الأربعاء: 22/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

حركة فتح: يجب أن تكون بخير

نشر بتاريخ: 28/11/2016 ( آخر تحديث: 28/11/2016 الساعة: 15:34 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

بعيداً عن المحاصصات والحسابات الفئوية لهذا الطرف وذاك، وبعيداً عن الذي رضي من التحضيرات للمؤتمر السابع لحركة فتح، أو الغاضب لأنه لم تتسنّ له عضوية المؤتمر، وبعيداً عن مقاضاة الحركة أو قياسها بميزان أنها أصابت هنا واخطأت هناك، فككاتب ومحلل سياسي بوصلته الوطن وليس أي حزب أو فصيل، كون بوصلة الوطن هي الأدق والأشمل، بعيداً عن هذا وذاك أقول: انني لست مهتماً بالأسماء والتسميات او الاعتبارات أو التصنيفات وإنما جل اهتمامي ينصب حول فتح كحركة تحرر وطني اطلقت شرارة الثورة المعاصرة وقادتها في مراحل صعبة وقاسية وملتبسة، حيث تقف الآن على مفترق طرق، ومصلحتنا نحن الفلسطينيين أن تحدد خياراها الصحيح، لأن نهوضها يعني نهوض الكل الوطني وهبوطها يقود القضية إلى مزيد من الهبوط.

لا أحد على الساحة الفلسطينية قادر حتى هذه اللحظة اشغال الفراغ، فيما لو غابت أو وهنت أو تفككت حركة فتح لا سمح الله، وهذا للأسف الشديد لا يدركه كثير من المحللين الذين يتسابقون على اعلان انتهاء عصر فتح، ولا أدري لماذا يحتفل محلل مستقل، أو شخصية محسوبة على اتجاه سياسي آخر، إذا ما رصد ارتباكاً فتحاوياً من هذه القضية أو تلك؟!، ولماذا تتشفى بعض الأقلام في ترهل اعترى الحركة أو تخبط أو عدم وضوح رؤية؟

ما الذي سيحصده كاتب متشف من وراء ذلك؟
الجواب لا شيء سوى الخيبة، بخاصة وأن حركة فتح رغم تراجع زخمها ما زالت صاحبة الرقم الأكبر في قوائم الشهداء والمعتقلين، إضافة إلى أنها بقيت متغلغلة في النسيج الاجتماعي الفلسطيني، في المدينة والمخيم والريف.
لست مهتماً بمن يقذف اطنان السب والغضب على حركة فتح، لأن تكتيكات وتجاذبات وتحالفات حرمته الدخول من البوابة الواسعة للمؤتمر، ليرتقي مراتبياً وقيادياً، ولا يهمني من يرقص فرحاً لأن البوابة انفحتت له وصار طريق صعوده سالكاً، وإنما كل ما يهمني كمواطن فلسطيني، أن تخرج فتح من هذا الامتحان بخير، فقد آلمتنا الانكسارات والخيبات والخسارات.

أكد قيل في مناسبات سابقة، خبراء ومناضلون مشهود لهم بوطنيتهم، إذا كانت فتح قوية متماسكة، فإن تماسكها سيفرخ تماسكاً على مستوى المفاصل والقطاعات والمؤسسات والأطر الفلسطينية، وإذا ما أصيب تماسكها بعطب وصارت بنيتها هشة، فإن الهشاشة ستصبح عنوان كل شيء، لا لأن حركة فتح هي قدر الفلسطينيين الذي لا راد له، بل لأنها هي التي تقود الآن، والممسكة بالحلقات الرئيسة للقضية لا سيما على مستوى السياسة والقانون والعلاقات الخارجية، حيث أن تبوأها لهذا الدور احتاج إلى عمل تراكمي تجاوز أربعة قرون من الزمن.

مشكلتنا نحن في الساحة الفلسطينية أن المقاييس الحزبية تطغى على البوصلة الوطنية، فمثلاً عندما تُحاصر حركة حماس في قطاع غزة، فإن المعارضين لها أو الرافضين لدورها يتبارون في الإعلان عن انتهاء مرحلتها، لا لشيء، وإنما فقط بسبب عدم انسجامهم معها ايديولوجيا، وكأن الشعب الفلسطيني يجب أن يكون نسخة كربونية، متناسين أن تشظي أي جسم وطني فلسطيني ينعكس سلباً على القضية، وفي السياق ذاته فعندما يتراجع ويخبو دور اليسار فإن متعصباً أصولياً يسارع إلى القول " هذا فشل للعلمانية والعلمانيين"، ولا يدرك بالطبع هذا العصبوي ضيق الأفق أن لليسار دوراً مهماً في المجتمع، وأن له اسهاماته الثقافية والفكرية والنضالية، وأنه كان وما زال جزءاً لا يتجزأ من الفعل الوطني، فيما طاقات هذا اليسار تكاملت مع حركة فتح في مراحل معينة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، ولولا هذا التكامل الذي وصل في المواجهات المفصلية حد التماهي، لأصيبت القضية في مقتل.

إن المطلوب في هذه، مرحلة تعددية واعية، تستند إلى القواسم المشتركة الوطنية وهي كثيرة، لذلك فإن خروج العنوان الوطني في المرحلة المعاشة "حركة فتح" من مؤتمرها معافاة قوية واضحة التوجه سيخدم القضية ويقوي ويعزز مداميك البناء الوطني. فالمعادلة إذن ينبغي أن تقف على قدميها ولا تبقى مقلوبة، فقوة فتح هي قوة للآخرين، وضعفها ليس بالضرورة ان يمدهم بالقوة، فالضعف هو " فايروس" معد ٍ إن أصاب جزءاً من الجسم، فلا مناعة لبقية الأعضاء.