الأحد: 05/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

غزاوي في رام الله وضفّاوي في غزة ودحلاني في الامارات

نشر بتاريخ: 07/10/2014 ( آخر تحديث: 11/10/2014 الساعة: 08:07 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

ان خطوة رئيس الحكومة عقد اجتماعا للوزراء في مدينة غزة ليست حدثا تلفزيونيا مجردا ، وانما خطوة استراتيجية يعود الفضل فيها الى الرئيس ابو مازن والى جميع الفصائل والقوى التي لم تفقد الامل . كما ان تأثيرات الامر لن تكون محصورة على السياسيين وانما على اولادنا واطفالنا الذين سيدخل من الان فصاعدا في قاموسهم الوطني " المفهوم الوطني الوحدوي " .

بعد انهيار جدار برلين ، كنت في مهمة صحفية هناك ، وحين طلبت من سائق التكسي ايصالي الى برلين الشرقية ، اعتذر بكل أدب وقد بدا الحزن على وجهه وقال لي : اعذرني ان لا اعرف كيف اسوق في برلين الشرقية ، فانا ولدت هنا في برلين الغربية ولن انجح في ايصالك للعنوان المنشود !!! ولعل هذا ما يحدث لنا الان ، لان جيلا كاملا من شباب غزة ربما لا يعرفون مدن وقرى الضفة الغربية . كما ان جيلا كاملا من شباب وصبايا الضفة لم يدخلوا غزة الجميلة ولا اي مرة في حياتهم !!!

كان لي حديث مع اخوتي واصدقائي من قطاع غزة ، والذين يعملون ويسكنون في الضفة الغربية ورام الله . وكان الظن الغالب ان الاحداث التي شهدتها السنوات الاخيرة أفقدت الناس الامل وجعلتهم يعيشون تحت طائل لقمة العيش . وجاءت قضية النائب محمد دحلان وتعقيداتها المتلاحقة فزادت من صعوبة الازمة القائمة ، وتم التخلّص من اتباعه - الذين كانوا يملأون السلطة والوظائف الحساسة - وتسبّب الامر في ابعادهم عن هذه الوظائف وتشتيتهم في اصقاع الارض او بقائهم في مساكنهم ، ولان معظم " جماعة دحلان " كانوا من شباب غزة . دفع شباب غزة مرة اخرى ثمنا باهظا ثانيا نتيجة خطأ قيادات الصف الاول ولم يتوقعوا ان يصل تأثيره الى هذا الحد وطوال هذه الفترة .

وبعكس شبان غزة ، فان شباب الضفة ومنذ تأسيس السلطة كانوا الاقل لهفة للعمل في السلطة ، وقد قلّدوا فلسطينيي ال48 في العمل الخاص والمنظمات الاهلية والعمل الحر . وقد وصل الامر حد " استجدائهم" للعمل في سلك الشرطة او الاجهزة الامنية ولكنهم - كانوا ولا يزالون - يفضلون العمل في الورشات الاسرائيلية بأضعاف الاجور على ان يعملوا جنودا وضباطا في السلطة مقابل مبلغ اقل بكثير . ويضاف الى هذه العوامل اجتياح الضفة عام 2002 والذي تسبب في ضعف السلطة وهيبتها وقوة تأثيرها .

الان فرصة جديدة للجميع ،ليست فرصة عمل ولا قصة راتب . ومن المعيب على اي طرف التعامل مع السلطة على انها صراف اّلي او مكان للعمل فقط وكأنها شركة بترول في الخليج . انها فرصة جديدة للتفكير الجديد . وبامكان الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات الاهلية والقوى الوطنية ان ترسم نفسها من جديد - لا أن ترسم الجماهير - وان تعيد انتاج قوى الانتاج وادوات الانتاج في المجتمع بطريقة بنائية وليست استهلاكية . وان نستعيد الطاقات والكفاءات بغض النظر عن انتماء وميول الاشخاص بطريقة شريفة ومحترمة وتضمن احترام القانون وليس الولاء لفلان او علان .

القيادي المعروف عبد الرحيم ملّوح قال ذات يوم : ان السلطة خلاقة ازماتها ، وان ازمات السلطة المالية ستستمر دائما طالما نعمل بنفس الطريقة . وهذا عين الصواب .
المطلوب من جميع الاطراف الارتقاء لمستوى التخطيط والاستراتيجية ، وان نعرف ماذا نزرع الحقل العام المقبل . وان ازمة السلطة المالية كلّها يمكن ان تحل لو قمنا ببناء مطار واحد ، او ميناء غزة .... وان العيب ليس في الناس ولا في الاطفال ولا في التعليم ولا في الصحة ولا في هذا الوزير او ذاك ولا في رئيس الحكومة او الرئيس . وانما في طريقة التفكير .