الأربعاء: 06/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إعادة اعمار غزة .... الى أين؟

نشر بتاريخ: 10/03/2015 ( آخر تحديث: 10/03/2015 الساعة: 10:54 )

الكاتب: د. مازن صلاح العجلة

ستة أشهر ونيف مضت على وقف العدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة، وأربعة أشهر ونصف الشهر انقضت بعد انعقاد مؤتمر المانحين في القاهرة. ما هي حصيلة هذه الفترة القصيرة في عمر الزمن، الطويلة جدا في حسابات المشردين الذين دُمرت بيوتهم؟ منذ أن أعلن مؤتمر المانحين بيانه الختامي، لم تكن الأمور تبشر بخير، إذ تبدت ملامح المراوغة والتسويف في ثناياه.

لاحظ مثلا، أن المانحين تعهدوا بتقديم 5.4 مليار دولار، نصفها فقط لإعادة اعمار غزة، أي 2.7 مليار دولار. وهي من جانب آخر مقيدة بشروط سياسة وأمنية يصعب على الواقع السياسي المعقد في القطاع الاستجابة لها فورا. من هنا بدأت المعوقات والتحديات تبرز وتتشكل وتعلن عن نفسها، كلما مر الوقت.
فالمبلغ المتعهد به لا يغطي إلا 67% من إجمالي تكلفة إعادة الاعمار التي قدرتها الخطة الوطنية للإنعاش المبكر، التي قدمتها السلطة الوطنية للمؤتمر، بمبلغ 4 مليار دولار. وترتب أيضا على تضمين البيان الختامي للمؤتمر ضرورة مراعاة أمن إسرائيل من خلال " ترحيبه بإنشاء آلية قوية وفعالة للمراقبة في غزة ترعاها الأمم المتحدة وتقبل بها إسرائيل ويمولها المانحون". وفعلا أُنشأت آلية إعادة اعمار غزة التي عُرفت إعلاميا بآلية سيري. وكما أشرنا مسبقا كان صعبا على السلطة من خلال حكومة الوفاق بسط سلطانها في القطاع تحقيقا للشرط السياسي والأمني للمانحين، في ظل استمرار حماس في السيطرة على قطاع غزة.

إذاً، نحن أمام مشهد معقد يتضمن تعهدا بصرف أموال لم يُصرف منها إلا النذر اليسير، وشرطا سياسيا لم يتحقق، وآلية معقدة تصلح كما قيل حقا للرقابة على المفاعلات والبرامج النووية.
آلية اعمار غزة يديرها فعليا الجانب الإسرائيلي الذي يجب، بناء عليها، أن يوافق على كل المشهد الخاص بالاعمار بتفاصيله المختلفة. أسماء المتضررين، وكميات مواد البناء المقدرة لهم من قبل المؤسسات الدولية ( الانروا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي). ومن خلال قاعدة البيانات التي أنشأها الجانب الإسرائيلي فهو يملك المعلومات عن مواقع الأضرار، وأماكن توزيع مواد البناء، بل ومراقبة كيفية تسليمها وكمياتها.

من الواضح أن هذه الآلية قد أبقت على الحصار في ذات الوقت الذي حاولت إسرائيل أن تظهر فيه أمام العالم أنها ليست معوقا لإعادة الاعمار. ولكن هناك شكوك حول مدى تحقق هدف هذه الآلية المعلن، وهو منع وصول مواد البناء للمقاومة. فقد بات واضحا للجميع أن الكثير من المتضررين قد باعوا حصتهم من مواد البناء، الأمر الذي يوفر مدخلا لتسربها في أي اتجاه. وكذلك اتضح أن هناك فرقا فيما هو مسجل عند المؤسسات الدولية من حصص مواد البناء للمتضررين وبين ما يتم تسليمه فعلا حسب كشوف وزارة الأشغال. أضف الى ذلك عدم ملائمة الحصص لطبيعة الضرر، إذ أن البعض وصلت حصته الى أكثر من طن مع عدم حاجته الى هذه الكمية، وآخرون تراوحت حصصهم بن كيس أو اثنين من الاسمنت. هذه شواهد معدودات من أخرى كثيرة يعلمها الناس للتأكيد على فشل الهدف الرقابي للآلية.

على أية حال، إذا أردنا أن نقيم حالة إعادة الاعمار وما أنجزته خلال الستة أشهر السابقة، فأبسط المعايير وأهمها لتحقيق هذا الهدف هو مقارنة ما تم مع ما هو موجود في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر. حيث قسمت الخطة عملية إعادة الاعمار الى ثلاثة مراحل أولها مرحلة الإغاثة، فمرحلة الإنعاش المبكر ثم مرحلة إعادة الاعمار. وحددت الخطة الإطار الزمني لانجاز المرحلة الأولى والثانية مدة ستة أشهر بالتوازي ابتداء من توقف العدوان.

ما تم رصده في الخطة لمرحلة الإغاثة 414 مليون دولار، ولمرحلة الإنعاش المبكر 1184 مليون دولار. أي أن الخطة افترضت أنها ستنفق 1598 مليون دولار بنهاية الشهر السادس، لتبدأ المرحلة الثالثة، مرحلة إعادة الاعمار التي تحتاج وفق تقديرات الخطة إلى 2432 مليون دولار.
واقعيا، ما تم إنفاقه فعلا حتى الآن وفقا لتصريحات المؤسسات الدولية وحكومة الوفاق لا يتجاوز 400 مليون دولار أي 25% من المبلغ المطلوب، وما دخل من مواد البناء يُقدر بحوالي 60 ألف طن نصفها تقريبا من الاسمنت، وهي كمية تكفي القطاع في الأحوال العادية لمدة أسبوع. وتم إزالة 75 ألف طن من الأنقاض التي يبلغ حجمها 2.5 مليون طن. إضافة إلى تقديم تعويضات لعشرات الآلاف من المتضررين جزئيا وتغطية إيجار أربعة أشهر للمتضررين كليا مع مساعدات أخرى، وتوفير عدد من البيوت المتنقلة ومراكز الإيواء لمن تبقى من المتضررين والبالغ حوالي 11 ألف مواطن.

بناء على قصور التمويل وعقم آلية إعادة الاعمار وتداخل السياسي بالإنساني، ازداد تعقد المشهد، حيث أعلنت الاونروا، وهي الفاعل الرئيسي في إعادة الاعمار، في بيان صحفي يوم 27 يناير الماضي تعليق برنامجها للمساعدات النقدية الذي يدعم إصلاح المنازل ويقدم إعانات للأسر اللاجئة الفلسطينية في غزة، وطالبت بتوفير مبلغ عاجل بقيمة 100 مليون دولار في الربع الأول من هذا العام لاستئناف عمل البرنامج، الأمر الذي لم يتحقق حتى تاريخه.

من تداعيات هذا البطء الشديد والمقصود غالبا، تراجع المطالبات الاولي بضرورة أن تتم عملية إعادة الاعمار بمنظور تنموي شامل يعالج المشكلات في هدى أهداف وبرامج تنموية تعيد بناء الخارطة الاقتصادية على أساس تنمية وتطوير القطاعات الإنتاجية والبنى والمرافق التحتية جميعها بما فيها التعليم والصحة وتنمية الموارد البشرية. ويأتي ذلك في سياق الإرباك الذي يسببه بطء تنفيذ إعادة الاعمار، لتتركز المطالبات بإنقاذ المتضررين الذين باتوا بلا مأوى.

المقارنة بين الخطة والواقع تعكس مدى الفرق الناجم عن تحديات ما زالت تحول دون تنفيذ الخطة واستكمال مراحل إعادة الاعمار، وعلى رأسها عدم توفر التمويل المطلوب نتيجة ربط المانحين لذلك بشروط سياسية ، كما أسلفنا، لم تتحقق ويتم تذكيرنا بها ليل نهار، كان آخرها ما كتبه كريس جينيس الناطق الرسمي باسم الاونروا في مقاله المنشور في الجارديان البريطانية بتاريخ 22 فبراير الماضي، إذ أكد على أهمية أن تزيل إسرائيل جميع العقبات وان يتم رفع الحصار، إضافة للحاجة الملحة للوحدة الفلسطينية، بحيث تتمكن حكومة الوفاق من تولي وظائف الحكم والأمن في غزة.

أنا لا أجادل هنا حول أهمية الشرط السياسي. فلا معنى مطلقا لعدم وجود سلطة شرعية فاعلة في غزة تكون هي العنوان المسئول عن ملف الاعمار أمام المانحين والمجتمع الدولي. كل ما هنالك أن استمرار المعاناة الإنسانية المتزايدة للمواطنين عموما، والمتضررين على وجه الخصوص، لا بد أن تمثل دافعا لجميع الأطراف لتوفير مقاربات جديدة، حتما لا يعجز المجتمع الدولي عن توفيرها للإسراع بإنهاء هذه المأساة.