الإثنين: 23/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

نحن والمنطقة والعالم في مرحلة جديدة

نشر بتاريخ: 23/06/2025 ( آخر تحديث: 23/06/2025 الساعة: 08:46 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

أما نحن – الفلسطينيين – فما ينتظرنا الإهمال والإنكار والتفكيك، فضلاً عن التهديد بالطرد أو الضم أو الاستعباد، أو كل ذلك مجتمعاً، الآن إسرائيل ترى في نفسها منتصرة، وأنها غير مضطرة أبداً لتسوية فيها الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، فلا أحد يضغط عليها أو حتى يملك أدوات الضغط أو الرغبة فيه، وكل الآمال والوعود الوهمية التي بنيت قبل ثلاثين عاماً هُدمت أمام واقع متطرف وعنيف، ليس لأننا إرهابيون وعنصريون وفاسدون وغير ناضجين، بل لأن عدونا يتغير بسرعة البرق، من الرغبة في الاندماج إلى الرغبة في السيطرة محمولاً على أوهام القوة والمزيد منها، تحولات العدو السريعة اجتماعياً وسياسياً وفكرياً قابلها البطء والترهل وعدم الاستعداد من جانبنا، ومن الواضح أن العالم الغربي الاستعماري لا يفكر ولا ينوي مكافأتنا أو حتى تعزيتنا، وكل ما يقوم به عمليات تخدير وإلهاء وإدارة للصراع حتى لا يتحمل أعباءه، فلم يعد حل الدولتين رؤية صالحة لحل الصراع، بل السيطرة والاخضاع وأدوات القوة المتعددة هي الوسائل الأفضل للحصول على الهدوء، وعلى الرغم من أن هذا الوضع سينفجر يوماً ما، إلا أن المحتل ومن يقف معه ويسنده مستعدون لمواجهته كما يدعون، باختصار، فإن المرحلة الجديدة تحمل مخاطر نرى مقدماتها منذ الآن، وأول تلك الملامح أن وحدتنا الاجتماعية ودولتنا العتيدة في مهب الريح تماماً، هناك سيناريوهات وحلول تطبخ باستعجال وابتذال لتجاوز طموحاتنا ودموعنا ودمائنا.

أما المنطقة العربية والإسلامية فقد دخلت منذ عقد تقريباً مرحلة الهشاشة، وحتى السيولة، فقد شهدت المنطقة حالات من الانقسام والتفكك والحروب الأهلية وإعادة التموضع وتغيير الاتجاهات وزوال أنظمة وميلاد قبائليات وطائفيات وعرقيات، منذ عقد تقريباً ونحن نرى الدولة العربية القطرية تنهار أمام التحديات والأسئلة، وتتهاوى أمام الضربات الخارجية والداخلية، لتكشف عن بنية فاسدة ومضمون غير مقنع ورؤيا تنموية قاصرة، وأعتقد أن هذا الضعف سيزداد، وأن التبعية ستتعمق، ذلك أن معظم تلك الأقطار ستزيد من اعتمادها على القوى الخارجية طلباً للحمايهً أو التمويل أو الشرعية، وهو وضع سيمكن إسرائيل أن تقود وتحمي وتسيطر.

منطقتنا العربية لن تستطيع أن تقدم الحلول أو المبادرات، ضعفاً وخوفاً وعجزاً، وستترك الفعل – إن سمحت بذلك أصلاً – لجماعات ومنظمات ستُتهم وتحاصر وتطارد، وبرأيي، إن هذا الغياب السياسي والحضاري سيعمق أزمة المنطقة أكثر فأكثر، ليس بسبب الاحتقان السياسي والفكري، وإنما بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناشئة عن ضعف الدولة وغياب أجهزتها وقلة مواردها.

أما العالم حولنا، فقد غادر النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية إلى نظام آخر لا قوانين فيه، نظام سائل يتعدى ويتحدى الهيئات الدولية والأعراف والتقاليد الدبلوماسية، نظام لا يعترف بالجغرافيا أو بالحدود أو بالسيادة أو الكرامة أو الخصوصية الثقافية، نظام تتسابق فيه الشركة مع البنك لجني الأرباح واستعمار السوق واحتكار المعرفة وإعادة تشكيل المجتمعات والدول والحدود ما كان ذلك نافعاً، نظام يخلق قوانينه حسب مصالحه ويعتمد معايير جديدة تقوم على الانتهازية والقرصنة والقمع، تغلفها بشعارات براقة وصياغات تختزل الواقع والتفاصيل من أجل رواية ناقصة وظالمة وعمياء أيضاً، وفي هذا العالم ستزداد الحروب والمواجهات العسكرية والتجارية والعلمية بسبب التنافس على كل شيء، المعرفة وأدواتها والسوق وإمكاناته والجغرافيا وما يمنحه من أفضلية.

الصورة قاتمة، نعم، قاتمة للأسف، فهل من سبيل للخروج من هذا النفق المخيف؟؟ وما الذي يمكن فعله؟؟ أمامنا سيناريوهات قليلة، فإما التسليم والاستسلام أمام هذه القوة الغاشمة والانتظار لدورة تاريخية أخرى، أو المواجهة والاشتباك رغم الهوامش الضيقة والمخاطر العالية، ولست بمعرض تقديم النصائح أو الوعظ، فأنا أؤمن أن الأيام – رغماً عنا – تلد خياراتها واختياراتها، فما يجري اليوم بهذه السرعة وهذه الكثافة سيؤدي حتماً إلى تعارض المصالح بين الأقوياء، وتفضي للتأكيد إلى التنازع على كل شيء، وهو ما يدفعنا للأمل بالتغير السريع، بمعنى، أن لا يبقى القوي قوياً ولا الضعيف ضعيفاً، ما نحتاج إليه الصبر والإيمان بأننا شعب نستحق الكرامة والسيادة والدولة، وأننا شعب واحد مهما حاول الآخرون تشويهنا وتفكيكنا ومنعنا من تحقيق طموحاتنا.

ما يجري الآن دورة من دورات التاريخ ليس إلا، كان مثلها وسيكون مثلها أيضاً، لن يغرنا ما يحصل ولن يبهرنا ولن يبهظنا، ولن يعمي عيوننا عن الرؤيا الصائبة، فما يجري هو الظلم بعينه والتجبر بذاته، وهو ما لن يدوم على الإطلاق، كل ما نحتاجه هو الصبر والإيمان، وللمرة الألف، فإن الصبر والإيمان هما محركا التاريخ الأشد فتكاً وقوة واستمراراً.