الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مستقبلك العلمي والمهني بين الذات والآخر

نشر بتاريخ: 03/08/2016 ( آخر تحديث: 03/08/2016 الساعة: 16:24 )

الكاتب: أ.منيرفا جرايسه

خلال لقاءات عدة أجريتها مع مجموعات شبابية وكشفية والتي نفذت في محافظة بيت لحم خلال العطلة الصيفية هذا العام، أثار انتباهي مجموعة من التساؤلات والملحوظات عبر عنها الشباب والشابات المشاركون في هذه اللقاءات، التي تتعلق بالمستقبل، وأبرزها تلك التي تتمحور حول " ماذا أريد أن أدرس؟ فيما سأتخصص في دراستي الجامعية؟ وغيرها من التساؤلات التي تعبر على ذهن كل شاب وفتاة في هذا العمر، والحقيقة أن معظم الشباب والشابات في مجتمعنا لا يعرفون أو قل لا يستطيعون الإجابة بدقة على هذا التساؤل.

البعض يجيب وفق ما هيأه الأهل لهم، كطبيب/ة، أو مهندس/ة، أو محامي/ة ... وهي المهن أو التخصصات التي " ترفع الرأس" من وجهة نظر مجتمعية بالية والتي تؤكد على الفوارق والتراتبية الاجتماعية بين أفراد المجتمع بناء على تخصصاتهم، التي باعتقادهم ترفع من مكانتهم الاجتماعية كأهل. فابن الطبيب لا بد أن يكون طبيباً، وابن المهندس لا شك سيكون مهندساً. وذلك دون الرجوع إلى اعتبارات متعلقة بميول هذا الشاب أو تلك الفتاة ورغباتهم وإمكانياتهم، حتى ولو وصل بهم الأمر تحصيل مستوى أكاديمي متدنٍ كونهم يقومون بدراسة موضوع أكاديمي ليس من اختيارهم.
في هذا السياق من المهم أن نأخذ بالاعتبار قضية التوقعات من الأبناء والبنات جيداً، فمثلاً يقول بعض الأهالي " طالماً كان ابني متفوقاً في الناحية الأكاديمية، فلماذا لا يصبح طبيباً أو مهندساً أو محامياً؟ وهنا يعيش الشاب أو الفتاة في محاولة يائسة لتلبية احتياجات أهلهم ورغبتهم في نوع المهنة أو التخصص الأكاديمي الذي يجب عليهم أن يدرسوه خلال فترة الجامعة.

وجانب آخر؛ نجد هناك محاولة دؤوبة عند بعض الأسر التي لم تسنح لها الفرصة في التعليم الجامعي أو الدراسة في تخصص كانوا يطمحون (هم أو أهاليهم) له، فهم يحاولون تحقيقه على أبنائهم. هكذا أمر يجعل من الطالب/ة هائما/ة في تحقيق طموحات غيره لا ذاته، لأنه لم ولن تسنح له الفرصة ليفكر في توجهه المهني وفق امكانياته وقدراته، حيث لكل مهنة مجموعة من المهارات العقلية والجسدية والشخصية، التي قد لا يدركها الأهل أو يتغاضون عنها؛ لأنهم وضعوا خطة لأبنائهم وبناتهم ولا يريدون تغييرها. والحقيقة مؤلمة على ذات الشاب او الفتاة الذي يعتقد أن ثلاث أو أربع سنوات سوف تضيع منه في تحقيق حلم غيره، عدا عن أنه سيمتهن مهنة غير منسجم معها ولا يريدها مدى حياته. وقد نجده بعض حصوله على شهادة علمية في التخصص الذي يرغب به أهله قد توجه لدراسة تخصص إضافي أو ثاني هو يحبه ويرغب أن تكون مهنته الحقيقية لا المهنة أو التخصص الذي اختاره الأهل له سلفا.

هنا يتبادر إلى الذهن تساؤل هام حول دور الموجهات التربوية داخل إطار المدارس الثانوية وخارجها حول هذا الموضوع. فهي مرحلة أساسية في التفكير في التوجه المهني، الذي باعتقادي يجب أن يبدأ من مرحلة الطفولة المبكرة وفق مساحة أوسع من الخيارات ويتم تقليصها لدى الطالب في المرحلة الثانوية. فالمدارس على مستوى العالم تتجه في مرحلة الطفولة المتوسطة إلى عمل أيام المهن حيث يستضيف كل طفل والده أو والدته ليتحدث لزملائه عن المهنة التي يعمل بها، ليتعرف الأطفال على ماهية المهن وأنواعها ويتوسعوا بالمعرفة من خلال الأسئلة والنقاش مع الأهالي، وهذا النشاط بسيط جداً يساهم في بلورة مفهوم المهنة لدى الطفل، ويزيد من الترابط في العلاقة الوالدية، ويقدم الطفل حيزاً واسعاً للتفكير وتقييم امكانياته ومهاراته ليجد نفسه في مرحلة معينة جاهزاً لما يجب أن يكون في المستقبل من الناحية المهنية والشخصية.

علمياً، في مرحلة التشبب يتعرض الشاب أو الشابة لثلاثة أمور وهي تغيراته الجسمية والجنسية... وهذه تأخذ كل منحنى اهتمام المجتمع، وتشكل الهوية المستقلة عن الأهل، التي تكون هنا منبع الصراع مع الأهل والتوتر باعتبار أن هذا الطفل لا يعلم من المسيطر داخل البيت (الأب أو الأم، أم الشاب/ة نفسه)، بالتالي يتحول الصراع إلى منحنى شخصي بين الشاب/ة وأهله في هذه المرحلة. وأخيرا وهو محور هذا الموضوع والمرتبط بالهوية وهو التوجه المهني، وهذه القضية ليست فقط مسؤولية الأهل بل مسؤولية مجتمعية بشكل خاص وتتحملها كافة الجهات التربوية كالمدارس والتجمعات والأندية الشبابية التي يتوجه إليها الأطفال في أوقات فراغهم.

وبهدف مساعدتهم على عملية التوجيه المهني، ولصقل هذا التوجه لديهم يوجد مجموعة من الاختبارات والتشخيصات/ التقييمات المهنية أو (الامتحانات) المتعارف عليها دولياً مثل (اختبار تمهيد، اختبار هولاند، وغيرها من الاختبارات والمقاييس المعتمدة) ويستطيع الشاب/ة القيام بها في هذا العمر، وتساعده على تحديد إطار عام وإطار خاص لما يستطيع أن يدرس أو يعمل به في المستقبل.
الحقيقة أن عملية التدريب على التوجه المهني للتربويين والأخصائيين الاجتماعيين تكون بالتكاتف مع الأطراف جميعها ذات العلاقة وعلى رأسها وزارة العمل ووزارة التربية والتعليم ومنظمات المجتمع المدني؛ بهدف توحيد الجهود وتنظيمها لنُخرج أبناءنا وطلابنا من دائرة الحيرة وضياع الوقت والجهد واكتشاف ما يرغبون في تحقيقه بعد الانتهاء من سنوات الدارسة الجامعية ليكونوا أكثر فعالية في أدائهم لأدوارهم.

فالنسبة الكبرى من الشباب لم تسنح لها الفرصة للقيام بمثل هذه الاختبارات؛ بسبب واقع التعليم لدينا وظروفه، حيث يتلخص دور المرشد/ة التربوي/ة في المدارس الحكومية والخاصة (الذي هو أصلا من محدودي الأعداد والإمكانيات والصلاحيات في المدارس الحكومية وحتى الخاصة)، التي في الإطار العام يكون الأخصائي/ة أو المرشد/ة التربوي/ة مسؤولاً عن مئات عدة على الأقل من الطلبة، الأمر الذي يحدّ من فرص إعطاء هذا الموضوع حقه، بالإضافة إلى عدم جاهزية المرشدين/ات جميعا للقيام بهذه العملية داخل الصفوف ولجميع الفئات العمرية.

وقي هذا السياق والحال؛ أتوجه إلى كل شاب وشابة بأن يكونوا أكثر وضوحاً مع ذواتهم، في ماذا تريدون؟ وكيف ستقومون بذلك؟ وماذا تحتاجون لتحقيق النجاح في حياتكم؟ حاربوا لأجل أحلامكم وطموحاتكم المدروسة ولا تحاربوا فقط في المعارك الصغيرة المرتبطة بتحركاتكم وبعض هفواتكم، مثلما يؤثر فيكم الأهل في توجهاتكم، أنتم قادرون أن تؤثروا في رأي أهلكم أيضاً، وتغيير مسارهم بما يتناسب ومستجدات الحياة وتغييراتها، فأنتم التغيير. حاوروا ودافعوا واقنعوا أو اقتنعوا، فالحوار هو المخرج الوحيد لحقوقكم.