الجمعة: 17/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

موسم الخريجين والحاجة إلى تغيير في نوعية التعليم؟

نشر بتاريخ: 22/05/2016 ( آخر تحديث: 28/05/2016 الساعة: 16:02 )

الكاتب: عقل أبو قرع

بدأت مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني هذه الايام، احتفالات تخريج عشرات الالاف من حملة الشهادات المختلفة وفي مختلف التخصصات، وبالطبع فإن من حق الخريجين أن يفرحوا بعد الانتهاء من التعب ومن المعاناة من كل الانواع، ولكن ومع الانتهاء من زخم الاحتفال، يبدأ الخريجون بارسال الطلبات الى المؤسسات والشركات والدوائر وحتى الوزارات المختلفة، بحثا عن فرصة عمل، وذلك لترجمة ما تم الاستثمار فيهم، في سوق العمل، ذلك السوق المقيد والجامد والخامل، في ظل اقتصاد مقيد وضعيف النمو ويعتمد على الاخرين، وبعد فترة من البحث يكتشف الخريجون، ما هي الامكانيات والفرص واحتياجات السوق وعدم احتياجاته، ويبدؤون يلمسون ويتعايشون مع البطالة ومع نسب البطالة المرتفعة؟

حيث تشير الارقام التي تم نشرها حديثا، ان نسبة البطالة الحالية في فلسطين تبلغ حوالي 26%، اما عند فئة الشباب بالتحديد، فقد تصل نسبة البطالة الى حوالي 41%، وحسب الارقام او المعطيات، فإنه وللحفاظ على النسبة الحالية من البطالة، فإننا نحتاج الى ايجاد حوالي 600 الف وظيفة خلال العشر سنوات القادمة، اي بمعدل حوالي 60 الف فرصة عمل سنويا، ونحتاج الى نمو اقتصادي سنوي يقدر بحوالي 7% من الناتج المحلي الاجمالي، وكذلك فاذا استمر التصاعد الحالي في نسبة البطالة بنفس الوتيرة، فاننا قد نصل الى حوالي مليون فلسطيني عاطل عن العمل بحلول عام 2030، وفي نفس المنوال ومن اجل انقاص البطالة في بلادنا الى نسبة الـ 10%، فاننا نحتاج الى خلق حوالي مليون فرصة عمل منذ الان وحتى حلول عام 2030.

ومعروف أن أحد الاهداف الرئيسية لمؤسسات التعليم العالي في العالم ومن ضمنها بلادنا، من المفترض أن يكون المساهمة في سد حاجة المجتمع وتغطية النواقص، من خلال رفد القطاعات المختلفة، من قطاع عام وقطاع خاص وشركات ومؤسسات بالايادي المتعلمة أو المدربة، من أجل البناء والتنمية والتقدم، وبالتالي من المفترض أن تتداخل فلسفة واهداف التعليم العالي مع حاجات المجتمع من خلال قطاعاتة المختلفة، ويقوم المجتمع بدعم التعليم العالي ويقوم التعليم العالي برفد المجتمع بما يحتاجة من الايادي المدربة المتعلمة، والتي من الممكن ان تكتسب مهارات الادارة والقيادة.

وبدون شك ان مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني، بمستوى شهاداتها المختلفة، من دبلوم وبكالوريوس وماجستير وفي بعض التخصصات الدكتوراه، وبالتخصصات المتشعبة التي تحويها، من علم الاجتماع الى الهندسة والصيدلة والطب والعلوم والاداب وحتى التربية، والتي نجدها مكررة في معظم الجامعات الفلسطينية، هي الجهة الرئيسية التي تتحمل المسؤولية عن هكذا وضع، من حيث ضعف التخطيط والارشاد وعدم التركيز كاولوية على النوعية أو على مصلحة الطالب من خلال ربطها بحاجات المجتمع، حيث من الواضح أن الوضع الحالي للجامعات يهدف بالاساس لاستقطاب المزيد من الطلبة وبالتالي المزيد من الدخل الذي يصاحب ذلك، واصبح التركيز اكثر على كيفية حل الازمة المالية التي تعاني منها الجامعات، عن طريق قبول المزيد من الطلبة وبالتالي المزيد من الاقساط، وتم تناسي ان نسبة البطالة عند خريجي العديد من التخصصات تزيد عن 50% وربما تصل الى حوالي الـ 80%، وان هذه النسبة تزداد مع الزمن، وتزداد معها مضاعفات عدم ايجاد عمل، سواء أكانت مضاعفات اجتماعية اواقتصادية وغيرهما.

وفي خضم اصطفاف عشرات الالاف من الخريجين من مؤسسات التعليم العالي، فإن من الاخطاء التي ما زلنا نرتكبها، هي النظرة غير الموضوعية الى التعليم المهني او الى التعليم التقني، او الى التعليم غير الجامعي التقليدي او الكلاسيكي، والذي هو من المفترض وفي الوقت الحالي ان يكون أهم واكثر فعالية من التعليم الجامعي التقليدي في بلادنا، والذي تستثمر فيه الدول المتقدمة الجزء الاكبر من الطاقات والاموال، والذي يقبل عليه الكثير في هذه الدول، والذي يجد خريجيه الفرص ويساهمون في تطوير المجتمع وسد حاجات البلد، ورغم الحديث المتواصل عن اهمية التعليم المهني، الا ان القليل قد تم عمله من اجل تشجيع الاقبال على هذا التعليم او خلق الفرص والامكانيات، او من خلال تغيير نظرة الناس اليه، من اجل تشجيع الطلبة للتوجه نحوه، ومن ثم ربطه، سواء من حيث الكم او من حيث النوع مع احتياجات المجتمع.

ومع تواصل دوامة الالاف من الخريجين في تخصصات لا نحتاجها، وبالتالي انضمامهم الى أفواج البطالة، فإن هذا يدل وبدون شك على عمق الفشل وعلى كل المستويات في ربط الاستثمار في التعليم بأنواعه، وبالاخص التعليم العالي، مع متطلبات سوق العمل، وبمعنى اخر هذا يعني خسارة الاستثمار من وقت ومن اموال ومن تعب ومن جهد، وحسب الارقام المتوفرة، فان نسبة كبيرة من الخريجين وبألتالي من العاطلين عن العمل، هم من النساء الفلسطينيات، وهذا يوضح عمق المأساة التي تعيشها المرأة الفلسطينية المتعلمة، مع العلم ان نسبة ألطالبات في معظم الجامعات الفلسطينية تتجاوز الـ 60%، ولكن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في بلادنا، ما زالت لا تتعدى نسبة الـ 15% فقط، ولا أدري كم تبلغ هذه النسبة عند الخريجات من مؤسسات التعليم العالي فقط.