الكاتب: حنين غالب
في أعقاب التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران بعد 13 يونيو 2025، شددت السلطات الإسرائيلية إجراءاتهاالعسكرية في الضفة الغربية وأعلنتها رسميًا "منطقةعسكرية مغلقة". ورغم أن هذا الإعلان يبدو جديدًا فيالشكل، إلا أن الضفة الغربية تعيش واقع الإغلاق العسكريمنذ عقود، في ظل نظام استعمار استيطاني يفرض حصارًايوميًا على الحركة والبضائع. الجديد في هذه المرحلة ليسالإغلاق بحد ذاته، بل توقيته وتسميته وانعكاسه النفسيوالاقتصادي المباشر على السوق والمستهلك الفلسطيني، حيث تفاعلت الجماهير مع الحدث كما لو أنه تهديد طارئرغم أنه استمرار لواقع دائم.
شهد اليوم الأول من التصعيد حالة من الذعر الشرائي، تمثلفي ازدحام المتاجر ومحطات الوقود وشراء كميات كبيرة منالمواد الأساسية، كاستجابة نفسية طبيعية تعكس الخوفمن انقطاع الإمدادات. قال أحد المواطنين من رام الله: "اشتريت عشرة علب من حليب الأطفال، مش لأنه أولاديمحتاجينهم اليوم، بس لأنه مش عارف إذا بقدر ألاقيهمبكرة." وكذلك أشار عبيدة، سائق أجرة من الخليل: "اشتريت50 لتر بنزين احتياطاً، لحقت حالي قبل نفاذ البنزين عيار95. شفنا شو صار في غزة، وما بدنا نعيد السيناريو، هذاالتكسي مصدر دخلي الوحيد، لو راح البنزين عائلتي منوين بدها تاكل؟"
من جانبه، أكّد مركز الاتصال الحكومي في تصريح رسميبتاريخ 17 حزيران 2025، أن "توريد المحروقات إلى مختلفمحافظات الضفة مستمر كالمعتاد"، ودعا المواطنين إلى"عدم التزاحم والاكتفاء بتعبئة احتياجاتهم الاعتيادية"، فيإشارة إلى أن حركة الإمدادات لم تتأثر فعليًا بالإغلاق، رغمالذعر الشرائي الذي شهده اليوم الأول. وأضافت الحكومةالفلسطينية أن "توريد المحروقات متواصل إلى كل أنحاءالضفة، ولا داعي للتزاحم"، في محاولة للحد من التصرفاتالاستهلاكية المندفعة التي قد تؤدي إلى نقص مؤقت أو خلقأزمة غير مبررة.
لكن، مع بداية اليوم التالي، بدأ السوق يتوازن تدريجيًا، واختفى الذعر الشرائي بعد أن شهد الجمهور إعادة تعبئةالرفوف في المحال التجارية، لا سيما للمنتجات الغذائيةالأساسية والوقود. هذا التوازن السريع يعكس وعيالمستهلك الفلسطيني وقدرته على التكيف مع الأزماتقصيرة الأمد، والتضامن بين أفراد المجتمع الذي ساهم فيعدم استنزاف المخزون بشكل مفرط.
ورغم الإغلاق شبه الكلي للطرق والحواجز، أظهرت حركةالشحنات التجارية قدرة ملحوظة على التكيف مع الظروفالصعبة، حيث نجح السائقون في إيصال المواد إلى المدنالمختلفة بعد انتظار طويل في الحواجز، مما حافظ علىاستمرارية الإمدادات، "علقت عند مدخل مدينة الخليل، منالفجر للظهر، بس قدرنا نوصل لأريحا وننقل البضاعة وهذاأهم شيء." - خالد، سائق نقل من شركة ألبان
وقد أكد عدد من التجار وجود مخزون استراتيجي جيد فيالمستودعات، ساعد في تعويض الفجوات خلال فترةالإغلاق: "نعم واجهنا صعوبة بوصول الإمدادات، بسالمستودعات كانت جاهزة، ولسّا في مخزون كافي إذا ماطال الإغلاق." - أبو نائل، تاجر مواد تموينية في بيت لحم
يستمر النشاط الاقتصادي داخل المدن الفلسطينية، حيثظلت الأسواق الداخلية نشطة رغم الضغط الخارجي، ممايعكس مرونة الاقتصاد المحلي وقدرته على امتصاصالصدمات المؤقتة عبر قنوات توزيع بديلة وشبكات موازية.
وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية وما يرافقها منتشديدات على الأرض، يبقى سلوك المستهلك الفلسطينيمحكومًا بخليط من الخوف والخبرة التراكمية في التعاملمع الأزمات. ورغم لحظات الذعر الأولى، أظهرت السوقالمحلية قدرة على الاستجابة السريعة وإعادة التوازن. هذاالمشهد يعزز الحاجة إلى التهدئة والتروّي، سواء علىمستوى السياسات أو سلوك الأفراد، تفاديًا لأي تضخيمغير مبرر في تقدير المخاطر، وضمانًا لاستمرارية تدفقالسلع والخدمات في هذا الظرف الحساس.