السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تركيا وتدريب المعارضة السورية .. دور وظيفي متجدد

نشر بتاريخ: 23/02/2015 ( آخر تحديث: 23/02/2015 الساعة: 10:58 )

الكاتب: د. وليد القططي

قبل أيام وقعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا اتفاقية مشتركة لتدريب المقاتلين من المعارضة السورية ( المعتدلة ) , هذه الاتفاقية تُضاف إلى سجل تركيا الحافل بدعم المعارضة السورية المسلحة منذ بداية الأزمة السورية , والتي تنّوعت ما بين الدعم السياسي والإعلامي والدعم العسكري الذي تُرجم إلى فتح أراضيها ممرات للمجموعات المسلحة القادمة من شتى أنحاء الأرض , وإقامة مراكز تدريب عسكرية لهذه المجموعات السورية والأجنبية , وإقامة نقاط لتجميع السلاح تمهيداً لإرساله وقوداً للحرب الأهلية السورية .

لم يكن هذا الدعم التركي للمعارضة السورية المسلحة مجرد رغبة تركية في دعم ( الثورة السورية ) لإسقاط نظام استبدادي من أجل أن ينال الشعب السوري حريته كما يزعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان , فقد خرجت الأمور في سوريا عن كونها ثورة شعبية ضد نظام استبدادي منذ سنوات , وتّحولت إلى حرب أهلية بامتياز تداخلت فيها العوامل الإقليمية والدولية لتتجاوز مسألة الحرب الأهلية إلى حرب إقليمية تتصارع فيها دول ومحاور لها امتدادات دولية , وتركيا اردوغان جزء من هذه الحرب بامتياز .

فتركيا تلعب دوراً وظيفياً في سوريا يتلخص في تدمير الدولة السورية , وليس مجرد إسقاط النظام السوري كما يزعم أردوغان , فتدمير الدولة السورية باعتبارها ركيزة من ركائز محور المقاومة , يصب في إضعاف هذا المحور لصالح الغرب والكيان الصهيوني . وهذا الدور الوظيفي يخدم مصالح تركيا الخاصة أيضاً باعتبارها دولة إقليمية تسعى لإضعاف من حولها من الدول الإقليمية المهمة كسوريا والعراق وإيران لتنفرد بالقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية في المنطقة . وهذه المصالح الخاصة والدور الوظيفي لتركيا في المنطقة لم يكن وليد اليوم بل يعود إلى بداية تأسيس الدولة التركية الحديثة , وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية .

فبعد الحرب العالمية الثانية انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي – الناتو , لتقوم بدور وظيفي في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية , لتقف سداً منيعاً أمام تغلغل النفوذ السوفيتي في المنطقة , واستفاد منها الغرب كقاعدة متقدمة أقام عليها القواعد العسكرية الأطلسية , ومحطات التجسس والمراقبة , ونصب الصواريخ الموجهة للاتحاد السوفيتي على أراضيها , وبعد انتهاء الحرب الباردة لعبت دوراً وظيفياً تتصدى بموجبه لروسيا وإيران والآن نقطة ارتكاز للحرب على الدولة السورية .

وهذا التحالف التركي الغربي الذي خدم مصالح تركيا والغرب معاً , كان غطاءً أيضاً للتحالف الاستراتيجي بين تركيا و ( إسرائيل ) الذي بدأ منذ عام 1958 بتوقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين , باعتبار أنهما يقومان بدور وظيفي تكاملي في الإستراتيجية الأمريكية كأهم دولتين حليفتين لأمريكا في المنطقة , خاصة بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979 الموالي للغرب والكيان الصهيوني , وقد تبع هذه الاتفاقية سلسلة من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بينهما أصبحت تركيا بسببها من أكبر مستوردي السلاح الإسرائيلي وأكبر جاذبي السياح الإسرائيليين , وتحوّلت أجوائها ومياهها ساحتي تدريب ومناورات لسلاحي الطيران والبحرية الإسرائيليين .

وهذا الوضع لم يتغير كثيراً بعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا , بالرغم من توّجه اردوغان وحزبه نحو العرب والمسلمين لمحاولة إعادة التوازن للعلاقات التركية الخارجية , فهذا التوّجه قد خدم الاقتصاد التركي بالدرجة الأولى من خلال فتح أسواق اقتصادية جديدة له أسهمت من انتعاشه . 

وبالرغم من حادثة سفينة كسر الحصار- مرمره - قرب شواطئ غزة , إلا أن هذه العلاقات الإستراتيجية لم تتغير جوهرياً سواء مع أمريكا والغرب , أو مع الكيان الصهيوني , رغم ما أصابها من فتور سياسي وتوتر إعلامي . ورغم ما يبدو أحياناً من تناقض في المصالح والمواقف بين تركيا وأمريكا أو بين تركيا والكيان الصهيوني. فالتوّجه الاستراتيجي لتركيا لا زال نحو الغرب , ونحو الحفاظ على العلاقة الإستراتيجية مع الكيان الصهيوني .

والخلاصة أن تدريب المعارضة السورية المسلحة وفقاً للاتفاقية التركية الأمريكية الجديدة , لم يأتِ بشيء جديد سوى الإصرار على أداء تركيا لدورها الوظيفي المرسوم لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في إطار حلف الناتو , والذي يصب في هذه المرحلة باتجاه تدمير الدولة السورية وجيشها لإضعاف محور المقاومة , مما يخدم في نهاية المطاف الكيان الصهيوني ركيزة المشروع الغربي في المنطقة .