الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

المصالحة المؤسساتية والمجتمعية هي مقياس النجاح

نشر بتاريخ: 29/09/2017 ( آخر تحديث: 29/09/2017 الساعة: 23:24 )

الكاتب: د. حسن عبد الله


جيد أن أدركت الأطراف جميعها، أن الوضع على الساحة الفلسطينية، لا يستقيم بمعزل عن مصالحة وطنية، تضع القضية في سياقها الطبيعي، بمعنى أن نوحد جبهتنا الداخلية، وأن نخاطب العالم بلغة واحدة كأصحاب حق يتحملون مسؤولية تاريخية في المضي بقضيتهم قدماً وعلى المحاور كافة، حتى يتأكد للقاصي والداني، أننا جديرون ببرنامجنا وشعاراتنا وتوجهاتنا.
لم نكن بحاجة لنصرف هذه السنوات الثمينة في الانقسام والمهاترات وتصفية الحسابات، قبل أن نكتشف حقيقةً هي معروفة سلفاً، أن الوضع في قطاع غزة، لا يمكن أن يستمر دون تكامل وانسجام مع الضفة، وأن الضفة دون القطاع، تبدو كالإنسان الفاقد لاحدى يديه أو قدميه، أي أنه يتحرك بنصف طاقاته وقدراته ونصف وزنه المادي والمعنوي.
أما وقد اقتنع السياسيون المعنيون بألا مناص من الاتفاق وإتمام المصالحة، فإن التوقيع على وثيقة جديدة والوقوف أمام الكاميرات لالتقاط بعض الصور، لا يكفي إطلاقاً للتأكيد لأنفسنا والآخرين "أننا قد تصالحنا".
فإلى جانب الإتفاق على المستوى القيادي، هناك متطلبات ضرورية يجب تنفيذها، لكي تأخذ المصالحة مداها التطبيقي ولتختبر في ميدان العمل والممارسة ومنها على سبيل المثال:
أولاً. الانضواء تحت لواء استراتيجية واحدة، لها مفاعيلها ومفرداتها ودلالاتها التي تمثل الجميع، والانتهاء من مرحلة الاستراتيجيات المتناحرة، المتصارعة، التي أربكت المواطن الفلسطيني، وأربكت حتى الأصدقاء في الخارج.
ثانياً. وضع حد للاعتقالات والملاحقات السياسية، في الضفة والقطاع، فمن حق المواطن التعبير عن رأيه ومعتقده، سواء انسجم أو لم ينسجم مع حركة حماس في القطاع أو حركة فتح في الضفة، لتوظف الأجهزة ذات الاختصاص امكانياتها في خدمة أمن المواطن والتصدي للعابثين، أما حرية الانتماء والاعتقاد فهي حق لكل مواطن، إذا لم يستخدم هذا الانتماء ضد الوطن ومصلحته.
ثالثاً. الحكومة الواحدة والموحدة هي المسؤولة عن الأمن والاقتصاد والحركة الدبلوماسية، وما دمنا رضينا بالمصالحة واتفقنا على أن نكون تحت سقف إداري وتمثيلي واحد، فيجب أن نساعد الحكومة على تنفيذ برامجها وتوجهاتها، لا أن نتعامل مع ذلك بانتقائية ووفق مصالح حزبية.
رابعاً. على المستوى التعليمي، المفروض أن نتصالح في مستوى المنهاج والتوجهات التربوية، وأن ننأى بطلبتنا عن التعبئة العصبوية وشيطنة الآخر الفلسطيني، والتركيز على لغة الاعتراف بالمختلف معنا والتسامح معه، وأقصد هنا بالطبع المختلف سياسياً وايديولوجياً.
خامساً. لا مصالحة حقيقية، في ظل إعلام فئوي، يتعاطى مع الآخر الفلسطيني بخلفيات وأحقادٍ وتشكيك في المصداقية، بل في وجوده ودوره، فإعلامنا يجب أن يرتقي إلى مستوى مهماته الوطنية الوحدوية، وأن يغادر لغة التخوين والتكفير، إلى لغة القواسم المشتركة والوطن والمستقبل الواحد.
سادساً. من المفروض أن يتم التعبير عن الشراكة في الجامعة والنقابة والنادي والمجلس القروي والبلدي وفي كل التجمعات السكانية، وقبل ذلك ينبغي التعبير عنها في البيت الواحد، لا سيما وأن أسرنا متعددة الإنتماءات، فإذا لم نبدأ بالمصالحة على مستوى البيت والحي، فإن المصالحة ستظل محصورة على المستوى العمودي الفوقي، بعيداً عن المصالحة الأفقية المجتمعية بكل تمفصلاتها وتجلياتها.
تجاربنا السابقة مع اتفاقات المصالحة ومع بيانات تليت في عدد من العواصم، هي مخيبة للآمال، لهذا فإن فتح عهد جديد من المصالحة، يتطلب الخروج فوراً من الصيغ والديباجات الجميلة العاطفية، إلى ميدان التطبيق العلمي، وأقول فوراً لأننا تأخرنا وتأخرنا، فما نتحدث عنه نظرياً الآن، كان يفترض أن يكون قد أُخضع للتنفيذ قبل سنوات، ومن يظن أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت، سيعرض ما تم الاتفاق عليه إلى مقامرات جديدة، نحن في غنى عنها، فالقضية لا تحتمل اختباءً إضافياً في شرنقة الذات الفئوية.

المصالحة أولاً هي مصالحة مع الذات، فلكي يصبح الطرف السياسي متصالحاً ومنسجماً مع نفسه، عليه أن يقرّ بأنه ليس وحيداً على الساحة يصول ويجول دون شريك، كما ينبغي أن يقر ويعترف ويقتنع على المستوى الذاتي، أن الوطن بحاجة إلى طاقات أوسع وأكثر وأعمق مما هو متوافر لدى حزب أو فصيل معين، فالتحديات هي أكبر من قدرات جماعة صغيرة أو كبيرة.