الجمعة: 03/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ملحمة حلب الكبرى وأوهام القوة والنصر

نشر بتاريخ: 08/08/2016 ( آخر تحديث: 08/08/2016 الساعة: 11:49 )

الكاتب: د. وليد القططي

بين أخبار إحكام الحصار على الجزء الشرقي من مدينة حلب , ونجاح المعارضة السورية المسلحة في فك الحصار في معركة أُطلق عليها ( ملحمة حلب الكبرى ) , يعيش الطرفان – النظام والمعارضة – أوهام القوة التي تُغريهم بإمكانية النصر والحسم العسكري لمعركة حلب تمهيداً لتحقيق النصر والحسم العسكري في الحرب الأهلية السورية برمتها . هذا النصر والحسم العسكري يبدو أنه ممنوع على أي طرف منهما , بفعل قوى إقليمية ودولية فاعلة ومؤثرة تريد استمرار الصراع المسلح في سوريا استكمالاً لمشروع تدمير الدولة السورية وتفكيكها وتقسيمها وتجزئة الشعب السوري واستنزاف طاقاته وثرواته, خدمة لمصلحة أعداء سوريا من الصهاينة والأمريكان ومن تبعهم من العربان .

لم يتوّقع أحد أن تتطور الأمور في سوريا إلى هذا الحد من العنف الدامي والتدمير الذاتي الذي يمارسه السوريون ضد أنفسهم , ولم يخطر بخيال أحد أن حادثة اعتقال بعض الطلبة في مدينة درعا كتبوا شعارات تنادي بالحرية على جدران مدرستهم ستتطور بفعل غطرسة النظام وأوهام القوة لديه وتدخلات الاقليم ومصالح الدول الكبرى من ثورة شعبية لها قضية عادلة إلى حرب أهلية طاحنة تغذيها التناقضات المحلية والصراعات الإقليمية والمنافسة الدولية , وتتداخل فيها الأبعاد المذهبية والصراعات الاقليمية والمصالح الصهيونية والمؤامرات الدولية والأطماع الاقتصادية .

ولم يدرك الرئيس السوري قبل اندلاع الثورة أن نظامه الحاكم يشبه الأنظمة العربية الحاكمة في كل شيء – باستثناء دعمه للمقاومة - , ويشترك معها جوهرياً في الاستبداد والفساد , واحتكار السلطة والثروة وتوريثهما , وتراكم الظلم الاجتماعي ... وأن ذلك كفيل بأن يفجّر الثورة الشعبية مهما بلغت سطوة النظام وجبروته ،ومهما امتلك من أوهام القوة وسراب الشرعية ،ومهما بلغت درجة استخفافه بشعبه واستهتاره بحقوقه , ولم يدرك أيضاً أن المقاومة ليست صك غفران يُعفيه من استحقاقات الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة بين السوريين واحترام حقوق الانسان السوري , وأن الذي سيحميه هو العدل والحرية إلى جانب التمسك بالمقاومة والممانعة .

وعندما بدأت الثورة الشعبية في التمدد والانتشار في أنحاء سوريا كان الوقت متأخراً لإصلاحات جزئية تجميلية يجريها النظام على نفسه , وكان لا بد من تغيير جذري على بُنية النظام تُزيل منظومة الاستبداد والفساد في داخله , وتُنهي احتكار حزب البعث والنخبة الحاكمة والمتحالفة معها للسلطة والثروة , وتسمح بتداول السلطة والمشاركة الجماهيرية الفعلية فيها ... وبما أن النظام لم يكن مستعداً لإصلاحات تضع حداً لسيطرته على سوريا فقد ذهب إلى الخيار الآخر وهو الحسم العسكري مصحوباً بأوهام القوة العسكرية والأمنية التي يمتلكها , غير أنه لم يكن مستعداً أيضاً لصراع مسلح طويل وقاسي مع عشرات الجماعات السورية المسلحة المعززة بكل أجناس الأرض المحرضين بإيديولوجية سوداء آخر اهتماماتها حرية الشعب السوري ،والمدعومة من قوى اقليمية ودولية بالمال والسلاح والمشاركة الفعلية كل منها له هدفه الخاص الذي لا يتعلق بأهداف الثورة والشعب في سوريا ، فلجأ هو الآخر إلى حلفاء محليين واقليميين ودوليين لإحداث نوع من التوازن في الحرب الأهلية المستعرة على أرضه وللحفاظ على وجوده .

وفي ظل هذه الحرب الأهلية المستعرة بين الطرفين – النظام والمعارضة – وآخر حلقاتها الحالية ( ملحمة حلب الكبرى ) كما اطلقت عليها المعارضة , يُمنّي كل طرف نفسه بإمكانية تحقيق النصر وأن يحسم المعركة لصالحه في حلب تمهيداً لتحقيق النصر والحسم العسكري في كل سوريا . وهذا وفقاً للمعطيات على الأرض يبدو بعيد المنال وغير واقعي ويجافي المنطق على الأقل وفق موازين القوى الحالية , التي تؤكد وجود معارضة مسلحة قوية لديها حاضنة شعبية وعشرات الاف المسلحين المدججين بالسلاح وداعمين اقليميين ودوليين بالمال والسلاح والرجال والإعلام ،وتمتلك إرادة قتال صلبة ،وهدف مركزي هو اسقاط النظام . وبالمقابل هناك نظام لديه حاضنة شعبية أيضاً وجيش وحلفاء وداعمين اقليميين ودوليين , وفوق كل ذلك إرادة صلبة في استمرار البقاء .

ولا خيار بعد كل ذلك الدمار والخراب والموت التي صاحبتها أوهام القوة والنصر من أطراف الصراع في سوريا سوى التخلّي عن الحل العسكري ،واللجوء إلى الحل السياسي ،وخروج الجميع من سوريا لترك السوريين ليقرروا مصيرهم بأنفسهم دون تدخلات اقليمية أو دولية , ودون أن يلغى طرف الطرف الآخر , وأن تُحترم كل مكوّنات الشعب السوري , على أرضية التعايش السلمي المجتمعي وتقبل الآخر المختلف داخل الدولة الوطنية ، وحقوق المواطنة المتساوية ، والالتقاء على ما يجمعهم من وطنية وعروبة وإسلام وإنسانية ومصالح مشتركة , ونبذ ما يفرقهم من اختلافات عرقية وقومية ومذهبية ودينية وغيرها ، وبدون ذلك فالحرب مستمرة مصحوبة بأوهام القوة والنصر حتى يتعب ويمل المتقاتلون وحينها قد لا يجدوا ما يتفاوضون عليه .