الأحد: 26/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحو ترسيخ ثقافة مجتمعية لصالح التعليم المهني والتقني

نشر بتاريخ: 31/07/2017 ( آخر تحديث: 31/07/2017 الساعة: 15:54 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

الثقافة المجتمعية السائدة في بلادنا، ما زالت تتعامل مع التعليم المهني والتقني كما لو أنه من الدرجة الثانية والثالثة، مع أن مجتمعات في عديد دول العالم المتقدم، تضع هذا النوع من التعليم في الدرجة الأولى وعلى رأس السلم، استناداً إلى استراتيجيات تعليمية تنموية، نجحت منذ سنوات طوال في تنفيذها، انطلاقاً من فهم مبكر لأهمية التعليم المهني والتقني ودوره في إحداث تنمية مستدامة قادرة على نقل المجتمعات نقلات نوعية على مستوى الإنتاج والبناء.
والغريب أن هنالك من يصر على حصر وحشر التعليم المهني في الحدادة والنجارة، وبالرغم من أهمية هاتين المهنتين، إلا أن فضاء هذا التعليم واسع وممتد في المرافق والتخصصات كافة، على تنوع تسمياتها وميادينها.
واليوم إن الفصل بين المهني والتقني، كما الفصل بين أعضاء الجسم الواحد، دون الربط بين العلاقة الكلية بين الوظائف المتكاملة في إطار الوحدة العضوية. فلا مهني في القرن الواحد والعشرين بلا تقني، فالآلية القديمة التي كانت متبعة في (ميكانيكا) السيارات أو كهربتها، لا تسطيع مواكبة التطورات الهائلة في نظام الحوسبة الدقيقة، التي هي أساس السيارة الحديثة، فإذا لم يستوعب "الميكانيكي" الهندسة التفصيلية للسيارة، فإنه سوف يتسمر عاجزاً أمام لغز، ليس بمقدوره حله أو تفكيك رموزه.
التعليم المهني والتقني هو الكفيل لتخريج فنيين مهرة في الهندسة المعمارية والصناعية والطبية، وفي تقنيات الإعلام والمساحة والتجارة "الإلكترونية"، إلخ.
متى يدرك أولياء الأمور الذين يصرون على إجبار أبنائهم على الالتحاق بالتخصصات النظرية، أن خريج المهني والتقني قادر على العمل مباشرة بعد تخرجه، دون أن ينتظر سنوات أخرى، حتى يتم استيعابه في وظيفة، فسوق العمل بأمس الحاجة إلى مزيد من التقنيين المدربين الجاهزين للإنخراط في عديد المهن والمجالات.
المهنيون التقنيون ينظر إليهم باحترام كبير وبتقدير عالٍ في المجتمعات التي تدرك أهمية أدوارهم في العملية الانتاجية، وهنالك دول تتنبه تقوم في مستوى الدراسة الإعدادية، بتصنيف الطلبة وإعدادهم لمهن مستقبلية ترتبط ارتباطاً وثيقاً باستراتيجيات تنموية.
فالمانيا نهضت بعد الحرب العالمية الثانية بالتعليم المهني والتقني، وكذلك اليابان، فيما الصين تركز الآن بشكل منهجي على هذا النوع من التعليم، تماماً كما تفعل البرازيل والهند وماليزيا وكندا واستراليا، وحتى الولايات المتحدة نفسها توظف إمكانات كبيرة وهائلة في سبيل النهوض بالمهني والتقني.
صحيح أن وزارة التربية والتعليم العالي أخذت تولي اهتماماً بالمهني والتقني، لكن ذلك لم يؤسس لمفاهيم قادرة على تغيير النظرة المجتمعية الخاطئة، فالمسألة أوسع وأعقد من خطة واستراتيجية، وإنما تتطلب عملاً دؤوباً توعوياً تثقيفياً، بمشاركة المؤسسات الرسمية والأهلية والخاصة، وبدور خاص للإعلام، من خلال برامج موجهة مدعّمة بالمعطيات والحقائق، فيما المؤسسات التعليمية المتخصصة في هذا المجال، مطلوب منها توفير بيئة تعليمية مهنية تقنية تدريبية من خلال اعتمادها على:-
1- أساتذة أكفاء ومهرة.
2- تقنيات ومختبرات حديثة.
3- تدريب الطالب عملياً وتجهيزه لسوق العمل مسلحاً بالنظري والتطبيقي.
4- طرح تخصصاتها الجديدة، بد دراسة علمية لحاجة السوق والمجتمع وتحريك هذه التخصصات وفق الأولويات والمستجدات.
التكنولوجيا هي كلمة السر في كل التخصصات، فكيف السبيل لمذيع نشرة أخبار أو مقدم برنامج تلفزي، لكي يصل إلى الجمهور، بدون فنيي الصوت والإضاءة والكاميرا، وفنيي الديكور، الذي لم يعد مقتصراً على كرسي وطاولة، لأن الخلفيات ترتبط اليوم بالتكنولوجيا، التي تخلق فضاءً واسعاً وحافلاً بالتنوع، كما هو معمول به في البرامج التلفزية الخاصة بالمنوعات والمواهب الغنائية والثقافية، حيث تتغير وتتنوع الخلفيات في كل لحظة وبشكل مبهر، فهل يمكن أن يتم ذلك بمعزل عن فنيي هندسة ديكور تقنيين متخصصين ملمين بكل التطورات في هذا الجانب؟!!
وخلاصة القول إن التعليم المهني والتقني ليس زائداً عن الحاجة، وليس ملحقاً أو يقبع في درجات متدنية هامشية، بل إنه يتبوأ الصدارة وينتصب في المقدمة، كونه ضرورة في عالم مفاتيحه تكنولوجيا في تكنولوجيا، فهل يعقل أن نصر على استخدام مفاتيح قديمة بالية، لا تستجيب لها التقنيات الحديثة؟
سؤال استنكاري نختم به هذه المقالة، لعلنا نفتح أبواباً جديدة في استحداث أساليب وآليات تساعد على تغيير النظرة التقليدية للمهني والتقني وتؤسس لثقافة جديدة متفاعلة مع ما يحتاج العالم من تطورات وثورة معلومات عمادها التكنولوجيا.