الأحد: 16/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانطلاقة... فجر حق وهوية

نشر بتاريخ: 02/01/2017 ( آخر تحديث: 02/01/2017 الساعة: 11:06 )

الكاتب: بهاء رحال

إنه الإعجاز الفلسطيني الذي شهد ولادة فلسطين من جديد ونبوءة الثورة التي تحققت وصارت ناراً مشتعلة في وجه قوى الاحتلال والاستعمار الامبريالي الذي اغتصب فلسطين وحاول شطبها وتحويلها الى حظيرة عصرية للمستوطنين الأغراب الطارئين الذي عاثوا فيها واستولوا عليها وأرادوها الأرض التي لم يدخلوها ولم تكن وعداً لهم بعدما تاهت أقدامهم بغضب من الله، وقد اعتقدوا أنه يمكن بمحاولاتهم الكاذبة التي التفوا بها على التاريخ ان يصنعوا وطناً لهم، ظناً منهم بان هذا الشعب يمكن أن ينسى ويندثر في المنافي وتضيع حقوقه في أروقة هيئات الأمم التي كانت جزءً من المؤامرة الكبرى التي حيكت ضد فلسطين وشعبها فكانت قراراتها ظلماً تاريخياً مجحفاً وكانت وجعاً دائماً حتى اليوم يزاحمنا كأنه قدرنا الأوحد في شكل اتخذ منه دعاة العدالة والتسامح نهجاً لهم في افترائهم القبيح على التاريخ وعلى الانسانية البريئة منهم، حتى جاءت الانطلاقة المجيدة لتفضح حقيقة هذا العالم وتعيد الهوية الوطنية الى مكانها رغماً عنهم بجدارة وقوة وإيمان عميق بالحق التاريخي المقدس بفلسطين وطناً لكل الفلسطينيين، فكانت الثورة التي وصلت أعلى المنابر بغصن الزيتون والبندقية تفرض فلسطين من جديد وتضع حداً لكل الخرافات المزورة التي ساقتها دولة الاحتلال ومن قبلها دول الاستعمار الذي سعى لتهجير شعب من أرضه وزرع شعب آخر بدلاً منه .

وحتى نكون منصفين لهذه الانطلاقة المجيدة التي حملت في طياتها الكثير من الدلالات والمعاني التي لا بد لنا وأن نذكر بعضاً مما جسدته طوال العقود الماضية، خاصة وأنها استطاعت ليس فقط اعادة وبلورة الهوية الوطنية بشكلها المقاوم بل إنها حملت الهم الوطني والحلم الفلسطيني وقادت أعظم وأكبر ثورة في التاريخ المعاصر، وواجهت اعتى قوى العالم ظلماً وبطشاً وإرهاباً وساهمت بشكل كبير في تطور المجتمع الوطني والارتقاء بمسيرته في كافة النواحي والجوانب وعملت على تحرير الانسان وزيادة الوعي الثقافي والوطني والعلمي وبنت جسوراً من الثقة والتواصل والانتماء حتى صارت الجماهير كل الجماهير تهتف باسمها للوطن الذي كان ولا زال فينا هو الحلم الكبير والعظيم الذي تصغر أمامه كل الأشياء والمسميات، وصارت فلسطين الأقرب الينا وفينا علماً وهوية، وقطعنا مشواراً طويلاً واقتربنا من نهاية النفق المظلم لنخرج الى نور الدولة والولادة من جديد باعتراف العالم نفسه الذي تنكر لنا ولحقوقنا في البداية لها، وصارت فلسطين حاضرة في كل المحافل الدولية والأممية ووصلت أعلى المنابر وصارت القضية المركزية الأولى في العالم التي تحظى بالاهتمام الكامل رغم أن انحياز النظام العالمي الرسمي لصالح دولة الاحتلال لا زال شاسعاً وواضحاً ولا تزال هذه الانظمة منحازة بشكل فاضح وغير اخلاقي وغير عادل ومنافي للإنسانية حتى فيما ترتكبه هذه الدولة من جرائم وحروب يشاهدها العالم أجمع ولا تستطيع هيئات الامم ان تقول كلمة واحدة أو تتخذ موقفاً عادلاً بل إنها تضع التبريرات المتكررة والمتشابهة في كثير من الاحيان وتستخدم فيتو اللعنة ضد حقوقنا لصالح قانون السرقة والاجرام الذي تنتهجه دولة الاحتلال ولا تزال تجاهر به وتعلن عن نفسها دولة ارهاب منظم.

الانطلاقة التي وحدت الشعب وذوبت كل الخلافات والانقسامات في بوتقة واحدة ورسمت شكلاً جميلاً للشعب الفلسطيني الحضاري الذي لم يعد بعد هذه الانطلاقة مجموعة من اللاجئين الباحثين عن لقمة العيش كما اراد المحتل أن يكون، بل صارت الشخصية الوطنية الفلسطينية نموذجاً لحركات التحرر والشعوب الحرة في العالم وصار شعب فلسطين صاحب اعظم ثورة عرفها التاريخ وأجمل ثورة بها دفء الوحدة والتآخي بين كافة القوى والفصائل الوطنية، وأصبح صاحب فكرة ومبادرة وعمل خلاّق متوحداً بالأهداف ومتفقاً على الاستراتيجيات ومؤمناً بحتمية الانتصار، وحريصاً كل الحرص على وحدة الشعب والوطن الذي لا يقبل القسمة وهذا ما سعت لتجسيده فتح عبر مشوارها النضالي الطويل وقد كرست ديمقراطية غابة البنادق بأجمل المعاني الصادقة ولم ترهن قرارها لأي جهة بل كانت تحافظ على القرار الوطني المستقل وحلقت فيه في كل بلاد الدنيا حتى عادت الى الوطن كي لا يكون ورقة في يد أحد وغير خاضع للوصاية والتبعية لأحد، فهو قرار الشعب للشعب ولا بد ان يبقى فلسطينياً، بهذا آمنت حركة التحرر الفلسطينية منذ الانطلاقة، وهذا ما عملت عليه وقد تمكنت من عبور منعطفات كبيرة وخطيرة واستطاعت ان تنتصر على حالات الاستهداف المباشر والغير مباشر لسرقة القرار المستقل وكل حالات الخلاف التي كانت تحدث بين الفينة والأخرى وظل الجميع في ظلال الوحدة الوطنية حارسة مشروع التحرر والاستقلال محافظين على قدسية الدم الفلسطيني والإنسان الفلسطيني والعلم والنشيد.

إنها فتح في عيدها الثاني والخمسون وقد امتلأت بكل صور الإبداع والتألق الوطني وظلت أمينة على حرمة الدم الفلسطيني وحافظت على الهوية الوطنية من الضياع ورفضت الوصاية والتبعية ورفضت كل الأنظمة الرجعية والامبريالية، وكانت أول الرصاص وأول الحجارة، وهي ماضية في طريقها تقطع اشواطاً للإمام عن البقية الذين ينتقدوها ثم يتبعون خطاها بعد سنوات، هذه هي فتح التي كانت ولا تزال تزرع في الأرض ابتسامة وأمل، ونور حق يطلع من ليلنا الحالك.
فتح الإعجاز الفلسطيني الذي تحقق يوم الانطلاقة والرسالة الوطنية التي حملتها الأجيال جيلاً بعد جيل وأبطلت من خلالها نظرية الكبار يموتون والصغار لا يعرفون كما أدعى مؤسسي دولة الاحتلال آنذاك، مراهنين على الوقت والزمن، وكما تمنوا طويلا أن يكون هو الحال – أرض بلا شعب، لكن الارض باقية والشعب فيها باق يحرس ليل الغائبين حتى يعودوا ويرحل الاحتلال.