الإثنين: 17/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

معركة المسجد الأقصى في ميزان الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي

نشر بتاريخ: 01/08/2017 ( آخر تحديث: 01/08/2017 الساعة: 10:34 )

الكاتب: احمد عيسى

الجزء الأول
تسعى هذه المقالة الى قراءة معركة المسجد الأقصى من زاوية "معايير الامن القومي لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين"، وذلك لغايات محاولة الاجابة على الأسئلة التالية: ما هي مكانة القدس والأقصى في مفهوم الأمن القومي الفلسطيني؟ وما هي الشروط التي جعلت من الانتصار الفلسطيني في هذه المعركة وتحديداً في هذا الوقت امراً محتوماً؟ ثم ماذا يفرض هذا الانتصار على الفلسطينيين سياسياً وشعبياً من عمل للبناء على هذا النجاح؟ وفي المقابل ماهي الدلالات التي تضمنتها معركة الأقصى على سياسة الامن القومي الاسرائيلي؟ وما هي الاهداف الاستراتيجية الاسرائيلية المرجوة، والتي حاولت اسرائيل توظيف هذه المعركة لغايات تحقيقها؟ وهل اجبرت خسارة هذه المعركة اسرائيل على تغيير رؤيتها في معالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟
ولتحقيق هذه الغاية، سيجري تقسيم هذه المقالة الى جزئين، سيحاول الجزء الأول محاولة الاجابة على الأسئلة الخاصة بالجانب الفلسطيني، فيما سيخصص الجزء الثاني لإلقاء الضوء على الاسئلة الخاصة بالجانب الإسرائيلي.
أولا:- القدس والمسجد الأقصى في مفهوم الأمن القومي الفلسطيني
يرى البعض ان مفهوم الأمن القومي لأي شعب يجب ان يتضمن بالحد الأدنى سلامة ومصلحة هذا الشعب، اينما وجد داخل او خارج وطنه وأرضه، علاوة على استجابته لاحتياجات الشعب الأمنية والسياسية والاجتماعية والدينية، وذلك على المستويين الشخصي والجماعي طالما يعترف العرف والقانون بهم.
ولذلك يقول البعض ان مفهوم الأمن القومي يتضمن بعدين، احدهما اقليمي والاخر انساني، يختص الاول بمنع او ردع كل عدوان او تهديد للتراب الوطني، بينما يختص البعد الثاني بدرء او ردع العدوان الذي يستهدف الشعب كأفراد او مجتمعات او مؤسسات ومقدسات.
واذا طبق التفسير اعلاه على الحالة الفلسطينية، يخطأ الفلسطينيون ايما خطأ اذا ما انطلق فكرهم الأمني تأسيساً على تحقيق سلامة ومصلحة واحتياجات الشعب الفلسطيني الذي يعيش فقط في المناطق الفلسطينية التي جرى احتلالها من قبل اسرائيل في العام 1967، أي في المساحة الجغرافية للدولة الفلسطينية الموعودة، رغم مكانة واهمية الدولة في مفهوم الامن القومي الفلسطيني، الأمر الذي لا يبدو كذلك في السلوك السياسي للسلطة الفلسطينية خاصة فيما يخص اللاجئين الفلسطينيين لا سيما فلسطينيي سوريا ولبنان.
وفي هذا الشأن يرى البعض من الخبراء الفلسطينيين ان مصالح الشعب الفلسطيني العليا تتعدى الكيانات الموجودة حالياً، كمنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، ويؤكد بعضهم ان هذه المصالح ستتعدى في المستقبل حدود اية دولة فلسطينية قد تتأسس أياً كان شكلها ومهما كانت حدودها، كون المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ليست عنوانا آخر لمصالح الدولة الفلسطينية أو لمصالح أية كيانات اخرى دون مستوى الدولة.
واضافة لكل ما تقدم، فالأمن القومي يتضمن أبعاداً أخرى تشمل الأمن الاقتصادي، والحدودي، والداخلي، وصيانة القانون والنظام وحماية الخيارات الحرة للشعب فيما يخص اسلوب الحكم وطريقة الحياة التي يتوافقون عليها ديمقراطياً، وكذلك حماية الأماكن المقدسة، وتأمين سهولة وحرية الوصول اليها كيفما ووقتما يشاؤون.
وفيما يخص المسجد الأقصى كأحد اهم الاماكن المقدسة في فلسطين فهو يحتل علاوة على كل ما تقدم، مكانة فريدة نادرة في القرآن الكريم، أي في العقيدية الدينية الإسلامية التي يدين بها الغالبية العظمي من الشعب الفلسطيني، اذ ذكره الله سبحانه وتعالى مرة واحدة في آياته التي اوحى بها لنبيه محمد "صلعم " بقوله }سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله{
ويفيد ذكر المسجد الأقصى في القرآن الكريم مرة واحدة معاني الندرة والغرابة والفرادة، اذ اراد الله سبحانه وتعالى وهو اعلم العالمين، ان يبرز هذه المعاني ليس من خلال الموقع الجغرافي فقط، حيث كان الأقصى هو المسجد الوحيد الأبعد عن المسجد الحرام في تلك المرحلة، بل اراد الخالق الى جانب الجغرافيا ابراز احد آياته الدالة على الفرادة والندرة والإعجاز المتضمنة في فعل الإسراء اليه، الذي كرم به الله نبيه، وميزه به عن غيره من انبيائه عليهم السلام، كما اراد من خلال هذه الآية الكشف عن حقيقة علمية مفادها، ان المسجد الأقصى يقع في نقطة جغرافية هي الأقرب ما بين الأرض والسماء، الأمر الذي تضمنته قصة معراج النبي من المسجد الأقصى للسماء، ولذلك ستكون فلسطين هي ارض المنشر والمحشر للخلق عامة، كما كان المسجد الأقصى فيها قبلة المسلمين الأولى، وسيبقى الى يوم البعث ثاني مساجد الارض بعد الحرم المكي الشريف.
وعلى ضوء معالم الندرة والفرادة والمكانة العالية المتضمنة في الآية أعلاه، حق على الخلق اجمعين تسبيح الخالق وعبادته والتفكر في آياته وقدراته التي لا يملكها احد من خلقه، كما كان ذلك من الأسباب والغايات التي تضمنها قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في حديثه "لا تُشد الرحال إلا الى ثلاث، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا".
ويفيد معنى الحديث اعلاه، ربط الرسول عليه السلام احد اشكال وأنماط عبادة الله جل في علاه بشد الرحال للمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، كما يظهر من نص الحديث ان المسجد الأقصى قد جاء في المرتبة الثانية بعد المسجد الحرام، قبلة المسلمين التي تتجه اليها افئدتهم في صلواتهم خمس مرات في اليوم الواحد كحد ادنى، وقبل مسجده الذي بناه بيديه مع الذين آمنوا به وبدعوته من المهاجرين والأنصار، والذي تعتبر زيارته ركناً اصيلاً من اركان الحج، الذي يعتبر بدوره ركناً من اركان الإسلام، الأمر الذي يضع كثيراً من علامات الاستفهام على عدم شد الرحال للمسجد الأقصى من قبل حجاج بيت الله الحرام خلال أدائهم لفريضة الحج التي هي ركن من اركان العقيدة..
وعلى ضوء المكانة الفريدة النادرة للمسجد الأقصى كما اكدها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، يعتبره الفلسطينيون دُرةُ تاج قضيتهم ودُرتهم التي ينفردون بها عن غيرهم، وفي هذا المقام تعني الدُرةُ لُغة وفق معاجم اللغة، لا سيما معجم المعاني اكثر من معنى، اذ قدمها معجم اللغة مرة بمعنى اللؤلؤة العظيمة الكبيرة، ومرة اخرى بمعنى الفرادة واليُتم أي الشيء الذي لا مثيل له، كما قدمها في مكان اخر بمعني الشيء الثمين او النفيس الذي لا قيمة بين الأشياء تعادل قيمته.
وتفيد المعاني الواردة اعلاه ان المسجد الأقصى يعني للفلسطينيين والمسلمين قاطبة معاني العظمة، والفرادة، والشيء النفيس النادر والثمين الذي لا مثيل له، والذي لا يمكن التفريط به او ايجاد بدائل له تساويه من حيث ما يمثله من قيمة.
وتأسيساً على ما تقدم وفضلاً عما للقدس والمسجد الاقصى من مكانة دينية واجتماعية وسياسية في فلسطين ولدي الفلسطينيين، تحتل مدينة القدس والمسجد الأقصى مساحة ذات دلالة في الفكر الأمني الفلسطيني موضوع هذه المقالة، لكونهما من المكونات الأصيلة المكونة لمفهوم وعقيدة الأمن القومي الفلسطيني، وذلك سواء في مرحلة النضال من اجل الاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ام في المرحلة التي تلي اعلان قيامها.
ولكونهما من المكونات الأصيلة لمفهوم الأمن القومي، يعتبر المسجد الأقصى ومدينة القدس المحرك الرئيس لصنع وتنفيذ السياسات الفلسطينية قديما وحديثا، أي ما قبل نشأة منظمة التحرير الفلسطينية في ستينات القرن الماضي، أو ما بعد انشائها، وجماعياً، سواء كانت السياسة رسمية صادرة عن الجهات الفلسطينية الرسمية كالمنظمة والسلطة الفلسطينية، ام فردية تخص تنظيما فلسطينياً بعينه، وفوق ذلك كله , سواء كانت تلك السياسة تخص الكل الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، ام تخص فئة دينية او سياسية من فئات الشعب.
الأمر الذي يعني قولاً واحداً انه، لا شرعية وطنية لأي سياسة فلسطينية لا يكون محورها الأساس مدينة القدس والمسجد الأقصى، والأمر الذي يؤكد كذلك ان أي دولة فلسطينية ممكن ان يحصل عليها الفلسطينيين في أي وقت من الأوقات، بدون ان تكون القدس عاصمتها، وبدون سيطرة الدولة على الأماكن المقدسة فيها، لا سيما المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، فلن تتمكن هذه الدولة من تحقيق الاستقرار ومواصلة الصمود والوجود، والأمر الذي يعني كذلك ان مفهوم الامن القومي الفلسطيني سيكون مفهوماً كسيحاً اعرجاً، اذ غابت عنه احد اهم مكوناته وابعاده، الأمر الذي يعني انه سيكون عاجزاً عن الوفاء بالحد الأدنى من واجباته التي جرى الإشارة اليها اعلاه، واخيرا ان خلو مفهوم الامن القومي الفلسطيني من ملك السيادة والإشراف على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، يعني قولاً واحداً حسم اسرائيل الصراع لصالح رؤيتها مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين مرة وللأبد.
وفي هذا السياق قد يقول البعض ان لا جديد في كل ما تقدم، فالقدس والأقصى كانا ولا زالا وسيبقيا مكوناً اصيلاً ثابتا في الفكر والعقيدة الأمنية الفلسطينية، كما ان القدس قد جرى احتلالها من قبل اسرائيل في العام 1967، ومنذ ذلك التاريخ وهي تتعرض للاعتداء والتهويد والانتهاك، بما في ذلك حرق محراب القائد نور الدين زنكي من قبل المتطرف دنيس مايكل روهان في العام 1969، الامر الذي لا يقل فظاعة وجرماً عن الشروع في تركيب بوابات الكترونية وكاميرات ذكية للتحكم في عمليتي الدخول والخروج للمسجد وباحاته، الأمر الذي يجعل من سؤالهم لماذا كل هذه الضجة الآن؟ او ما الجديد المتضمن في هذا الاعتداء؟ سؤالاً مشروعاً ووجيهاً.
في الواقع تتأسس اهمية الأفعال، لاسيما الافعال السياسية، خاصة اذا ما نظر اليها من زاوية الامن القومي، على السياق الذي تجري فيه، فضلاً عن الغايات المرجو تحقيقها من هذه الأفعال، وإذا ما أخذت البيئة الاستراتيجية (المحلية والاقليمية والدولية) لكل من الفلسطينيين، ودولة اسرائيل في هذه اللحظة من الزمن يصبح من السذاجة تجاهل القراءة الفلسطينية لأزمة البوابات سياسياً ودينياً وشعبياً وأمنياً على انها ازمة تهويد وحسم وسيطرة وفرض سيادة دائمة وأبدية على المسجد الأقصى ابتداء، وعلى المساحة الأوسع من الضفة الغربية انتهاء، وذلك وفقاً لمخططات وغايات اسرائيلية معلنة ومعروفة للفلسطينيين منذ فترة ليست قصيرة كانت تنتظر فرصة التنفيذ، وقد وجد القائمون على تنفيذ هذه الخطة فرصتهم في حادثة الشهداء الفحماويون الثلاثة على بوابات الأقصى يوم الجمعة الموافق 14/7 من الشهر الجاري.
ويستدل على جدية وصحة القراءة الفلسطينية اعلاه، من خلال طبيعة الرد الشعبي الفلسطيني وكذلك السياسي على الاجراءات الاسرائيلية، فعلى الصعيد الشعبي، اعاد الفلسطينيون للأذهان مشاهد الانتفاضات الفلسطينية المتعددة ضد الاحتلال الاسرائيلي واعتداءاته، وقد اظهر سكان مدينة القدس في ردودهم انهم حقاً انهم ابطال المرحلة وفرسان المستقبل.
أما على الصعيد السياسي فقد حسمت ردود الرئيس محمود عباس كل اشكال الجدل حول مدى خطورة وجدية الاجراءات الاسرائيلية من خلال قطعه لزيارة رسمية له لجمهورية الصين يوم الجمعة الموافق 21/7/2017، الأمر غير المسبوق في سلوكه السياسي، وعودته لمقر قيادته في مدينة رام الله، وعقد اجتماع قيادي ضم اركان القيادة الفلسطينية بمكوناتها الرسمية والسياسية والأمنية والشعبية والاعلامية والدينية، واعلانه ما تمخض عن هذا اللقاء من قرارات كان ابرزها قطع كل اشكال العلاقات مع اسرائيل بما فيها التنسيق الأمني، موضع الجدل الابرز في الساحة الفلسطينية، اذا ما اوقفت اسرائيل كل اجراءاتها التهويديه في المسجد الأقصى بما فيها ازالة البوابات الالكترونية التي شرعت في تركيبها على بوابات المسجد الأقصى، علاوة على مطالبته الكل الفلسطيني بوقف كل اشكال المماحكات السياسية والاعلامية في اشارة منه لجدية وخطورة ما يحدث الذي بدوره يعلو على كل اشكال المماحكات والمنافسات بين المكونات الفلسطينية المختلفة، وكذلك دعوته المباشرة لحركة حماس بحل لجنتها الادارية كمطلب اساسي لإنهاء الانقسام المستمر منذ العام 2007، ودعوته كذلك للمجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد واقرار ما يتوجب القيام به في الشأن الفلسطيني على ضوء الإجراءات الاسرائيلية الامنية ذات الدلالات السياسية، فضلاً عن الإعلان بأن القيادة الفلسطينية في حالة انعقاد دائم لحين انتهاء الازمة وزوال اسبابها.
وكتعبير اضافي عن جدية ازمة البوابات الالكترونية كان الرئيس قد وجه كلمة ثانية للفلسطينيين ولجهات عدة عربية ودولية بما فيها الاسرائيلية خلال اجتماع القيادة الفلسطينية في مقر الرئاسة بمدينة رام الله يوم الأربعاء الموافق 26/7/2017، كان قد اكد فيها على المواقف السابقة، واشاد كذلك بوحدة الشعب الفلسطيني في رده على الاجراءات الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية لا سيما في المسجد الأقصى.
وكان فجر يوم الخميس الموافق 27/7/2017، قد شهد مهرجاناً احتفالياً للشعب الفلسطيني بالقرب من باب الأسباط، احد بوابات المدينة المقدسة، كتعبير عن انتصارهم على الحكومة الاسرائيلية في معركة الأقصى، اذ اجبرت هذه الحكومة على ازالة ما اقامته من بوابات الكترونية وجسور حديدية، والتي بدورها كانت شرارة انفجار الآزمة.
ولم يكن للفلسطينيين ان ينتصروا في هذه المعركة على دولة اسرائيل، لولم يتمكنوا من امتلاك شروط ومقومات الانتصار، وفي هذا السياق يمكن تقسيم هذه الشروط الى شروطاً ذاتية، وأخرى موضوعية.
وفيما يخص هذه الأخيرة، أي الشروط الموضوعية، فيقيناً ان نقاط القوة الفلسطينية، كانت اكبر واكثر من نقاط ضعفهم على الرغم من وضوح هذه الأخيرة وتعدد معالمها ووفرة القرائن الدالة عليها، خاصة وان التقييم يدور حول القدس والمسجد الأقصى دُرةُ تاج القضية الفلسطينية، الامر الذي مَكن الفلسطينيين من النجاح في توظيف نقاط قوتهم في إخفاء نقاط ضعفهم، في الوقت الذي نجحوا فيه في توظيف نقاط القوة هذه ضد نقاط قوة اعدائهم في هذه المعركة.
وفي هذا السياق يبدو ان فرصً الفلسطينيين على الفوز والانتصار في هذه المعركة كانت اكثر قوة من التهديدات التي واجهتهم رغم خطورتها وتعدد مصادرها الاقليمية والدولية، الامر الذي وضع اعدائهم امام خيارين، اما التراجع وتذوق طعم الخسارة وازالة كل اسباب التوتر، او فقدان فرصة الاندماج التي تقوم عليها استراتيجيتها الحالية في اقليم تدرك مؤسسات اسرائيل الأمنية ان شعوبه ستبقى ترفض رؤية العلم الاسرائيلي يرفرف في عواصم معظم دوله، كما ترفض شعوب هذا الاقليم سماع لغته العبرية في شوارع بلاده، الامر الذي يقينا يعزز من ايمان المؤسسة الأمنية الاسرائيلية بأن المساس الإسرائيلي في مكانة المسجد الأقصى كما قدمه الاعلام الفلسطيني الذي كان احد الجنود الفاعلة والمؤثرة في معركة الأقصى، سيقلص وربما سيفشل للأبد فرصة الاندماج التي تحرص اسرائيل على انجازه رسميا مع العديد من دول المنطقة العربية.
أما فيما يخص الشروط الذاتية فتكمن في الشعب الفلسطيني من جهة، وفي قيادته السياسية والأمنية والتنظيمية والجماهيرية والدينية والاعلامية من جهة أخرى، وفيما يخص الأخيرة أي القيادة بكل مستوياتها لا سيما المستوى السياسي، فقد ثبت ابتداء نجاحها في توظيف الشروط الموضوعية لصالح موقفها، الأمر الذي يعكس كفاءتها وجدارتها، كما اظهرت يوميات المعركة، انها الجهة المسيطرة على كل مستويات القيادة، خاصة المستوى الأمني الذي يفرض عليه القانون اولاً، ومتطلبات القيادة والسيطرة ثانيا الخضوع المطلق للقيادة السياسية، الأمر الذي يعتبر من اهم شروط صحة ونجاعة تطبيقات مفهوم الامن القومي.
وفي هذا الشأن تعتبر القيادة السياسية بشكل خاص احد مكونات معادلة الأمن القومي، اذ اثبتت كل تجارب الأمم والشعوب عبر التاريخ ان كفاءة وجودة سياسية الامن القومي، سواء من حيث دقة وجودة المعلومات التي تجمعها، ام من حيث تقييم هذه المعلومات وتحليلها وقراءتها وتوزيعها وتوظيفها، تعود لجودة وكفاءة القيادة الأمنية المسؤولة عن دورة المعلومات، وكذلك للقيادة السياسية المكلفة دستورياً وقانونياً عن عملية اتخاذ القرارات المصيرية، لا سيما قرارات بدء المعارك ووقفها، اضافة لمسؤوليتها القانونية والأخلاقية والفكرية عن تعريف معنى النصر وتحديد معاييره وشروطه وعلامات قياسه.
كما اثبتت يوميات المعركة، ان القيادة السياسية كانت موحدة ليس فيما بين اركانها، بل بينها وبين باقي مستويات القيادة، والأهم بينها وبين الشعب بكل فئاته ومكوناته، حيث اثبت هذا الأخير مدى فروسيته وبطولته واستعداده للتضحية، وفوق ذلك كله ايمانه بقيادته وحكمتها وصدق وجدية اقوالها وافعالها.
أما فيما يتعلق بمرحلة ما بعد هذه المعركة، فالأمر هنا يخص المستقبل، اذ ان المعركة والانتصار الفلسطيني فيها قد اصبحت من الماضي وتجاربه، ولما كانت اهمية التاريخ تكمن في الحكمة التي حركت احداثه وليس في دقة سردها وتذوق حلاوة طعم النصر فيها، فالقادم من ايام اكثر صعوبة وشدة مما كان، اذ ان المحافظة على المكاسب والبناء عليها اكثر اهمية واشد صعوبة من تحقيق المكاسب ذاتها.
وتكمن صعوبة وشدة القادم من احداث ومعارك فيما تضمنه الموقف الفلسطيني شعبياً من احداث، وتحديداً في شوارع وازقة القدس والمناطق الفلسطينية في العام 1948، ثم في مدن وشوارع الضفة الغربية، وكذلك في شوارع الدول العربية، لا سيما شوارع العاصمة عمان، وكذلك في شوارع ومدن قطاع غزة الذي كانت ردوده باهتة وخجولة مقارنة بما سبق من مناطق.
وفي ما تضمنه الموقف السياسي، اذ برزت شدة وصعوبة القادم فيما تضمنه خطاب السيد الرئيس يوم الجمعة الموافق 21/7/2017، اذ بدى واضحا انه قد وضع كل الاطراف ذات العلاقة في صورة حقيقية مفادها ان الحكومة الاسرائيلية قد قررت عملياً ومن جانب واحد انهاء عملية التسوية وهدم حل الدولتين وفق رؤيتها وذلك من خلال ما اقدمت عليه من اجراءات في المسجد الأقصى في اعقاب حادثة يوم الجمعة الموافق 14/7/2017، وذلك بتواطؤ واضح من الإدارة الامريكية الجديدة، الأمر الذي يفرض على هذه الأخيرة ومعها العالم العربي ان يقرر موقفه بشأن تحول السلطة الفلسطينية الى دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق حل الدولتين، او غيابها وعودة الاحتلال الى ما كان عليه قبل نشأة السلطة في العام 1967، والأهم من موقف كل هذه الأطراف فيما يخص مستقبل السلطة، هو موقف الشعب الفلسطيني بكل اطرافه ومكوناته السياسية.
وعلى ضوء ما تقدم تأمل هذه المقالة دراسة معركة الأقصى وما تضمنته من حِكم وما لها من تداعيات على المستقبل الفلسطيني برمته من قبل الكل الفلسطيني دراسة مسؤولة، للوقوف على شروط الانتصار والبناء عليها، لتعزيز نقاط القوة والفرص التي حققت الانتصار، ومعالجة نقاط الضعف الكامنة في الساحة الفلسطينية وكذلك التهديدات المتضمنة في البيئة الاستراتيجية الفلسطينية وذلك من خلال اثارة نقاش مجتمعي بناء حول ما تضمنه واثاره هذا الجزء من المقالة من أفكار وتساؤلات.
واخير فهذه مجرد مقالة تحليلية استندت في قراءتها وتحليلها للمعركة على ما هو متوفر من معلومات في الاعلام الفلسطيني وغير الفلسطيني، الامر الذي يعني انها قد تصيب وقد تخطأ، وآمل ان يكون نصيبها من الصواب اكثر من نصيبها من الخطأ