الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أكذوبة تحسين الوضع الاقتصادي في ظل الاحتلال

نشر بتاريخ: 08/09/2017 ( آخر تحديث: 08/09/2017 الساعة: 13:23 )

الكاتب: د.مصطفى البرغوثي

لا أظن أن فكرة تحسين الوضع الاقتصادي في ظل الإحتلال تحتاج الى كثير من التفنيد، فهي مناقضة للمنطق الطبيعي، لولا أن هذه المقولة أصبحت المخرج والذريعة لأطراف دولية لتبرير جبنها في مواجهة خروقات إسرائيل للقانون الدولي، أو فشلها في خلق آلية تحقق السلام الحقيقي وتنهي الإحتلال، أو لإخفاء تواطئ بعضها مع مخططات إسرائيل الرامية لتكريس الإحتلال ونظام الأبارتهايد العنصري ولتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
ولا يمكن لأي اقتصادي جاد ان يقنع أحداً بامكانية احداث تطور اقتصادي للشعب الفلسطيني وهو محاصر بستمئة حاجز عسكري، وبمئات المستوطنات وبجدار الفصل العنصري في حين أن معظم الطرق الرئيسية في الضفة الغربية محرمة عليه.
وكيف يمكن للتطور الأقتصادي أن يحدث، وثلث سكان الأراضي المحتلة في قطاع غزة محاصرين منذ أحد عشرعاما ومحرومين من الكهرباء، ومياههم وأجواؤهم ملوثة وثمانون بالمئة من خريجي جامعاتهم عاطلين عن العمل؟
وأي إقتصاد يستطيع ان يتطور عندما يكون سكان الضفة الغربية محرومين من 86% من مصادر مياههم، ومجبرون على شراء الماء ممن يسرقونه ، أي الإسرائيليين، بسعر يماثل ضعف ما يدفعه الإسرائيلي؟
وفي أي بلد يمكن إحداث تطور إقتصادي عندما يكون شعبها وحكومتها غير مسيطرين على تجارتها وصادراتها ووارداتها لأنها محتكرة بيد السلطات الإسرائيلية؟
وكيف يستطيع الإقتصاد الفلسطيني أن يتطور ان كانت إسرائيل تقرر للحكومة الفلسطينية مقدار ضريبة القيمة المضافة التي يجب ان تتوازى مع مقدارها في إسرائيل؟
بل كيف يمكن للحكومة ان تخطط إقتصادها و70% من وارداتها الضريبية أو حوالي 60% من مجمل وارداتها تمر عبر السلطة العسكرية الإسرائيلية التي تستطيع إحتجازها كما تريد، ولأي مدة تريد، ولأي سبب تريد، كما فعلت بواردات حكومة الوحدة الوطنية عام 2007 وقبلها بواردات السلطة الفلسطينية أيام الإنتفاضة الثانية؟
وأي تطور إقتصادي يتحدثون عنه كبديل للحل السياسي، إن كانت 62% من أراضي الضفة الغربية المسماة مناطق (ج ) تخضع لسيطرة المستوطنين ويمنع الفلسطينيون فيها من بناء مدرسة أو روضة أطفال أو عيادة طبية؟
كيف نقنع أهالي جب الذيب، القرية المحاصرة بالمستوطنات في بيت لحم، بأن إقتصادهم سيتطور وهم محرمون من الكهرباء منذ عقود، وعندما تهدم قوات الاحتلال المنشأة الشمسية البسيطة التي أقاموها لتوفير الكهرباء ، وتهدم مدرستهم المتواضعة في أول أيام العام الدراسي؟
وكيف يمكن للإقتصاد الفلسطيني ان يتطور ونحن نعاني من غلاء فاحش وغير مسبوق، ونضطر إلى شراء بضائعنا بأسعار السوق الإسرائيلي، رغم أن معدل دخل الفرد الإسرائيلي يصل الى 38 الف دولار سنويا، في حين لا يتجاوز معدل دخل الفلسطيني ألفي دولارسنويا؟ بل إننا نجبر على دفع ضعف ثمن الكهرباء والماء بالمقارنة مع ما يدفعه الإسرائيلي.
لسنا بحاجة الى عقول ماكينزي وياش كي ندرك إستحالة احداث تطور اقتصادي حقيقي ما دامت الأراضي الفلسطينية مقطعة الأوصال، وحرية الحركة معدومة، وحرية التجارة ملجومة وكل مقومات الحياة من ماء وطاقة وأرض وهواء محكومة بالسيطرة الإسرائيلية المدارة من حكومة يعلن رئيسها ووزراؤها كل يوم، رفضهم لقيام دولة فلسطينية وإصراراهم على الضم والتهويد وتكريس نظام تفرقة واضطهاد عنصري ضد الفلسطينيين.
وكيف يمكن لأقطاب ما يسمى "العالم الحر" و" اقتصاد السوق" و" السوق الحرة" أن يبرروا صمتهم وتعايشهم مع الإجراءات الإسرائيلية التي جعلت من الفلسطينيين أسرى " لسوق مستعبد " بالمعنى الحرفي للكلمة؟
فما هو السر اذاً في الاستمرار بتكرار مقولة "تحسين الوضع الاقتصادي كبديل لحل سياسي ينهي الاحتلال" ؟
أليست هذه وسيلة للهروب من ضرورة إنهاء الاحتلال ومنح الفلسطينيين حريتهم واستقلالهم؟
أم أنها أسلوب رخيص لادعاء انجاز يخفف من حرج مجتمع دولي تعايش مع كذبة "مفاوضات السلام" لستة وعشرين عاما، دون أن تؤدي سوى إلى تكريس الاحتلال وتعميق العنصرية وتغذية دوافع الإنفجار.
أم لعلها وسيلة يعتبرونها ناجحة لتخدير الفلسطينيين، كي تكسب حكومة إسرائيل الوقت اللازم لإنهاء مشروعها الاستيطاني الإستعماري وتدمير ما تبقى من مقومات وامكانيات قيام دولة فلسطينية؟
ولربما كان شعار تحسين الوضع الاقتصادي ، الطٌعم الذي يقدم لبعض الفلسطينيين على أمل أن يحققوا أرباحا شخصية على حساب إقتصاد وحياة شعبهم ، تماما مثل منح بطاقات "VIP" لحفنة من الفلسطينيين كغطاء لحرمان الملايين من حرية الحركة والحق في الوصول الى القدس أو التنقل بين الضفة والقطاع.
الصورة واضحة.
وما من شيء يمكن أن يجمل أو يلطف الألم والمعاناة الناجمة عن الاحتلال ونظام التمييز العنصري، وما من سبيل للخلاص من الألم إلا بإزالة أسبابه.
الشعب الفلسطيني يريد إزالة المرض وليس التعايش مع أعراضه.