الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المصالحة .. لا خلاف الا على !!!

نشر بتاريخ: 28/02/2016 ( آخر تحديث: 28/02/2016 الساعة: 11:58 )

الكاتب: عصام بكر

جولة من اللقاءات والاجتماعات من المقرر ان تشهدها العاصمة القطرية الدوحة في غضون الايام القليلة القادمة بعد اللقاءات الاخيرة بهدف تحريك عجلة المصالحة المتوقفة من ما قبل وبعد التوصل لاعلان الشاطيء اواخر نيسان 2014 وما تبعه من تشكيل حكومة توافق وطني لتبقى المصالحة تراوح مكانها فلا الحكومة مارست صلاحياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولا هي نجحت في الاعمار ، ولا حتى في الاعداد لاعادة اعمار القطاع بعد الحرب الدموية الاخيرة ، وان كنت لا ارغب الان ولست في معرض تقييم اداء الحكومة التي تشير معظم الاستطلاعات والاراء انها اخفقت في نيل ثقة الجمهور بل انها فاقمت من الازمات الداخلية سواء على صعيد الوضع الاقتصادي اوعلى صعيد تراجع الحريات العامة ، ويبقى الموضوع الاساس هو ملف المصالحة وما رشحت بعض التسريبات او التصريحات التي عكست توجها جديدا يتخلف هذه المرة عن المرات السابقة ووصفت الاجواء " بالايجابية " من ناحية وضع الاليات لبدء تنفيذ ما وقعته الاطراف والمقاربة في المواقف لانجاز المصالحة وتوحيد النظام السياسي على اسس واضحة .

ولم يعد بمقدورالشارع ان يرى توصيفات بدون ترجمة ذلك فعلياعلى شكل خطوات ملموسة تعكس انتهاء الحالة السائدة من اكثر من 8 سنوات وعودة اللحمة الداخلية وطي صفحة الانقسام ، فالمواطن اكتوى كثيرا بفعل التصريحات المتفائلة على مدار سنوات ومع كل اتفاق او لقاء او اعلان كانت القلوب ترجف وتتطلع الى زف البشرى السارة لكنها كانت تمنى بخيبة امل وفشل مع اول موقف على طريق انهاء الانقسام ، وتعود لترى مدى عمق الازمة فيما جرى ومدى التعقيدات التي تواكب عمل اللجان في ملف المصالحة وارتباطات الملف اقليميا ومحليا بمجموعة مصالح ومتغيرات باتت هي العنصر الاساس للاسف التي تمنع احراز اي تقدم يذكر رغم الجهود والساعات والايام الطويلة من العمل دون نتيجة وباتت تصطدم بصعوبات جديدة تحول دون التوصل لتحقيق المصالحة ، وبات من التندر او المباهاة غير مقبولة احيانا الحديث في الصالونات السياسية عن ضرورة انهاء الانقسام اولا ثم تحقيق المصالحة مع الادراك ان المطلوب هو استعادة الوحدة الوطنية والسياسية والجغرافية بين الضفة والقطاع على قاعدة مواجهة برامج الاحتلال واجرامه وسعيه لفرض الامر الواقع ودولة المعازل والجيوب دون تقديم أي تنازل يؤدي الى قيام دولة مستقلة ذات سيادة وبما ان الجميع يعرف تماما ان التناقض الرئيسي هو مع وجود الاحتلال فوق الارض الفلسطينية فتصبح مسألة انهاء الانقسام ممرا اجباريا لانهاء الاحتلال في هذه الحالة .

اعادة توصيف وفلسفة الانقسام الذي يضرب عصب الحياة وصميم المشروع الوطني الفلسطيني يعيد طرق الاسئلة الصعبة من جديد وبقوة ومنها ما الذي يجعل هذه المرة تختلف ؟؟ هناك اعلانات سابقة واتفاقات عمرها سنوات مثل " وثيقة الاسرى" وغيرها !! وهل تقلع طائرة المصالحة وتحط في رحاب الوحدة الوطنية ؟؟؟ وما هو البرنامج الذي نحتكم اليه ؟؟ وهل السلم الاهلي وتفصيلات الموظفين ، والمعبر ، ستبقى هي العقبات التي تفجر الطريق امام قطار يتوه على سكة المتعرجات بعد ان مرت به محطات سابقة ، عدد غير قليل من الاسئلة المباشرة تطرح بعد اختلال منظومة الثقة بالاطراف كافة وجديتها في كسر الطوق الذي يلف رقبة الجميع في عملية انتحار ذاتي بطيء نمارسها ضمن لعبة ندرك جميعا نهايتها اذا ما استمر هذا الوضع دون ايجاد مخارج جدية ويرمي المواطن همه بسخرية مبكية احيانا على خانة اليأس وعدم القدرة على التقدم واحيانا اخرى على اقدار رسمت طريقها لنا بذكاء لابقاء الكل الوطني في ازمات متتالية تنتجها ازمات اخرى تتراكم لتولد المزيد من الازمات .

بين حل الخطوة خطوة !! او حل الرزمة الواحدة التي تلت مباحثات الكوريدور في اسطنبول مؤخرا ثم القاهرة ثم الدوحة بانتظار الجولة الجديدة تكمن تفاصيل كثيرة لا يعلمها الا الراسخون في ملف المصالحة والعاملين عليها لان فتح الملفات بتفاصيلها وما علق عليها من غبار السنوات العجاف سيفتح الطريق من جديد للمزيد من العقبات والتراجع لان حجم القضايا الشائكة كبير والجهد المطلوب لحلها اكبر ، مقتل المصالحة كان سابقا في التفاصيل وما اكثرها ، ترتيبات اوراق المنطقة وتحديد لاعبيها الجدد وبناء التكتلات والاحلاف على خارطة متغيرة يفوق ما يجري فيها حسابات العديد من الاوساط حتى على المستوى الدولي بحيث ان بوادر الحرب الباردة عادت لتخيم على الاجواء وسط تقديرات بكسر العالم احادي القطب وتأثيرات مجمل المشهد الناجم عنها على القضية الفلسطينية والمنطقة عموما ، فالتصدعات التي ستلحق ببقايا الدول المهشمة وفشل مشاريع التقسيم في دول اخرى وهزيمة مشاريع عديدة ستؤدي الى ظهور ونشوء تحالفات دولية ، امام هذا المشهد كيف لملف المصالحة ان ينتقل خطوة للامام ؟؟ وكيف يمكن امتصاص الضربات الاتية دون وحدة وتحقيق الوحدة الفعلية الراسخة ذات المظلة الشعبية الحامية والحاضنة لها وبارادة وقوة فعل جدي .

بالتفاصيل الدقيقة والعملية لا يوجد خلاف يذكر والتصريحات تعكس اجواء متفائلة ومبشرة تعود نبضات القلب تهتز صعودا وهبوطا تتطلع الى انقشاع الصورة عن مشهد معيب كارثي يجتث كل الانجازات التي تحققت ويضرب مسيرة ومصير شعب كامل اذا ما استمر ، واضحى الانقسام الشماعة التي نعلق عليها كل شي عدم تطوير الهبة لانتفاضة بفعل الانقسام !! الاوضاع الاقتصادية ، المعبر ، ورفع الحصار ، واعادة الاعمار بات كل شيء او كل عجز او فشل نلقي به على عاتق الانقسام وهو ليس بريء بطبيعة الحال ، الجوهري في كل ذلك ان مكامن الخلل الاساسية تتمحور على البرنامج السياسي ، والانتخابات العامة ، هناك فجوة ظاهريا في بعض التفاصيل فبرنامج المنظمة المقبول حمساويا بمقدوره ان يكون نقطة قوة للاتفاق وليس لزيادة الخلاف ، والانتخابات ايضا بالامكان ان تستخدم كساحة للنضال اضافية خصوصا في القدس المحتلة لتعود الصورة برمتها شعب بنشد حقه في الحرية والانعتاق من الاحتلال حركة تحرر وطني في مواجهة احتلال ، تسخر فيها الطاقات الشعبية والوطنية لاعادة رسم معالم الصراع بكل تجلياتها وبدون رتوش فالمعركة الاساس هي في انهاء الاحتلال وهذا اجماع الكل الوطني والتوافق على انتخابات بصيغة متوافق عليها على قاعدة التمثيل النسبي الكامل تبدو متاحة كمخرج مع توفر القرار للوصول لشراكة سياسية جادة .

التموجات وارتفاع منسوب التصريحات تجعل المتابع يدرك ان التفاصيل المتبقية كفيلة بجعل الامل المعقود وحالة الترقب على قادم الايام في اللقاء المرتقب في الدوحة وامكانية ازاحة الصعوبات وايجاد حلول للقضايا المتعلقة بمجريات الامور والتبشير بزوال عهد الانقسام نهائيا مرة واحدة وللابد ومعالجة ذيوله وتفاصيله اليومية المعاشة ليست هي المنتظرة للاسف على المستوى الشعبي ، وحالة المزاج العام للمواطن العادي كأنعكاس للحالة ذاتها في الصالونات السياسية التعقيدات كثيرة مجملها يتعلق بوحدة البرنامج والهدف وقرار الحرب والسلم كما يقال ، من جهة يمكن تفادي الصدام بالعودة الى وثيقة الاسرى مثلا التي حددت عناوين كثيرة ومتفق عليها لاشكال الكفاح الاكثر ملائمة للواقع الفلسطيني وتحديدا المقاومة الشعبية ووضع الخطوط العريضة لاستراتيجية وطنية يتم تبنيها من الكل الوطني لبناء جبهة موحدة للمقاومة الشعبية وتوسيع رقعة الصدام مع الاحتلال باعتبار المقاومة واحدة من الاساسيات التي ينبغي التوافق على تحديد الشكل الملائم لها وبما يخدم الهدف السياسي هو الوصول للاهداف المشروعة في تقرير المصير والاستقلال الوطني .

توصيف لقاءات الدوحة بالمصيرية واجماع الاطراف على عدم القفز عن الدور المصري الذي يشكل اساسا مهما لدعم القضية الوطنية ويوفر حاضنة مهمة للجهد السياسي الفلسطيني في المسعى لكسب التأييد على المستوى الدولي وحصد الاعترافات بدولة فلسطين يجعل الانظار تتجه مرة اخرى للقاهرة التي باركت الجهود وعبرت عن دعمها لانجاز المصالحة وتفكيك حلقات الخلاف الداخلي على قاعدة المسؤولية الوطنية ومصلحة الشعب الفلسطيني العليا ولعل في دورس الماضي من ضياع الهوية الوطنية وحالة التشظي التي واكبت النكبة عبرة تجعل الامانة الملقاة على عاتقنا كبيرة وثقلها يمتد للاجيال المقبلة ولا يقتصر الضرر على المرحلة الحالية فاشاعة اجواء التوافق مهمة ولكنها بحاجة الى ترجمة عملية لمواقف تقال عبر الفضاء الاكتروني لخطوات فعلية يلمسها على الارض حقيقة ساطعة بلا شك او ارتياب .

ان نسوق تصريحات لها علاقة بتشخيص المرحلة وان تطرب اذاننا لسماع الاحاديث التي تدعو للتفاؤل وان الانقسام في طريقة لان يصبح من الماضي هذا يعبر عن جوهر الاحساس العالي للمواطن ولكن ان تبقى الاجتماعات معلقة ونقاط الخلاف اوسع واعلى ومساحة التلاقي تدخل فيها فهو عوامل المد والجزر ، امر بحاجة للمعالجة ووقف التلاعب بمشاعر الناس وصدق انتمائهم الوطني الاصيل ، الخطوط التي ترسمها التحركات الجديدة من شانها ان تترك اثارا تضاف الى سلبيات الواقع الحالي ويعتبرها المواطن العادي بالنتجة اما ان تقود الى انهاء جدي وعملي للانقسام بتشكيل حكومة وحدة من الفصائل توفر لها عوامل النجاح وتأخذ دورها الحقيقي ، بعد الحديث عن تقليص مساحة الخلاف لدرجة كبيرة باعتبارها اولى الخطوات الفعلية ، واما الذهاب الى انحدار الدرك الاسفل عنوانه الانفصال ودق اخر مسمار في نعش المصالحة .