الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تفجيرات القاهرة عمل وثني

نشر بتاريخ: 24/01/2014 ( آخر تحديث: 27/01/2014 الساعة: 21:29 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

حكمت الوثنية قارات العالم القديم ثلاثة الاف عام، نشرت خلالها ملامح ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وفلسفية تناسبت مع الحياة البدائية ومرحلة الصيد وقبائل الغزو وتربية الاغنام فعبدوا الشمس والقمر والحجر والشجر ليملؤوا الفراغ الروحاني الذي عاشوه من دون اي رادع او خطوط حمراء وما كان يهمهم سوى صراع البقاء والفوز بالغنائم، حتى تغيّر وجه البشرية في مرحلة الزراعة والمدنية فانتشرت الاديان لتؤسس لثلاثة الاف سنة اخرى من الحياة المختلفة التي تقوم على مبادئ التوحيد وتظهر بجلاء الخطوط الحمراء التي تفصل بين الحرية وبين المصالح الاخرى فرسمت سلم اولويات اقتصادية وروحانية وفلسفية واجتماعية مختلفة ساهمت في التمييز بين الحيوانية والاّدمية.

ومن بين الامور التي نصّت عليها الاديان المختلفة ( ثلاثة أديان سماوية ) وباقي المذاهب والمعتقدات الروحانية والفلسفية مثل البوذية والزراديشتية والهندوسية المثالية منها والمادية انها منعت قانون ( الغاية تبرّر الوسيلة ) لاعتبارها منهاج وثني عدمي سافل لم يعد يصلح للبشرية وانما يدمّرها ويقودها الى ادوات حكم في غاية الانحطاط والانتقام مثل ( السن بالسن والعين بالعين ) وقوانين حمورابي التي نستمتع اذا نقراها ولكننا لا نرتاح اذا طبّقناها في الحياة.

ان قيام مجموعات متطرفة بتفجير المساجد والكنائس والمقامات وحتى المعابد الوثنية، لا يمكن تفسيره سوى انه مسحة وثنية ولوثة عقلية تصيب المتطرفين دينيا سواء كان الفاعل مسيحيي صهيوني او يهودي ارهابي او مسلم تكفيري، فجميعهم فقدوا رشدهم وأصابهم مس من الشيطان.

ان تفجيرات القاهرة ومن قبلها تفجيرات الضاحية بيروت وبغداد ودمشق لا يمكن ان تكون سوى وثنية ايديولوجية ... ولا يوجد فيها اي مسحة دينية. بل ان الوثنية سمحت في عهدها بحريات شبه مطلقة تصل حد العبثية دون اي قيد او شرط وهو ما دعا الاديان لضبط سسيولوجيا الحياة بمفاهيم ضبط مثل الاخلاص والوفاء والعهد والتوحيد والتسامح وهي عوامل تثبيت لقواعد الحكم الديني.

ولمزيد من الوعي كنت طلبت المزيد من العلم والمعرفة من أصدقاء لي في التيار السلفي، وقد زودوني بكتب هامة ومفيدة جدا عن "تقدمية السلفية" فيما نشاهد اليوم مجموعات متطرفة راديكالية تدّعي التدين وانما هي في باطنها وثنية بحتة، وليس شرطا ان تكون محسوبية على التيار الديني، فهناك يسارية سلفية بزرت مؤخرا أسوأ بكثير من السلفية التكفيرية.

ليس لدي الرغبة في محاججة المتطرفين لان معظم المنفذين مساكين وشبان في مقتبل العمر جرى مسح ادمغتهم وان المجرم الحقيقي هم المنظرون ووسائل الاعلام ووزراء المالية الذين يموّلونهم ويشجّعونهم على الموت بينما هم يجلسون في عروش العار. لكن استمرار هذه المجموعات في تفجير الاسواق والشوارع سيؤدي بأسرع وقت الى ردة فعل عارمة من الجميع حتى استئصال هذا الفكر التخريبي وانتصار للاعتدال، وان هؤلاء "الداعشيون" والقتلة المتخلّفون وحلفاؤهم وان اختلفت اسماؤهم واصولهم وجوازات سفرهم واسماء تنظيماتهم، ان ملّتهم واحدة هي ملّة الوثنية التي تسمح لهم بالفتوى ان تفجير مسجد في شهر رمضان عمل محمود، وان قتل شرطي سير او نسف سوق يجعلهم من اصحاب الجنة. وفي حقيقة الامر انهم يعيدون الوثنية لتحكم العالم.