السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ترامب: حلف المأزومين والصبية

نشر بتاريخ: 09/12/2017 ( آخر تحديث: 09/12/2017 الساعة: 10:37 )

الكاتب: عوني المشني

خبراء علم النفس يقولون انه شخص غير سوي، محترفو السياسة يقولون انه مغامر عديم الخبرة وعشوائي، رجال الاعمال يقولون انه جشع ويفتقد لأي قيم متحضرة، علماء الاجتماع يقولون انه عنصري بغيض ويحتقر المرأة والسود والعرب والمسلمين . وفِي النهاية هو رئيس للولايات المتحدة الامريكية . رئيس يتخذ قرار كهذا يشكل دليلا دامغا لا يقبل التأويل على مصداقية ما قاله علماء النفس ومحترفي السياسة وعلماء الاجتماع ورجال الاعمال ، وعندما يتقاطع شخص كهذا مع نتنياهو الذي يبحث عن مخرج يخرجه من المسار الإجباري الذي يسير فيه الى قفص الاتهام بالرشوة والكذب فان التفكير السياسي السليم يغيب تماما ، وباي وسيلة يريد نتنياهو ان يهرب من أزمته فكيف اذا كان نبيذ القدس المعتق يقدمه بفلاة المتطرفين المأفونين في اليمين الاستيطاني ليصلوا الى نشوة النصر الوهمي !!!! وصدق نتنياهو وترامب أنفسهم ان " صبية السياسة " وفق تعبير ديفيد هيرست يستطيعون ان يمرروا قرارا كهذا ، هؤلاء العرب المستعربون المدللون الفاشلون أوهموا المجانين انهم سيركعوا القدس وشعب فلسطين !!!!! وبهذا تشكل حلف المأزومين والصبية .
القرار لا يغير من واقع القدس ولا من واقع انها مدينة محتلة ، ولكنه يغير واكثر مما يتوقع الكثيرون من وضع الولايات المتحدة ودورها وعلاقتها بالإقليم ، ويضيف ازمة اخرى الى أزمات ترامب المتواصلة .
الخطأ الذي وقع فيه نتنياهو عندما اقترب من موضوع الاقصى قبل اشهر واضطر ليتراجع مهزوما امام الهبة الجماهيرية في القدس يقع فيه ترامب الان بالاقتراب من موضوع القدس ، واذا كانت الهبة الحماهيرية في القدس آنذاك ستكون الان في العالمين العربي والإسلامي وبأشكال مختلفة تهدد أمن وسلامة ومصالح الولايات المتحدة ، وستضطر امريكيا للتراجع لا محالة ، هذا ليس من باب الأمنيات بل سيكون نتيجة حتمية خاصة في ظل الاجماع الدولي على ادانة ورفض الموقف الامريكي المتهور .
ما أعلنته امريكيا لا يضيف كثيرا على واقع الظلم التاريخي الذي يتعرض له الفلسطينيين ولكنه يعزل امريكيا عن دورها السياسي في المنطقة اولا ويشكل عامل ضاغط على الأنظمة الحليفة لها ، ويستنهض الحالة الجماهيرية العربية ويعيد فلسطين لموقعها كقضية مركزية في العالمين العربي والإسلامي .
رب ضارة نافعة ، ما قرره ترامب هو انه أشعل نارا ستحرق يديه اولا قبل ان تحرق الفلسطينيين ، وما بين عام ١٩١٧ علم وعد بلفور المشئوم وعلم ٢٠١٧ علم وعد ترامب المجنون مئة عام من تراكم الصمود الفلسطيني والذي سيجعل القرار الامريكي هذا عامل استنهاض للقضية الفلسطينية وإعادتها من حيث الأهمية لتكون محور المفاعيل التي تحكم الحركة السياسية في الإقليم ، وها قد بدأت : بدأت بخروج امريكيا من دورها المستحوذ الوحيد على رعاية عملية السلام ، امريكيا لم تعد كذلك ولم تعد وسيطا مقبولا ، والضغوط التي مورست على الرئيس ابو مازن لقبول الصفقة العبثية " صفقة القرن " لم تعد قائمة ، من ذَا الذي يستطيع ان يضغط الان ؟!!!! ويضغط من اجل ماذا ؟!!!! لقد تحرر الفلسطينيون من هذا الضغط وأصبحوا طرفا ضاغطا وبفعل الحركة الشعبية في العالمين العربي والإسلامي أصبحوا قوة ضغط حقيقية . الذي اصبح تحت الضغط هي الأنظمة الحليفة لامريكيا والمتواطئين معها في هذا القرار ،والذي اصبح تحت الضغط الدولي هو امريكيا حيث اصطف العالم اجمع متعارضا ورافضا لموقفهم . لقد تحدث الصدر في العراق وحسن نصر الله في بيروت واوردغان في انقرة ومن ايران والمغرب وإندونيسيا ومصر والأردن والسعودية والكويت وسوريا وياكستان و..و .. و ....العواصم العربية والإسلامية جميعها تحدثوا بصوت واحد وان اختلفت درجة الحدة ، تحدثوا عن القدس وفلسطين والحقوق الفلسطينية ، توحدوا حول قضية هي الجامع والموحد ومركز الحدث ، وحتى لو كان بعض قليل منهم لا يظهر ما يبطن فانه وتحت ضغط الشارعين العربي والإسلامي سيبقى تحت ضغط الشارع وأسيرا له . هذا لم يكن قبل قرار ترامب الاخرق . لقد اعاد ترامب وحدة الموقف حول فلسطين ، وأعاد مركزية فلسطين قضية العرب والمسلمين وحطم اوهام التطبيع بين اسرائيل وبعض الأنظمة العربية . وربما فهم نتنياهو متاخرا ان المشكلة الاسرائيلية ليست في علاقة الأنظمة مع اسرائيل بل هي مع الرأي العام الشعبي الذي يرفض اسرائيل ولا يحترمها ، نعم هذا صحيح ولكن الصحيح والذي لم يفهمه نتنياهو هو ان هذا الرأي العام هو ما يحكم سياسات الأنظمة وستبقى علاقات اسرائيل مع بعض هذه الأنظمة كعملية الاستنماء التي لا تتم الا سرا وبخجل كبير .