الجماعية في غزة، وعدم استخدام ورقة الاستثمار مقابل وقف المجزرة في غزة، وكذلك وقف الضم والتهويد في الضفة والقدس في العلاقة مع ترامب، شجعه هو ونتنياهو على اتخاذ قرار العدوان على إيران.

الأمل يبقى في الشعوب التي ستقاوم نهج الهيمنة والاستعباد الإسرائيلي، والتي لن تسمح أن تُحكم تحت عنوان "العصر الصهيوني".