السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

فتح بين حسابات السياسة ومتطلبات التأسيس لإنتفاضة شعبية

نشر بتاريخ: 27/12/2017 ( آخر تحديث: 27/12/2017 الساعة: 11:29 )

الكاتب: محمد حجازي

بدون أدنى شك أن قرار الرئيس ترامب , بإعتبار القدس عاصمة لإسرائيل , ونقل السفارة الأمريكية إليها , أحدث رد فعل هائلة على الصعيد العالمي , تمخض عن ذلك ما شاهدناه في جلسات مجلس الأمن الدولي , و الجمعية العامة للأمم المتحدة حالة الرفض العالمي الرسمي و الشعبي , أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد , بإعتبارها قضية عادلة , حيث كانت المواجهة واضحة ضد قرار ترامب , رغم التهديد و الوعيد بقطع المساعدات , رغم ذلك صوت " 128 " دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة , في تحدي واضح لإدارة ترامب .
شعر الفلسطينيون بأنهم ليسوا وحدهم في المواجهة , حيث شكل القرار الأمريكي صدمة كبيرة لهم , أن تتحول الإدارة الأمريكية من راعي لعملية السلام إلى , إلى تابعا و منفذا لرغبات نتنياهو شيء آخر , وبهذا تكون الإدارة الأمريكية غيرت إستراتيجيتها في المنطقة العربية , وعزلت نفسها عن الرعاية و الوساطة .
بعد قرار ترامب وجدت قيادة السلطة وفصيلها حركة فتح نفسيها أمام سؤال المرحلة " بعد الفشل المراهنة على التسوية و على الرعاية الأمريكية " , إما البقاء و المراوحة في المكان أو التحرك و الإنتقال , إلى مرحلة نضالية , عنوانها التحدي و الدفاع عن مشروعها وقيادتها لشعبها وقبل كل ذلك لملمة شملها .
قرار تشكيل الحركة لجان فتحاوية في كل المناطق الفلسطينية , بحسب مجلسها الثوري هام جدا , لتنظيم التظاهرات ولجعلها أكثر فاعلية , خاصة أننا شاهدنا جزءا هاما من قيادات الحركة في مقدمة التظاهرات , هذا المشهد غاب عن الشارع الفلسطيني في المرحلة السابقة , خروج فتح بهذا الشكل , أولا : يعيدها إلى دورها النضالي و الكفاحي , الذي فقدته إلى حد كبير في المرحلة السابقة , وثانيا : بمثابة الدفاع عن النفس وعن دورها , خاصة و إن إسرائيل تتحدث صراحة و جهارا عن ضرورة إستبدال هذه القيادة بأخرى , وهنا ليس المقصود الرئيس أبو مازن فقط بل رأس فتح و قيادتها الحالية , وهذه إسطوانه مشروخة سمعناها مرارا وتكرارا , ولكن في هذه المرحلة المشهد أشد خطورة .
و أمام مشهد إنتقال فتح إلى الشارع , يطرح أيضا عدة أسئلة , أولها هل حركة فتح تستطيع الإنتقال إلى هذه المرحلة و بكل زخمها , و هل تستطيع قيادة حركة فتح التضحية بكل الإمتيازات التي حصلت عليها , و السؤال الأهم من كل ذلك هو القدرة على التحرك بين المحاور في الإقليم , في سعيها للبحث عن البدائل السياسية على الأرض .
إن صوغ برنامج سياسي جديد لهذه المرحلة الحساسة يقتضي وحدة الحالة الفلسطينية , وتأسيسها على قاعدة الشراكة السياسية في منظمة التحرير , لا وقت لتضيع الوقت , و على حركة حماس أن تعي , أن مشروعها أولا كدولة في قطاع غزة قد إنتهى , و ثانيا برنامجها في المقاومة , وصل إلى طريق مسدود , كما فشل مشروع الرعاية الأمريكية و التسوية , فالعودة إلى الوراء فيما يخص المصالحة , كما أتضح من الكثير من الإشارات التي تصدر عن حركة حماس , و الحديث على فشل المصالحة وبالتالي العود إلى خيار غزة " الدولة " حديث خطير جدا , يعزز الإنقسام و يتساوق مع مخططات الإحتلال بتقسيم الفلسطينيين و التشكيك بتمثيلهم السياسي , وعزل قطاع غزة عن الضفة و مدينة القدس , بل أكثر من ذلك عزل القطاع عن القضية الفلسطينية . ولكن قبل مطالبة حماس وجب على قيادة السلطة إلغاء كل الإجراءات التي إتخذتها صد قطاع غزة .
بالمقابل تحضير حركة فتح نفسها , لقيادة الشارع الفلسطيني نحو إنتفاضة ثالثة على طريقة إنتفاضة 87 , شيء هام يساهم في بلورة رؤية فلسطينية جديدة , عنوانها وحدة الفلسطينيين ووحدة قضيتهم , و يجب التنبه فيما لو ذهبنا إلى إنتفاضة ثالثة , عندها الإحتلال الإسرائيلي لن يقف ساكنا , مدعوما من الإدارة الأمريكية , من المؤكد بأنه سيتخذ إجراءات عقابية متواصلة , تبدأ بسحب ومصادرة عائدات الضرائب , ولا تنتهي بسحب كل بطاقات الشخصيات المهمة , ولكن عندها العالم سيقف على قدم واحدة يساند الفلسطينيين و يدعمهم و أن الجماهير العربية الغارقة في مشاكل المحلية , لن تسكت على تهميش القضية المركزية .
لكل إنتفاضة فرسانها و قادتها المتمرسين في العمل الجماعي , فالعمل الميداني في وجه المحتل هو الذي يوحد الفلسطينيين , وبمقدار إبتعادنا عن المواجهة مع الإحتلال بمقدار ما تفرقنا وكل طرف يبدأ بالبحث عن أجندته الخاصة . ولضمان هذه المعادلة و جب التأكيد على أنه في هذه المرحلة , إن الشكل المناسب لنضالات الفلسطينيين هو ذهابهم إلى إنتفاضة شعبية عارمة غير مسلحة , لضمان إبتعادها عن العمل النخبوي , الذي يسهل على الإحتلال إحتوائه , كما حدث في إنتفاضة 2000 , فبقاء شكل المشاركة الشعبية غير المسلحة هو الأفضل , فهي أقوى سلاح يمتلكه الفلسطينيون في هذه المرحلة , و يجعل من العالم يدعمنا أكثر , و من جهة أخرى وجب على الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة , و في هذه المرحلة الحساسة , وقف إطلاق الصواريخ , لفتح المجال و التركيز على الإنتفاضة , فالحرب على القطاع من الممكن أن تحبط و تجهض الإنتفاضة , الهدف الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه , واخيرا و لإعطاء الإنتفاضة زخما جماهيريا أكبر وهذا ما تفتقده حاليا , و جب التوافق و التنسيق وتشكيل لجان في كل مدينة و قرية و حي , من كل مكونات الحالة الفلسطينية و قبل كل ذلك ضمان السقف السياسي المناسب للإنتفاضة , و أن لايهبط للبحث عن البدائل بعودة الرعاية الأمريكية وفتح مسارا جديدا للتسوية .