الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحاجة إلى اقرار منهاج "سلامة الصحافيين" في الجامعات

نشر بتاريخ: 27/02/2016 ( آخر تحديث: 27/02/2016 الساعة: 19:50 )

الكاتب: د. بسام عويضة

ما بين 45 - 55% من مجموع الصحفيين الذين قتلوا في الحروب والنزاعات عبر العالم، كانوا من الصحفيين العرب، بحسب الاتحاد الدولي للصحافيين.

فخلال الأعوام 2006 - 2014، قتل 703 صحفيين، فيما بلغ عدد القتلى عام 2015 وحده 103 صحفيا منهم 28% من العالم العربي. أما عام 2014، فقد وصل عدد القتلى إلى 71 صحفيا، منهم 15 صحفيا في سوريا .

اللافت للانتباه أن 80% من الصحفيين الذين قتلوا، كانوا في ظروف نزاعات محلية في مناطق كالمكسيك والتي قتل فيها 120 صحفيا في الـ 15 سنة الأخيرة بسبب الحرب بين أمراء المخدرات والحكومة. أما في روسيا، فقد وصل عدد القتلى من الصحفيين إلى ما يقرب الـ 200 صحافيا منذ أن وصل غورباتشوف إلى السلطة .

الأرقام السابقة كانت بمثابة الدافع والمبرر المنطقي وراء تنظيم الاتحاد الدولي للصحافيين ومكتب اليونسكو في بيروت لمؤتمر إقليمي حول إقرار منهاج أكاديمي جامعي حول "سلامة الصحافيين". وقد شارك في فعاليات المؤتمر الذي امتد على مدار يومين متتاليين نخبة من عمداء وأساتذة اﻹعلام في الجامعات العربية، كان من بينها دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت ومعهد الإعلام في جامعة القدس .

ورغم أن أكثر من نصف ضحايا الحروب والنزاعات في العالم هم من صحفيي المنطقة العربية، إلا أن لا جامعة عربية واحدة تدرس مساقاً متخصصا في موضوع السلامة المهنية للصحفي، على الرغم من أن المنطقة العربية مشتعلة بالأزمات.

جورج عواد من مكتب اليونسكو في بيروت، ركز في كلمته على أهمية سلامة الصحافي خاصة في الدول الخطرة مثل سوريا والعراق وفلسطين حيث يقوم احتلال مجرم بالاعتداء على الصحفيين .
أما جيم بومالحه، رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين، فقد اعتبر أن الصحافة لا تجلب الغنى والجاه فقط ، وإنما- أحيانا- الفقر والقتل والخطف والإصابة.
وعبر بومالحه عن استغرابه من تدافع السياسيين للتضامن مع قتلى صحيفة فرنسية بينما لم يحدث الامر ذاته في أماكن أخرى كالدول العربية، خصوصا قتل الصحفيين في غزة.

وفي السياق ذاته، شدد منير زعرور من الاتحاد الدولي للصحفيين على أهمية الحفاظ على أرواح الصحفيين وتمكينهم من أدوات السلامة التي تحافظ على حياتهم .

في ضوء هذه الحالة المأساوية للصحفيين، ناقش المجتمعون وعبر ورشات عمل عدة مسألة إعداد مادة أكاديمية تختص بتوعية الصحفيين وحمايتهم خصوصا في مناطق النزاعات، وكان اقتراح البعض بإعداد دليل ارشادي لتدريسه لطلبة الصحافة و المواطنين الصحفيين، فيما كان اقتراح البعض الآخر بتدريسه ضمن مقرر التربية اﻹعلامية أو محو الأمية اﻹعلامية.
وإلى حين إقرار الدليل الارشادي أو مقرر المساق، جاءت توصية المشاركين بضرورة تنظيم يوم موحد في الجامعات العربية للتعريف بالسلامة المهنية، على أن يكون في الأسبوع اﻷول من شهر أبريل /نيسان المقبل.

أما عن تصورات مساق السلامة المهنية، فإن موضوعات المساق المقترح تتوزع على 12 فصلا، وأبرزها: التعريف بالسلامة المهنية، ونبذة تاريخية حيالها، ثم مسألة الحماية القانونية، والتخطيط للسلامة المهنية، والعناية الصحية الشخصية والمخاطر المحدقة بالصحفي: كالاختطاف والاغتيال والإصابة والابتزاز والمضايقات والاعتقال، وكذلك أيضا اسعاف الصحفي في حال اصابته و كيفية تغطيته للخبر بمعنى القيام باستكشاف جغرافي للواقعة أو الحادثة قبل القيام بالتغطية.

ورغم الجدوى المعرفية من حضور جلسات المؤتمر، إلا أن المأخذ الذي يسجل على واحدة من الجلسات خصوصا ما جاء في أوراق المحاضرات الثلاث التي وزعت على المشاركين، والتي أعدها أحد أساتذة الإعلام في معهد جامعة دبلن الاسترالي هو عدم تطرقها للاحتلال اﻹسرائيلي وجرائمه ضد الصحفيين خصوصا استهدافه لسيارات الصحفيين بالصواريخ في قطاع غزة.

شهود العيان من الصحفيين العاملين في الميدان كان لهم أيضا مداخلاتهم في المؤتمر، وكان من بينهم المصور الفرنسي المخضرم باتريك باز، الذي يقود فريق المصورين في وكالة الأنباء الفرنسية .

يرى الباز أن "صحافة التصوير غير متطورة في بلادنا العربية لغاية اﻵن، وغالبا ما ينجح المصور العربي حينما يعمل في وكالات أنباء دولية".
وبحسب البارز، فإن الصحف العربية لا تقدر المصور الصحفي بما في ذلك صحف عربية عريقة ، حيث تفتقر هذه البيئة لتدريب المصورين، ولحمايتهم وضمان سلامتهم.
كاميرا باتريك صورت كاميرا بالدم في فندق فلسطين لمصور من رويترز . اسفرت عن 3 قتلى لهذه الوكالة البريطانية العريقة .
لا مشكلة لدى باترك في أن يصور بهاتفه المحمول أيضا بدلا من الكاميرا، لانها الأخيرة تخيف المشاهدين أو سلطات الأمن أو الجميع معا. باتريك أيضا يضع على جبينه كاميرا تصوير اضافية ، انه يعرف تماما أن هناك لقطات لا تمر إلا مرة واحدة في التاريخ .

وقد عرض باتريك على الحضور ماذا ينبغي على المصور ارتداءه لحمايته نفسه، معتبرا أن لملابس المصور علم خاص له مفاهيمه وأساسياته، ومن ذلك أن عرض على الحضور صور مختلفة له في الميدان كان منها صورة من مدينة بيت لحم عام 2002، حينما أطلق جنود الاحتلال النار باتجاهه، وطلبوا منه نزع كل ثيابه، لكنه تمكن من أن يخلص نفسه منهم بعد أن تحدث إليهم بالفرنسية.
ومن بيت لحم إلى الفلوجة، حيث كان يرتدي لباس المقاتلين أحيانا ويتحدث العربية ويقول انه لبناني . ورغم كل مغامراته إلا أنه ينصح الحضور بأن " الصورة لا تستحق حياتكم ".
ومن الفلوجة إلى طرابلس الغرب عام 2012 ، فقد كان يحمل 15 كيلو ل8 ساعات يوميا وهي السترة الواقية من الرصاص ، حمل ثقيل ولكنه اختار هذه المهنة عن عشق.

ومن محاضرة التصوير إلى محاضرة" كيف تحمي نفسك وقت النزاعات؟ " مع
يزبك وهبي، والذي يعمل صحافياً منذ 25 عاما، قضى منها 7 سنوات في طرابلس، وهو مدرس أيضا في 4 جامعات- بحسب ما يذكر.
طالب وهبي في كلمته بدراسة بيئة الخبر أو جغرافيا الخبر قبل كتابته ، كما دعا المؤسسات الصحفية إلى تدريب صحافييها على السلامة المهنية، وتوفير أدوات الحماية للصحفي كالسترة الواقية من الرصاص مدون عليها كلمة "صحافة" باللون الازرق على وجه التحديد.

الصحافية سامية نخول من وكالة "رويترز" استهلت محاضرتها باللغة اﻹنجليزية للتذكير بمقتل260 زميلا صحافياً خلال السنوات الأخيرة منهم 80 صحفياً في سوريا و25 صحفيا في مصر . نخول استعرضت تفاصيل حادثة إطلاق النار عليها من قبل القوات اﻷمريكية اثناء وجودها في فندق فلسطين ببغداد عام 2003.

وفي تخصيص الحالة اللبنانية، فقد تحدثت رئيسة تلفزيون الجديد العلماني كرمة خياط في كلمتها قائلةً :" لا يوجد جمعية صحافية في لبنان، هناك جمعية للدولة"، وتضيف:" كل ما حاولنا تشكيل جمعية صحافية في لبنان يحصل نزاع بين الجماعات المتنازعة.

هذا الامر معروف عن لبنان فقد قسمته المحاصصة الطائفية وأبعدته عن مبدأ الكفاءة والحزب السياسي الحقيقي، خصوصا مسألة النزاع بين قوى 14 و8 آذار، فمنذ أكثر من 21 شهرا لا يوجد رئيس في لبنان، وفي ظل هذا الفراغ الرئاسي المدمر، تراكمت النفايات في الشوارع، فيما أزمة انقطاع الكهرباء يوميا أكثر من 10 مرات، يضاف لها أزمة المياه المالحة غير الصالحة للشرب وكأنها من البحر الميت.

ومن بين الجديد الذي أضافته المداخلات والمحاضرات معلومة تتعلق بقطر والتي لا يوجد فيها نقابة للصحافيين، والسبب عدم وجود نصاب قانوني لتأسيس نقابة.

المجتمعون في المؤتمر الاقليمي عرجوا على مسألة أين ينبغي أن يكون الصحافي في بلد تجتاحه النزاعات كسوريا ؟ هل هو دائما يميل إلى جهة دون أخرى؟ هل يسعى لاستقصاء الحقيقة أو صناعة الحقيقة أو تشكيل الرأي العام؟

ملاحظتان على الهامش، الأولى أن لبنان بلد جميل يتميز بحرية اجتماعية قل نظيرها في العالم العربي ربما باستثناء تونس ، ولكن تمزقه النزاعات الطائفية .

والثانية، أننا كفلسطينيين مظلومون جدا لأننا لا نستطيع تنظيم مؤتمرات وورشات عمل في فلسطين كما يحدث في لبنان وبقية عواصم العالم.

خلاصة التجربة، اتفق الجميع على ضرورة إجبار كل مؤسسة إعلامية على تدريب صحافييها، و ضرورة تعليم مساق السلامة المهنية خاصة لطلبة دوائر اﻹعلام في الجامعات الفلسطينية.