الثلاثاء: 05/08/2025 بتوقيت القدس الشريف

ماذا بعد حرب غزة؟

نشر بتاريخ: 05/08/2025 ( آخر تحديث: 05/08/2025 الساعة: 14:04 )

الكاتب:

خالد فحل

حين تتوقف أصوات القذائف، ويغيب هدير الطائرات عن سماء غزة، يخيّل للعالم أن الحرب قد انتهت. لكن الحقيقة المؤلمة أن غزة لا تعرف نهاية للحروب، بل تعيش انتقالاً دائماً من حربٍ إلى حصار، ومن حصارٍ إلى مجاعة، ومن مجاعةٍ إلى جولة قتال جديدة. ومع ذلك، السؤال الأكثر إلحاحاً بعد كل حرب يبقى: ماذا بعد؟

لطالما كانت "إعادة إعمار غزة" ورقة مساومة في أيدي الاحتلال والدول المانحة. مليارات وُعدت بها غزة في مؤتمرات دولية سابقة، لكنها لم تصل أبداً إلى أصحاب البيوت المدمرة. في كل مرة، يُعاد إنتاج نفس المسرحية: وعودٌ دولية، مشاهد من ركام المنازل، ثم حصار مشدد يمنع دخول الأسمنت وحديد البناء، وتُترك العائلات في العراء سنواتٍ طويلة.

بعد الحرب، يزداد إيمان الفلسطينيين بأن المقاومة بجميع أشكالها هي الخيار الوحيد المتبقي. لم يعد أحد يراهن على "سلامٍ" لا يأتي، ولا على "مفاوضات" لا تحمل سوى المزيد من التنازلات. لكن في المقابل، الشعب الذي يقاتل بحاجة إلى استراتيجية اقتصادية واجتماعية تدعمه في صموده، وإلا فإن معركة البقاء ستتحول إلى نزيف داخلي طويل.

إسرائيل التي تهدد باجتياح غزة واحتلالها بالكامل تعرف جيداً أنها أقرب إلى وقف الحرب منها إلى مواصلة القتال. جيشها الذي يتفاخر بتقدمه العسكري، يواجه أزمة سياسية وأخلاقية داخلية لا تقل خطورة عن صواريخ المقاومة. فكل خطوة إضافية في العدوان تحمل في طياتها خسائر أكبر، ليس فقط في الميدان، بل على مستوى العزلة الدولية وتفكك الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

أحداث الحرب الأخيرة أظهرت أن المزاج الشعبي العالمي بدأ ينقلب لصالح الرواية الفلسطينية. من التظاهرات الحاشدة في العواصم الغربية، إلى الأصوات التي تنادي بفرض عقوبات على الاحتلال.

غزة تقف اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تتحول آلامها إلى انتفاضة فلسطينية شاملة تُعيد القضية إلى الواجهة، أو أن تنفجر الأوضاع داخلياً تحت ضغط الجوع والفقر والانقسام السياسي. مصير غزة لم يعد شأناً محلياً فقط، بل بات اختباراً للإنسانية جمعاء.

"ما بعد الحرب" في غزة ليس مرحلة للراحة أو التهدئة، بل هو بداية معركة أكبر: معركة الوعي، ومعركة السردية، ومعركة إعادة بناء الإنسان الفلسطيني قبل الحجر. إن لم تُستثمر تضحيات الحرب في مشروع وطني جامع، فإن دماء الأبرياء ستضيع بين أنقاض المساومات السياسية.