الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أين المشكلة في خطاب حنين زعبي؟

نشر بتاريخ: 30/06/2016 ( آخر تحديث: 30/06/2016 الساعة: 15:25 )

الكاتب: اليف صباغ

شن أعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي والمعارضة ،يوم امس، هجوما شرسا على النائبة حنين زعبي، كاد يصل الى الضرب، كما وصفه مقدمو الاخبار العبرية، وتضمن تحريضا دمويا قد يؤدي الى القتل. تبع ذلك انتقادات حادة من داخل مجتمعنا العربي ،وبعضهم قيادات مجتمعية بارزة،تدعوالنائبةحنين زعبي خاصة، وأعضاء الكنيست العرب عامة،ان تغيروا من مضمون خطابهم، أي الاهتمام بالشأن الداخلي المدني، وليس بالوطني الفلسطيني، وبعضهم الآخر يدعوهم الى تغيير اسلوبهم او نبرة صوتهم، معتبرين ان ارتفاع الصوت، او ما يسمونه "بالصراخ"، هو ما يمنع اليهود من تقبلهم وتفهم مواقفهم، وهو ما يمنع المواطنين العرب من الحصول على حقوقهم واندماجهم في المجتمع الإسرائيلي عامة! فهل تكمن المشكلة فعلا في المضمون او في الأسلوب؟ او في مكان آخر؟ وكان خطاب حنين زعبي بالأمس ،والردود عليه من جهات متناقضة نموذجا للحالة العبثية التي نعيشها منذ عقود دون استعداد لمراجعة التجربة بجرأة وموضوعية بعيدا عن الحسابات العصبية، الحزبية او الشخصية. وهنا لابد لي من بعض الأسئلة والملاحظات:

من المسؤول عن هذه"الهبصة" او الزوبعة البرلمانية والاعلامية؟هل هي حنين ام اولئك العنصريين الذين لا تفوتهم فرصة للتحريض الدموي علينا؟وهل مضمون الخطاب او صوت حنين ونبرتها هو ما اثار الفاشيين الجدد في الكنيست الصهيوني لدرجة الهجوم الجسدي المنفلت؟وهل هي حنين من رفعت الصوت أولا ام انها كانت ترد على الهجوم وتصر على اسماع صوتها؟ولماذا أعضاء المعارضة الصهيونية بالذات ، ميكي ليفي، القائد العام للشرطة سابقا، كانوا اكثر حدة وانفلات ا من أعضاء الائتلاف الحكومي؟ وهل التحريض الدموي على النائبة زعبي بوصفها "الارهابية""والمخربة" اقل وطأة وخطورة من نبرة صوتها المرتفعة دفاعا عن حقها في الكلام والتعبير عن صدق مقولتها؟ أي من هذه التصرفات يمكن ان يقود الى الجريمة السياسية؟ لماذا لم يشن الناشطون العرب هجومهم، او يوجهوا انتقاداتهم للفاشيين الجدد في الكنيست، بل وجهوا سهام نقدهم الى النائبة حنين زعبي؟ الا يستحق منا هذا النهج مراجعة حقيقية لمواقفنا وسلوكياتنا على حد سواء؟ لم ادافع يوما عن شخصية سياسية، كانت من تكون، ولا انوي الدفاع عن أحد هنا، ومعروف لكل من يقرأ ويسمع ويشاهد برامج سياسية انني ادعو الى مقاطعة الانتخابات للكنيست، ولا اتعصب لحزب او لشخص، كما انني لا اعادي حزبا او شخصا حتى لو كان هناك من يعاديني ويتهمني بهذا الانتماء او ذاك،لا لنبرة صوتي، بل لأنه لا يقبل رأيا مختلفا ليس إلا، بل ادعو الى مراجعة للحدث بكل مركباته ومن هنا تأتي ملاحظاتي التالية:

1.ادعو كل من يهمه الامر ان يشاهدالفيديو من بدايته، وليس من نهايته كما يعرضه التلفزيون الإسرائيلي بقصد تحويل النقمة والتحريض على النائبة حنين زعبي، ومنها على المواطنين العرب عموما، ليرى ويتأكد ان حنين كانت قد بدأت خطابها بهدوء، مؤكدة انها صدقت فيما قالته طيلة سنوات مضت، وأن توقيع رئيس الحكومة على اتفاق مع الحكومة التركية يقضي بدفع تعويضات لضحايا مرمرة يؤكد ان إسرائيل تعترف بان جنودها في وحدة القرصنة 13 ( بدون تعميم كما عرض في وسائل الاعلام الإسرائيلية) قتلوا نشطاء سياسيين ولم يقتلوا "إرهابيين" كما ادعت الحكومة طيلة سنوات مضت. من هنا أتساءل، اين المشكلة في المضمون او في الأسلوب؟ وهل كان أي منا يتوقع من حنين أي موقف غير هذا؟

2.اذا كان لدى اي من منتقدي حنين زعبي اي نقاش معها حول نبرتها او ارتفاع صوتها او مضمون خطابها،اقترح عليه ان يراجع خطابات اعضاء الكنيست الاخرين من القائمةالمشتركة.واذا اراد اكثر من ذلك،يفضل ان يراجع خطابات المرحوم توفيق طوبى وخاصة خطابه المشهور باللغة العربية بحضور الرئيس السادات في الكنيست حين قال بصوت مرتفع وبلا تاتاة او استرضاء لأحد: "ستقوم الدولة الفلسطينية رغم انف كارتر وبيغن والسادات"، قال هذا يوم كان مجرد ذكر الدولة الفلسطينية على منصة الكنيست تستفز كل صهيوني أينما كان، او يراجع الخطابات النارية للمرحوم توفيق زياد،وما نزال نتفاخر بخطبه بما في ذلك خطبته المشهورة عن في كهانا حين قال: "انه يمسك بكم بخصيتيكم" ( הוא תופס אתכם "בביצים") هل تذكرون؟ وهل تذكرون خطابات اميل حبيبي من الزنار وتحت؟ ام ان كون حنين زعبي امرأة يتوجب عليها ان تلتزم بنبرة صوت منخفضة خشية ان يصبح صوتها "عورة"؟ او ان عليها استرضاء الفاشيين الجدد علهم يقبلون بنا في أحضان المؤسسات الحكومية؟ هل المشكلة في النبرة فعلا ام المضمون؟ وهذا المضمون هو الذي يشكل عائقا امام من عقد العزم على الانصهار، في المجتمع الاسرائيلي او احراجا له امام زملائه اليهود؟ او ان العصبية الفئوية او الحساسية الحزبية، تفرض انتهاز الفرصة للانقضاض على الآخر في الخندق الواحد؟ كما هو حال العرب جميعا. كنت أتمنى على أعضاء الكنيست العرب جميعا وعلى الناشطين عموما ان يشنوا هجومهم على الفاشيين الجدد ونهجهم العنيف وتحريضهم الدموي على النائبة زعبي لانه في المحصلة هو هجوم وتحريض علينا جميعا، بدل تفريغ غضبهم داخل البيت.يبدو اننا لا نختلف عن غيرنا من أبناء هذه الامة المقموعة والمشرذمة، وبدل ان تستجمع قواها في مواجهة العدو المشترك ما تزال تسترضي عدوها بمزيد من الجَلد الذاتي.

من هنا، اذا كان لابد من استنتاج في هذا المكان،أقول،او اكرر ما انادي به منذ سنوات: ومفاده ان الخطاب القومي/ الوطني لن يؤتي ثماره في الكنيست الصهيوني. ألم يحن الوقت لسماع الحقيقة؟ليس فقط لأنه تضييع للوقت والجهد،وانما لأنه يضفي شرعية على "الديموقراطية" الاسرائيليةالزائفة. وبالتالي،لايبقى لأعضاء الكنيست العرب الا الخطاب المدني الذي يدعو اليه كثيرون بحجة اننا ننتخب النواب لمعالجة قضايانا المدنية، اما القضايا الوطنية الفلسطينية فلها عنوان آخر في رام الله. لأصحاب هذا التوجه أقول: ان هذا الخطاب ايضا اوالنشاط،يمكن القيام به من خارج الكنيست. فماذا تنتظرون؟ أن تفصّل الكنيست وتسن قانونا خاصا يتلاءم مع حجم وصوت حنين زعبي لإخراجها من الكنيست؟ وهل عندها ستكونون خارج ساحة الإعدام هذه؟

أقول هذا عن قناعة تامة، ولكني، مع ذلك، منفتح على الرأي الآخر، وبالتالي ادعو كل من يهمه الامر الى مراجعة جدية وشاملة لتجربة الاحزاب العربية في الكنيست. وهو أمر يحتاج الى جرأة وموضوعية وحسابات وطنيةومدنية حقيقية،صادقة وشفافة،بعيدا عن الحسابات الشخصية او الحزبية الضيقة، وهذا للأسف غير متوفر لغاية الان، وأتمنى ان يتوفر في اقرب فرصة لأننا جميعا نبحر في سفينة واحدة.