الثلاثاء: 17/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

من "الشباشب" إلى الصواريخ

نشر بتاريخ: 16/06/2025 ( آخر تحديث: 16/06/2025 الساعة: 10:02 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

تبدأ الحرب بأطراف وأهداف، وتنتهي بأطراف وأهداف أخرى. هذه هي طبيعة الحرب، التي من نتائجها القريبة والبعيدة تغيير الواقع بواقع جديد، يتم من خلاله توزيع جديد للقوة، وللنفوذ، وللثروة. الحرب وسيلة للتاريخ الأساسية للتغيير، وهي كما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي: "والحرب أسر نظام الكون والأمم"، وذلك في رائعاته الخالدة نهج البردة. وهذه ليست تمجيدا للحرب أو تحبيذا لها، ولكنه رصد حقيقي وواقعي لدور الحرب في صناعة التاريخ، وميلاد الأمم أو اندثارها.

وكلامي هذا مدخل للقول إن ما بدأ من حرب في قطاع غزة مع مجموعات مسلحة تنتعل الشباشب، كما وصفهم بنيامين نتانياهو، وأثارت زوبعة من السخرية في الصحافة الإسرائيلية، انتهت حتى الآن بتبادل الضربات الصاروخية والغارات الجوية بين إيران وإسرائيل. وما بدأ بالقضاء على حركة حماس وتجريدها من أسلحتها، وطرد مقاتليها من قطاع غزة، إلى النية في القضاء على النظام الإيراني وتجريده من قدراته النووية والصاروخية. وما بين الجبهتين والهدفين كانت هناك جبهات أخرى في الطريق، وأهداف أخرى كذلك.

وهذا يعني ضمن أمور أخرى أن إسرائيل تتذرع بالتهديدات الأمنية التي لا تنتهي - كما يبدو - من أجل تبرير عدوانيتها وتوسعها ورغبتها في النفوذ والسيطرة. ويعني ضمن أمور أخرى أن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، تترجمه إسرائيل إلى حقها في ضرب كل دولة أو كيان تعتقد أو تتوهم أنه قد يهددها يوما أو يحلم بذلك. إن تصاعد الحرب وتوسعها بهذه الطريقة، يعني ضمن أمور أخرى أن مظلومية إسرائيل، وصورتها التي حاولت ترسيخها في العالم، وحتى لجمهورها، تتهاوى أمام هذا السعي الحثيث للحرب بذرائع متوهمة أو لمصالح استعمارية أيضا. مما ينفي رغبة الجمهور الإسرائيلي بدولة يهودية ديمقراطية، إلى كونها دولة مضطرة للخضوع لشروط التمويل والحماية، رغما عنها.

إسرائيل كيان رفض منذ إقامته حتى اللحظة كل المقترحات والخطط لإقامة تسوية تضمن السلام والاستقرار، واختارت هذه الطريق الذي حولت به جمهورها وكيانها إلى كيان محارب طيلة الوقت. ليس هناك كيان مثل إسرائيل، فقد دخلت أكثر من عشرة حروب، وما بينهما، خلال أقل من ثمانين سنة. ولا أعتقد أن السنوات القادمة ستكون سنوات استقرار أيضا، ذلك أن ما تخلفه إسرائيل من أوضاع الآن لا يؤسس لسلام على الإطلاق. فهي تحتل الضفة، والقطاع، والقدس، وجنوب سوريا، وجنوب لبنان، وتضرب كل عاصمة في الإقليم لا تعجبها أو تعتقد أنها تشكل تهديدا لها. فقد ضربت بالطائرات: تونس، وبغداد، والخرطوم، وصنعاء، وبيروت، والآن تضرب طهران، والحبل على الجرار، إذ من الممكن أن تضرب كراتشي أيضاً أو حتى أنقرة، لأن من الممكن أن تطور هاتان الدولتان عقيدة قتالية مناهضة لإسرائيل.

إن هذا التوسع والرغبة فيه، خطر على إسرائيل أولا، قبل أن يكون خطرا على الإقليم. إذ لا يمكن لكيان أو مجتمع أن يبقى محاربا إلى الأبد، ولا يمكن اختراع المخاطر والتهديدات إلى الأبد، ولا السلاح وحده يجلب السلام أو الاستقرار.

الحرب الآن بين إسرائيل وإيران، تنقل الإقليم كله، وأوروبا، والعالم، إلى مرحلة جديدة من تلك الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر عام 2023. الآن نحن أمام حرب قد تتدحرج إلى حرب إقليمية أو ربما عالمية. حرب قد تشعل الأسواق، وتقطع الطرق الدولية، وتغير الأنظمة، أو تسقطها. حرب قد تخرج عن سيطرة إسرائيل، وأمريكا، وأي أطراف أخرى. وإذا كانت إسرائيل تعتمد في حربها هذه على القوى العسكرية بكل مستوياتها، فإن إيران لا تقل عن ذلك صرامة، والتزاما، ورغبة في المواجهة. لأن هنا الحرب بالنسبة لها، هي حرب الأرض، والنظام، والأيدولوجيا.

ما بدأ بالشباشب، ينتهي بالصواريخ. وإسرائيل لا تريد أن تقرأ الواقع، أو تراه، لتثبت للمرة الألف أنها عملاق بعقل خفيف جدا. فهي تتورط أكثر وأكثر بعبادة إله القوة ورب الجحود، متناسية أن العيش هنا، في هذه المنطقة، له ضريبة باهظة.