السبت: 09/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رفع الرسوم التدريجي على التبغ المحلي يجب الاستمرار به

نشر بتاريخ: 11/02/2015 ( آخر تحديث: 11/02/2015 الساعة: 14:52 )

الكاتب: محمد خضر قرش

اتخذت الحكومة الفلسطينية في العام الماضي قرارا هاما بعد الأزمة التي عصفت في قطاع إنتاج السجاير والمتضمن إلغاء الدعم الذي كان يحظى به زراعة التبغ المحلي. وقد شكل هذا القرار في حينه تحولا في إعادة توجيه الموارد المالية المحدودة باتجاه السلع والخدمات الأساسية الضرورية والتي تهم قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني.لذا فأن مجرد التفكير بإعادة النظر في القرار المذكور يشكل انتكاسة وتراجعا عن مفهوم وأولويات إعادة توزيع الدعم على القطاعات الإنتاجية التي تهم الفئات المهمشة والأكثر فقرا وحاجة لكل السلع والخدمات الأساسية.وقد ناقشنا الموضوع آنف الذكر قبل عام وبينا المخاطر التي ستترتب على إبقاء الدعم المالي لمزارعي التبغ والنتائج السلبية الاقتصادية والصحية التي يمكن أن تنجم على استمرار سياسة الدعم غير المجدية وغير المطلوبة مما يُحرم الفئات الفقيرة من الحصول على سلع وخدمات أساسية بأسعار معقولة تتناسب ومستويات الدخول في فلسطين، مما يحرمها من الاستفادة أو الحصول على سلع بأسعار رخيصة. لقد كان قرار دعم زراعة التبغ المحلي من أسوأ القرارات التي اتخذت في حينه وعليه فأن تصويب الخطأ كان مطلوبا لوضع حد لسياسة الدعم غير المدروسة والمنحازة لصالح فئة محدودة من المجتمع لا تشكل نسبة ذات وزن اقتصادي أو اجتماعي ولا السلعة التي يزرعونها أو ينتجونها .

لماذا المقال الآن؟
في المقابلة الصحفية التي أجريت مع مدير عام الإدارة العامة للجمارك والمكوس في شهر يناير/ كانون الثاني 2015، أشار ضمنا إلى إمكانية إعادة النظر في القرار آنف الذكر من خلال قوله بان الرسوم الجمركية على التبغ المدعوم والسجاير المحلية قد تراجعت إيراداتها إلى نحو 19 مليون شيكل في العام 2014 بالمقارنة مع 206 ملايين شيكل في العام السابق له. لكنه عاد وأكد بأنه كمحصلة نهائية فمجموع الإيرادات الجمركية من التبغ والسجاير بأنواعها (المحلي والمستورد )قد زادت بنحو 161 مليون شيكل حتى نهاية شعر سبتمبر /أيلول 2014 عما كانت عليه للعام السابق كله (2013). بمعنى أن الإيرادات الجمركية من التبغ والسجاير للتسعة شهور الأولى من العام الماضي زادت عن كل عام 2013. إذن فالنتيجة جاءت لصالح زيادة موارد الخزينة. لأن ما يهم هنا هو مجموع الإيرادات المتأتية من إلغاء الدعم.وهذا يعني أن القرار كان ايجابيا بالمجمل لصالح الخزينة العامة والذي كنا نتوقعه ونتطلع إليه.فالحكم على نتائج أي قرار لمعرفة فيما إذا كان قد حقق المرجو والمبتغى منه،لا يكون بالنظر إلى مقطع أو مفصل أو صنف بعينه وإنما على الزيادة التي حققها القرار على موارد الخزينة العامة كلها.

دعم التبغ لن يحسن الجودة ويوقف التهريب
لا نريد أن نطيل في تبيان المخاطر الجمة التي لحقت بالمساحات المزروعة من السلع وخاصة الأساسية منها مثل القمح جراء دعم زراعة التبغ .كما لا نهدف من هذا العرض تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك ولا الاعتبارات التي كانت وراء صدوره ،فهذا بات من الماضي، فلا يجدي نفعا النبش فيه والوقوف أمامه لكن من المفيد جدا الاستفادة منه وعدم تكرار نفس الخطأ وهذا هوا لسبب الذي أملى علينا الكتابة فيه. فالرأي العام من حقه أن يكون على بينَة مما يحيط بقطاع الزراعة ليس في سهول مرج بن عامر فحسب بل وفي كل فلسطين.ففي وطننا المحدود المساحة طولا وعرضا والمنهوبة أرضه فيما يسمى المنطقة" C " والتي تشكل نحو 62% من إجمالي المساحة الكلية للضفة الغربية لا تحتمل الكثير من التجارب، لذا فالمحظور علينا أن نهدر الموارد القليلة والمحدودة المتاحة لنا سواء المالية منها أو فيما يخص الاستغلال الأمثل للأرض.وبالعودة إلى قضية التهريب وخاصة من المستوطنات أو الخارج ،فأن ما ذكره مدير عام الإدارة العامة من أن هناك أكثر من 8 ملايين كروز سجاير يتم تهريبها سنويا بقيمة مقدرة بنحو 1.6 مليار شيكل ،أي نحو 410 ملايين دولار سنويا بالأسعار الحالية وهذا ما يجب التركيز عليه لتوفير هذا المبلغ الكبير بالنسبة لفلسطين. فووفقا للمعطيات التي ذكرها المدير العام في المقابلة فأن الضفة الغربية فقط تنفق ما يزيد على ملياري شيكل سنويا وإذا أضفنا إليها ما ينفق في قطاع غزة على السلعة المسببة الرئيسة للسرطان فأن المبلغ يرتفع إلى أكثر من 3 مليارات من الشواكل سنويا وهذا يعادل 770 مليون دولار مشكلا 7.7%من الناتج المحلي الفلسطيني (على أساس أن الناتج عشرة مليارات$). فالسياسة العامة التي يجب انتهاجها من قبل الحكومات الفلسطينية كلها يجب أن تكون مستندة أو تقوم على التركيز على دعم السلع الأساسية كالمشتقات النفطية والكهرباء والغاز بحيث يتوجب أن لا تزيد حصتها من دخل الموظف العادي أو المواطن عن 10%، كما يجب أن توضع خطط لتوسيع زراعة السلع الإستراتيجية كالقمح بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي ووقف الاستيراد خلال فترة زمنية معينة معروفة ومعلنة ليتم متابعتها.

الخلاصة
واجبنا أن نضع الحكومة وكافة المعنيين أمام المخاطر المالية والصحية والاقتصادية التي يمكن تترتب
على إعادة النظر في قرار وقف الدعم على التبغ المحلي. بل نحن نطالب بفرض ضرائب إضافية على كل قطاع التبغ والسجاير لأنها تسبب لشعبنا أمراضا كثيرة ومعظمها قاتل ومضر بالصحة أيضا.لذا فإن فرض رسوم جديدة لما هو قائم حاليا يحقق نتائج إيجابية على أكثر من صعيد. فأولا يزيد موارد الخزينة بشكل ملموس وثانيا يرفع كلفة التهريب ويجعله مع مرور الوقت بغير ذي جدوى ولكنه لن يتوقف بأية حال ،ما دامت هناك فئة من الناس ليس لديهم وزعه من ضمير وإستمرأوا عملية الإضرار باقتصاد الوطن .وثالثا سيؤدي إلى تقليص أو تخفيض عدد المدخنين ،فوفقا للمعطيات التي تنشرها منظمة الصحة العالمية فأن ارتفاع سعر السجاير يؤدي آو ينتج عنه تراجع عدد المدخنين بنسبة 10% وهذا يفيد الاقتصاد الوطني ويحقق وفورات مالية للأسر والأفراد على حد سواء ويزيد نسبة الأموال التي تنفق على التعليم والطعام والملابس. أفليس من المؤسف أن يزيد إنفاق الأسرة الواحدة على شراء السجاير أكثر من التعليم والعناية الشخصية .فالأسرة تنفق 50 دولارا على السجاير شهريا مقابل 45 للتعليم و30 للعناية الشخصية. ورابعا فان تقليص عدد المدخنين سينجم عنه بالضرورة تراجع أعداد المصابين المحتملين بالمرض الخبيث سنويا وبالتالي تقليص نفقات العلاج في المستشفيات. وخامسا ،سيتم إعادة توزيع الأموال التي كانت مخصصة لدعم التبغ والسجاير على السلع الإستراتيجية والأساسية التي تهم الأسر والفئات الفقيرة ، ليس هذا فحسب بل أنه يمكن تحويل الأموال التي كانت ستتجه لنفقات العلاج إلى قطاعات أخرى أكثر أهمية. وسادسا وأخيرا لا توجد دولة في العالم تقوم بدعم زراعة التبغ والسجاير. تلك هي الموجبات التي يجب أن تملي على الحكومة قراراها فيما يتعلق بإعادة النظر في قرار وقف الدعم على التبغ والسجاير وليس لأن الرسوم الجمركية على محطة معينة أو صنف معين تراجعت قليلا.