الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مصالح الدول الاقتصادية

نشر بتاريخ: 26/04/2015 ( آخر تحديث: 26/04/2015 الساعة: 11:02 )

الكاتب: أيمن هشام عزريل

العلاقات الدولية لدولة ما أو مجموعة دول تتأثر بمقدار ارتباطها بالاقتصاد العالمي، فالمواد الأولية والبنية الاقتصادية الداخلية ومستوى الاستيراد والتصدير ومستوى الإنتاج وتطور اقتصاد الدولة، تمثل مؤشرات تشير إلى مد ارتباط اقتصاد الدولة بالاقتصاد الدولي، الذي قلد يتيح للدولة فرص التأثير على السياسات الخارجية لدول أخرى.

كذلك يتأثر صانع القرار بمدى استغلال الإمكانات الاقتصادية، واستخدامها في التأثير على السلوك السياسي الخارجي للدول الأخرى، وقد أصبحت قضية استغلال الإمكانات والقدرات الاقتصادية الشغل الشاغل لدول العالم، ففي الوقت الذي تستخدم الدول المتطورة تكنولوجياً صناعتها في سبيل التأثير على قرارات الدول التي هي في حاجة إلى صناعتها، فأن الدول الغنية بمواردها الأولية يمكن أن تؤثر على قرار الدول التكنولوجية المتقدمة في سبيل أن تقف إلى جانبها لأجل تحقيق أهدافها ومصالحها القومية.

من أوضح وأبرز أشكال التأثير الذي مورس من خلال المصالح الاقتصادية هو من خلال اندماج عدد من الشركات الاقتصادية وظهور الشركات المتعددة الجنسية حيث كانت في كثير من الأحيان صاحبة القرار السياسي الخارجي، فهي تمارس تأثيرها على حكوماتها من جهة، وعلى الدول الأخرى التي تمارس هذه الشركات نشاطاتها فيها من جهة أخرى.
وبالنظر لما تتمتع به الشركات المتعددة الجنسية من قدرة كبيرة في استثمار القوة التأثيرية للدولة الأم لدعم مصالحها العالمية بحكم القوة السياسية النافذة التي يتمتع بها أصحاب هذه الشركات في بلدانهم فإن بإمكانها توظيف هذه السلطة وبالاتجاه الذي تستطيع فيه هذه الشركات ممارسة شتى أنواع الضغوط وخاصة ضد دول العالم الثالث كالتدخل السياسي والاقتصادي والعسكري وبأشكال مختلفة.

وقد أصبحت الشركات متعددة الجنسيات أكثر انتشاراً وتأثيراً من السابق، وأخذت ترسي ظاهرة التدويل التي تحول العالم إلى سوق واحدة، وهي بذلك تخترق حدود السيادة الوطنية للدول، ويعدها البعض بديلاً للواسطة العسكرية في عصر أضحى فيه العامل الاقتصادي أكثر فعالية في العلاقات الدولية.
وقد قيل أن مناطق التجارة الإقليمية يمكن أن تسهم إسهاماً قوياً في إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد وأن الاتفاقيات الإقليمية للتجارة الحرة يمكن أن تحسن تخصيص الموارد عن طريق توسيع الأسواق وزيادة التدفقات الاستثمارية وتحقيق وفورات الحجم الكبير ولكن تظل هناك مخاوف الركود والركود التضخمي، والعجز عن التنافس، والتحرك انطلاقاً من نزعة تمييزية ضد الدول غير الأعضاء في التكتل.

ولقد دخلت العلاقات الاقتصادية والمصالح الاقتصادية الدولية في منافسات شديدة لعل أهمها وأبرزها هي التحولات في العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان من علاقة حلفاء ضمن منظمة حلف شمال الأطلسي (NATO) إلى نوع من المنافسة حول المصالح والمكاسب
الاقتصادية بعد نهاية الحرب الباردة الأمر الذي يهدد بنشوب حرب تجارية كبيرة.
وفي حالة نشوب مثل هذه الحرب ستمتد أثارها إلى اقتصاديات دول العالم الأخر إذا عرفنا إن الولايات المتحدة واليابان وأوربا تنتج 81 % من إنتاج العالم، وتتاجر عالمياً بالنسبة نفسها تقريباً من حجم التجارة الدولية، ويدر عليها وبالتالي عائدات بالحجم نفسه.

وعليه فأن استعادة القدرة التنافسية للولايات المتحدة وفق المنظور الأمريكي وللمحافظة على تفوقها المطلق في النظام الدولي، وردع خصومها المحتملين بما في ذلك القوى الاقتصادية، سيتم من خلال سعيها للاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها في المجال العسكري وتكريسه لمزايا سياسية واقتصادية.

لقد تكرست ظاهرة الاعتمادية المتبادلة بين الوحدات الدولية كنتيجة لتشابك المصالح وإضفاء السمة الدولية على القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتوسعت ظاهرة الاعتمادية المتبادلة لتشمل مجالات اقتصادية وتكنولوجية وأمنية، ولكن ذلك لا يعني انتفاء تقاطع المصالح بينهم.
الدول تستطيع تحقيق أهداف سياستها الاقتصادية الداخلية انطلاقاً من إمكاناتها الذاتية وبمعزل عن قدرات غيرها.
إلا أن وجود ظاهرة الاعتمادية المتبادلة لا تعني بالضرورة سيادة التعاون وانتفاء الصراع فضلاً عن أنها تتزامن مع ظاهرة معاكسة لها وهي ظاهرة التبعية والتي يكون أساسها الاعتماد غير المتكافئ بين الدول.
وقد برزت هذه الظاهرة على نحو أكثر من السابق اقتصادياً وسياسياً وتقنياً بعد تحول وجهة الصراع الدولي من غرب شرق إلى شمال جنوب وهي أحد سمات النظام السياسي الدولي.
ومثلما آلت كل من الحربين العالميتين إلى أوضاع جديدة، آلت أحداث مطلع التسعينيات وخاصة انهيار الاتحاد السوفيتي وما أعقب ذلك من أحداث إلى واقع دولي جديد.
وتحرص الولايات المتحدة الأمريكية على الإمساك بالواقع الدولي الجديد وإخضاعه لسلطتها وحدها منتفعة من ظروف قد تكون غير قابلة للتكرار وذلك حرصاً على تكريس القطبية الأحادية.

فالعوامل الخارجية التي اتسم بها عصرنا الحالي منذ منتصف الثمانينات حتى وقتنا الحاضر مروراً بانهيار النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي ثم تفكك الدولة فيما بعد، وما أفرزته من أثار ونتائج تطبق على جميع الدول في المجتمع الدولي.
ولا ننسى أن نذكر أن هذه العوامل الداخلية والخارجية، هي بدون شك مترابطة الواحدة بالأخرى بشكل أو بأخر، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تؤثر إحداها على الأخرى، مع الأخذ بالاعتبار تفاوت هذه العوامل في المدى والكثافة.
وبعد كل هذا...هل يستطيع العرب استغلال المصالح الاقتصادية بما عندهم من ثروات في الضغط على الدول الكبرى في حل مشاكلهم وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟