الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الوقت الإضافي إنتهى وهناك ما يقال !

نشر بتاريخ: 18/01/2017 ( آخر تحديث: 18/01/2017 الساعة: 10:49 )

الكاتب: زهير الشاعر

ابدأ مقالي هذا بالموقف المجتهد الذي عبر عنه بالأمس د. صائب عريقات في سياق رد رسمي على تحفظات كل من أستراليا والمملكة المتحدة اللاتي تحفظتا على ما جاء من مقررات مؤتمر باريس للسلام الذي أكد على حل الدولتين وضرورة إنهاء الإحتلال الإسرئيلي للأراضي الفلسطينية، حيث دعا البلدين إلى مراجعة مواقفها بمساءلة إسرائيل، فضلا عن الإعتراف بدولة فلسطين وتقديم الدعم للمبادرات الفلسطينية والدولية .
وأعود إلى العام 2016 حيث كانت التوقعات كثيرة لتغير المشهد الفلسطيني حسب المعطيات التي كانت تحيط به ، خاصة أن التحديات بلغت مستوى غير متوقع في العلاقة الداخلية بين أبناء الشعب الفلسطيني والمنظومة الفلسطينية الحاكمة، ولكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس إستطاع بدهاء أن يتجاوز تلك المحنة والتحديات لبعض الوقت، خاصة بإصراره على عقد المؤتمر العام السابع قبل نهاية العام بوقت قصير والذي كان يمثل الوقت الأصلي للسيناريو القائم ، وبذلك ضمن أن يكون هناك وقتاً إضافياً يكون فيه لاعباً أساسياً أيضاً، على أن يحصل من خلاله على فرصة أكبر للإستمرار بالحفاظ على منظومته السياسية.
كما إستطاع أن يظهر بمظهر الحريص الجامع الذي يتمتع بالشرعية والقوة وبأنه لا زال يمسك بزمام الأمور كيفما أراد ، لا بل ، كان مذهلاً وهو يحاول أن يتحدث بثقة بالنفس طوال ثلاث ساعات متواصلة بدون حتى أن يمد يده ليأخذ قليلاً من الماء خلال الخطاب الأخير الذي تلاه في ذاك المؤتمر حيث عبر عن إرتياح شديد وثقة بالنفس عالية جداً كانت تعبر عن إنعكاس للشعور بالنجاح الذي حققه من نتائج كان يرجوها من ذاك المؤتمر.
مع وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وما أعلن عنه من أفكار أربكت جميع الأطراف الفلسطينية ، خاصة فيما يتعلق بنيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وما يعنيه ذلك من تأثير على الوضع الداخلي الفلسطيني وترسيخ فكرة العاصمة الموحدة لإسرائيل، وعدم دعوة الرئيس محمود عباس حتى اللحظة لحضور حفل التنصيب في واشنطن ، وموقفه من الإخوان المسلمين في المنطقة بشكل عام، والذين على ما يبدو بأنهم سيمرون في مرحلة صعبة، إن لم يسارعوا في تغيير الأيدولوجية الفكرية التي تحكم نهجهم في التعاطي مع القضايا ذات الشأن.
لكن كون أن الوضع الفلسطيني برمته لم يعد يتمتع برفاهية الإختيار في ظل التحديات الإقليمة والدولية وما تواجهه القضية الفلسطينية من مصادرة للأراضي، لابد من أن نتطرق في مقالنا هذا إلى مواقف جميع الأطراف التي تحكم المعادلة الفلسطينية ، حيث بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتطبيق الفعلي لإشغال الساحة الفلسطينية من جديد، تارة بترتيب البيت الفلسطيني وذلك بالإعلان عن نيته تعيين نائب له يبدو بأن الكفة باتت تميل لدكتور صائب عريقات المجتهد والطامح بهذا المنصب والذي على ما يبدو يحظى بثقة مطلقة لدى الرئيس محمود عباس ، وذلك بحجة ضمان الإنتقال السلس للسلطة في حال غيابه لأي سبب كان، وتارة بالحوارات المتعلقة بالمصالحة وإنهاء الإنقسام وأخرى بالإعلان عن العمل على إنعقاد الإنتخابات العامة المتعلقة بالمجلس الوطني والرئاسية والتشريعية .
كما أنه يحاول أن يضرب ضربة معلم وذلك بتطويع حركة حماس الفلسطينية من خلال إستغلال ملف مشكلة الكهرباء وتحميلها المسؤولية باالكامل عن هذا هذا الملف الذي بات اليوم يشغل الرأي العام بشكل كبير ، خاصة أن الشارع الغزاوي لم يعد يحتمل إستمرار هذه المشكلة وخرج إلى الشوارع بأعداد كبيرة، وعبر عن حالة الغضب الشديد التي تجتاحه ، لا بل وصل الأمر إلى حالة تصادم مع قوات الشرطة هناك، والتي على ما يبدو بأن أفرادها قامت بتصرفات عشوائية وهمجية بدون التدقيق فيها وفي عواقبها، ولذلك ظهرت وكأنها تقلد بشكل أعمى قوات الإحتلال وهي تقوم بإطلاق زخات من الرصاص لتفريق المحتجين.
هذا الأمر جعل هذا الملف يزداد تفاعلاً مما دفع حركة حماس لأول مرة للإقرار بأنها على إستعداد لترك مسؤولية المؤسسات الحكومية وتسليمها بالكامل لحكومة الوفاق الوطني وفوراً وبدون شروط مسبقة.
هذا يعني أن حركة حماس التي تحكم قطاع غزة باتت تدرك بأنه لم يعد هناك وقتاً إضافياً تتقاسم فيه الأدوار مع أحد كائن من كان ، لكي تنال فرصة المراوغة والمماطلة والتأجيل إنتظاراً للتطورات السياسية وعليها أن تجد تحالفاً محلياً ينقذها من ورطتها، لذلك وعلى ما يبدو بأن هناك أطرافاً دولية قد نصحتها بأن المرحلة لم تعد تصب في صالحها إن بقيت مصرة على التمسك بطريقتها بحكم قطاع غزة.
كما أن محمد دحلان الخصم الشرس للرئيس الفلسطيني محمود عباس ، لا زال أنصاره يتكاثرون في الساحة الفلسطينية ويعملون على تجسيد تأثيرهم ليكون واضحاً كتعبير عن طريقة تنافسية جديدة ، وهو من يطرح في هذا الوقت مشروعاً بديلاً لإنقاذ الوضع الفلسطيني وحل للأزمات التي تعاني منها غزة ، كما انه من الواضح أن لديه دلالات على وجود تصورٍ منطقي وعملي وواضح للقيام بخطوات فاعلة وذو تأثير لتنفيذ هذا التصور، هذا الاجتهاد يمنحه حظوظ أكبر في المرحلة القادمة التي يبدو بأنها جزء من طموحاته، التي يدرك المراقبين بأنه لا يمكنه الوصول إلي تحقيق الوصول إليها بدون طرح إستراتيجية عملية تتلائم مع التحديات التي واجهته وتواجه الوطن بمجمله ولا تعيد نسخ وتكرار السابق من جديد.
لذلك لا بد من القول بأن حركة حماس تجاهلت حقيقة أسباب حصار قطاع غزة طوال الأعوام الماضية ومدى قدرة المواطنين على تحمله نتائجه ، وتناست حجم المسؤوليات والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وخاصة أبناء قطاع غزة الذين خضعوا لحصار قذر بسبب إصرارها على الحكم، وعدم تجاوبها مع ضرورة تجاوز ما نجم عن الإنقسام ، وعدم الإصرار على خلق أجواء من المواجهة الدائمة في المنطقة ، واليوم هي تحاول لتخرج من المأزق الذي وصلت إليه ودفع ثمنه الشعب الفلسطيني من حياته ومستقبل أبنائه، وذلك من خلال إعادة رسم التحالفات مع إيران من جديد من جهة، ومحاولة الإنفتاح على جمهورية مصر العربية من جهة أخرى!، وفي تقديري أنها باتت تدرك بأن لكل توجهٍ من هذه التوجهات هناك ثمن سياسي لابد من دفعه!
كما أن اليوم كان هناك إشارات واضحة لإستغلال هذا الأمر في سياق إدراكٍ من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن الوقت الإضافي لهذه المرحلة قد إنتهى ولم يعد هناك المزيد من فسحة في الوقت أمام أي طرف فلسطيني، وهو من إستطاع أن يستخدم عامل الوقت ببراعة ودهاء، وشغل الجميع بما أراد ، وها هو يضع حركة حماس مرة أخرى في الزاوية وبدأ يتحدث عن شروطٍ لإنقاذها من ورطتها وأزمتها القائمة وخشيتها من مواجهة الشارع الغزاوي.
لكني أستطيع القول بأن الحقيقة تقول بأن التحديات لم تعد تقتصر على طرفٍ واحد وبأن الوقت الإضافي بالنسبة للجميع قد إنتهى ، وأن إستخدام عامل الوقت من جديد بما يخدم مصالح كل طرف على حساب الأطراف الأخرى بعيداً عن المصلحة العامة لم يعد مجدياً ، وهذا يأتي في سياق المثل القائل " قاله طالع إلك، فرد قائلاً صحيلك!" ، حيث أن الأمور باتت مفضوحة بأنها مسيسة بإمتياز والجميع يبحث عن سلطة ونفوذ ويستطيع أن يؤثر في ساحة الأخر وقتما أراد، ولذلك أصبح الشأن الوطني بشكل عام لخطوات عملية لتصحيح أخطاء قائمة ومدمرة، على أساس أن تعيد هيكلة المشهد الفلسطيني ومتطلباته من جديد لتعيد الأمل للمواطن الفلسطيني من جديد، وهذا يطرح تساؤلاً مهماً وهو، هل لا زال هناك وقتاً لتنفيذ ذلك ، قبل أن يسدل الستار قريباً جداً عن الفصل الأخير من هذه الرواية الموجعة ، وذلك بإنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني ؟