الأحد: 19/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مقترح التوجيهي الجديد بين طموح الإصلاح التربوي وثغرات الواقع الصعب!

نشر بتاريخ: 21/06/2016 ( آخر تحديث: 21/06/2016 الساعة: 13:39 )

الكاتب: د. حسن عبد الكريم

طموح د. صبري صيدم، وزير التربية والتعليم العالي، في الإصلاح التربوي مشروع وجدير بالثناء والتقدير. لكن تناوله لإمتحان التوجيهي كنقطة الإنطلاق أو جوهر التغيير يعد مثاراً للتساؤل للعديد من الأسباب الواقعية والمنطقية من الناحية التربوية. في هذه المقالة سوف يتم تسليط الأضواء على أربع ثغرات رئيسة في المقترح الجديد التي لا تهدف إلى بيان الخلل في التوجه الجديد وحسب، وإنما من شأنها أن تعني في نهاية المطاف أن خروج المقترح الجديد إلى النور لن يكون سهلاً إذا ما بقي على ما هو عليه.

الثغرة الأولى التي يتصف بها المشروع الجديد هي تقسيم المباحث الدراسية لصنفين: إجبارية وأساسية. حيث يدرس الطالب ثمانية مباحث تسمى أربعة منها إجبارية (للفرع لعلمي على سبيل المثال: اللغتين العربية والإنجليزية، الفيزياء، والرياضيات) وأربعة أخرى اساسية (التكنولوجيا، التربية الدينية، الكيمياء، والأحياء). ولأغراض إحتساب العلامات، يتوجب على الطالب أن ينجح في كافة المواضيع على أن تحسب أفضل علامتين فقط في المواد الأساسية. ليس هنالك أي مسوغ تربوي منطقي يفسر هذا التقسيم الغريب، بل أن بعض النتائج السلبية قد تترتب عليه. فهو من جانب يرسل رسالة سلبية مفادها أن بعض المواضيع أهم من سواها (الفيزياء والرياضيات مقابل الكيمياء والأحياء)، ومن جانبٍ آخر قد يؤثر سلباً على مستقبل الطالب الجامعي . فلنتأمل السيناريو التالي: طالب متفوق في الفرع العلمي قرر منذ البداية عدم إيلاء جل إهتمامه للكيمياء والأحياء وإكتفي بالنجاح فيهما وركز بشكلٍ حثيث على موضوعي التربية الدينية والتكنولوجيا سيتمكن من الحصول على معدل عام مرتفع للغاية ولكنه سيعاني كثيراً حينما يتوجه لدراسة الطب أو الصيدلة على إعتبار أن الكيمياء والأحياء جوهر تلك الحقول. وينطبق التشخيص ذاته على الفرع الأدبي الذي تعد مادة فيه الرياضيات مادةً إجبارية في حين أن الجغرافية إختيارية! وهنا نعود للسؤال الأصلي: ما أهمية هذا التقسيم؟

أما الثغرة الثانية فهي إدارية ولكنها لا تقل غرابةً عن سابقتها ألا وهي موضوع الدورتين الكاملتين في شهري حزيران وآب. حيث يمكن للطالب أن يتقدم بنصف أو كافة المباحث في الدورة الأولى، كما بإمكانه أن يعيدها جميعاً أو بعضها في الدورة الثانية وهذا الأمر يستوجب التوقف عنده لأكثر من سبب. فهل وصلت الحكومة الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم إلى حد الترف وباتت ميزانيتها على ما يرام لتتخذ مثل هذا القرار المكلف للغاية من الناحية المادية؟ علماً بأن مخصصات المراقبين والمصححين لإمتحان الثانوية العامة تدفع بعد طول عناءٍ وإنتظار وفي العادة قبيل الدورة التالية من الإمتحان. وإذا كان أنصار التغيير يدعون أن المقترح الجديد سيحد من التوتر والقلق النفسي، فإن الدورتين قد تؤديان إلى نتائج معاكسة تماماً حينما يعيش المجتمع الفلسطيني حالتين من الصداع والتوتر عوضاً عن واحدة. أضف إلى ذلك فإن موضوع القبول للجامعات المحلية والأجنبية لا يقل أهميةً عن الجانب النفسي. إذ أنه لم يعد يخفى على أحد البعد الإقتصادي في عملية إستقطاب طلبة التوجيهي والتنافس بين الجامعات الفلسطينية التي تبدأ بتوزيع طلبات القبول قبل اليوم الأخير من إمتحان التوجيهي. من المتوقع أن يصبح موضوع عقد الدورتين فارغ المضمون وستتراجع عنه الوزارة لأن كافة الطلبة سيختارون الجلوس للدورة الأولى من أجل الحصول على مقعدٍ جامعي الذي يمثل بالنسبة لغالبيتهم الهدف الأساس للتوجيهي. ولربما يكون موضوع إعادة نمط الفصلين كما كان معمولاً به في السابق أفضل من ناحية عملية وأنفع تربوياً حيث يشكل الفصل الأول دورة مفيدة للطالب تتيح له المجال للتحسين في الفصل الثاني.

أما الثغرة الثالثة فتتمثل في حوسبة نظام التوجيهي، حيث يتوجب على الطلبة الجلوس لإمتحانٍ محوسب وهذا التوجه يكتنفه خللٌ واضح في جانبي العدالة وتكافؤ الفرص ومشاكل التكنولوجيا. إن عملية إملاء الأسئلة على الطالب من شاشة الحاسوب من رصيد بنك الأسئلة الواسع سيحدث خللاً غير متوقع في موضوع العدالة وتساوي الفرص، إذ أن أسئلة كل طالب ستكون مختلفة عن زميله المجاور له على إعتبار أن الحاسوب سيختار أسئلة متكافئة لهما. هذا الأمر مشكوك في مصداقيته لأنه لا يحدث إلا بعد إجراء أبحاث ودراسات معقدة تتضمن التعمق في معاملات الصعوبة والتمييز بين الطلبة وينجم عنها إمتحانات مقننة نسبة الخطأ فيها تكاد تكون معدومة، فهل قامت وزارة التربية والتعليم ببناء بنك اسئلة كنتيجة لمثل هذه الأبحاث؟ وعلى ما فيه من علل، لا يزال إمتحان التوجيهي الحالي خالياً من هذه الثغرة إذ أن الأسئلة موحدة لكافة الطلبة الأمر الذي يسهل مقارنتهم ببعضهم. أضف إلى ما سلف إمكانية حدوث خلل تقني في أجهزة الحاسوب أثناء تأدية الإمتحان التي غالباً ما يحدث فيها مشاكل فنية حتى حينما يطبق إمتحان في مختبر جامعي لشعبة لا يصل عدد طلبتها بضع عشرات فكيف سيكون الوضع إن حدث خلل وآلاف الطلبة يستخدمون الحاسوب في آنٍ واحد!

أما نقطة الضعف الرابعة فهي إدخال جوانب شخصية الطالب كجزء من إمتحان الثانوية العامة من خلال ما يسمى ملفات الإنجاز التي ترصد ميول الطالب وقدراته. لا شك في أهمية تنمية تلك الجوانب المتعلقة بالتفكير الناقد، حل المشكلات، الإبداع، وإدارة الوقت كما وردت في توجهات الوزارة بهذا الصدد. وكما هو معروف من الناحية التربوية فإن قياس تلك الجوانب أمرٌ في غاية التعقيد لأنه يتباين بشكل كبير من فرد لآخر، كما أن قياس المؤشرات التي تدل على تلك الصفات يتسم بالذاتية والتحيز وخاصةً حينما تقوم عليها لجانٌ من مديريات التربية والتعليم، وسيكون مصير ملف الإنجاز مماثلاً لمقترح عقد الدورتين. كما أن العمل على إبداعات الطلبة وإنجازاتهم يجب أن يبدأ في مراحل مبكرة للغاية لأنها تنمو مع النمو العقلي والزمني للطالب الأمر الذي نفتقده في نظام تربوي عقيم يتخذ من العلامة والتحصيل المؤشر الوحيد للأداء.

وفي الخلاصة، أتمنى أن يكون واضحاً أن التطرق إلى الثغرات السابقة لا يعني بالمطلق أن نظام التوجيهي الحالي خالٍ من العيوب والثغرات بل على العكس تماماً، فالهدف هنا إثارة نقاشٍ علمي يهدف إلى تحسين وتطوير إمتحان التوجيهي الحالي الذي يقيس كم المعلومات التي يحفظها الطالب. كما يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الإمتحان، سواءً كان التوجيهي أو سواه، ما هو إلا مجرد أداة ومؤشرٍ تقريبي وليس غايةً في حد ذاته. ومن الممكن تطوير الإمتحان الحالي من خلال الإبتعاد عن الأسئلة المأخوذة من الكتاب، كما يمكن التفكير جدياً في إعادة نظام الفصلين الذي من شأنه تخفيف القلق والتوتر عن الطلبة وذويهم. ومن الأبعاد الهامة التي تستوجب الإنتباه ما لإمتحان التوجيهي من طاقةٍ ضمنية معنوية في توحيد شطري الوطن، وليس من المستبعد أن يرفض المسؤولون عن وزارة التربية في قطاع غزة المقترح الجديد بحجة عدم التنسيق الكافي معهم. وأخيراً، حريٌ بوزارة التربية والتعليم أن لا تغمض عينها، عن العنصر الأهم في اي إصلاح تربوي وهو المعلمون الذين باتت الفجوة بينهم وبين وزارتهم شاسعةً بعد أن أدارت ظهرها حينما رفعوا شعار الكرامة، ودون أن تعمل جاهدةً على إحترامهم وإعادة الهيبة إلى مهنتهم فسيبقى جوهر أي تغيير بعيد المنال.
___________________________
 عميد كلية التربية بجامعة بيرزيت