الثلاثاء: 30/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجامعات الفلسطينية بين فكر "كونت وابن خلدون"

نشر بتاريخ: 28/02/2018 ( آخر تحديث: 28/02/2018 الساعة: 11:06 )

الكاتب: د. ياسر عبد الله

بين فكر ابن خلدون ونبذه للعصبية والخطر من انهيار الانظمة والمؤسسات التي تعتمد في بنائها، تعيناتها، ترقياتها وابتعاثها على المناطقية "العصبية"، وبين فكر "اوغست كونت" والذي يَنبُذ الفردية ويعتبرها عبثية بقدر ما هي غير أخلاقية، فابن خلدون يُشبِهُ المجتمعَ بجسمِ الانسان المُتكامل والمُترابط، و"كونت" يؤكد حَتمية السعي لتحقيق واجبات الكل من أجل الكل؛ يلتقى المفكرون نحو خدمة المجتمع وحمايته من سعى بعض الافراد من المجتمعات العربية والفلسطينية الى الفردية والعصبية لتثبيت اركان هيمنتهم على كياناتهم، مما يبشر بانهيار الانظمة والمؤسسات وقد كانت تجارب كثير قد شوهدت في الوطن العربي وفي مؤسسات كبيرة انهارت بعد ان توغلت بها الفردية والعصبية.
وتبقى الجامعات العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص مغيبة عن التصنيفات العالمية والدولية للجامعات لاعتبارات كثيرة منها: المناطقية، الحزبية، العشائرية والولاءات للافراد، تلك الاعتبارات التي يعتمد عليها في سياسات التوظيف والترقيات والابتعاث والانتداب، وغياب واضح للرقابة على أداء وجودة مخرجات تلك الجامعات ومواءمتها مع سوق العمل فمستقبل الخريجين من الجامعات الفلسطينية هو البطالة وقد وصلت في بعض القطاعات الى أكثر من 80%، كما هو في خريجيي قطاع التعليم، فلا رقابة، ولا محاسبة سواء على منح التخصصات أو الرقابة على مخرجاتِ الجامعات بعد التخرج، وتَغيب الاجابة عن السؤال: اين مصيرهم؟ واين هم الان؟
وقد بلغ عدد المؤسسات التعليمية بين جامعة وكلية حتى العام 2018 ، 30 مؤسسة تعليمة 13 منها في قطاع غزة و17 في الضفة الغربية وتنقسم الى جامعات خاصة وحكومية وعامة، وهي تخرج افوجاً من الطلبة كل عام دون أي خطط او دراسات لاحتياج سوق العمل. فالقطاع الطبي أصبح خريجو كلياته يعانون من عدم توفر وظائف بالوطن حيث أن هناك كليات تدرس الطب في فلسطين، اضافة الى خريجين من كافة دول العالم والكارثة أن هناك جامعات تطالب بفتح كليات طب فيها وهذا القطاع بدأ يعاني من شح الوظائف وتضخم في اعداد الخريجين، وكافة القطاعات الاخرى ما زالت تعاني من تضخم في اعداد العاطلين عن العمل، فالمواءمة بين مخرجات الجامعات وسوق العمل ليست أولوية لدى تلك الجامعات.
في التصنيفات العالمية للجامعات حتما ستكون الجامعات الفلسطينية خارح تلك التنصيفات وغائبة تماماً، في التصنيفات العربية في مراتب متأخرة نادراً ما تجد جامعة فلسطينية تبحث عن كفاءات علمية لاستقطابها؛ بل تُحارب ان وجدت لانها تهدد بقاء آخرين وجدوا في التعليم الجامعي وفق اجندات ومعادلات مناطقية، عشائرية، حزبية ووفق درجة الولاء، وليس وفق كفاءة او خبرة، والطبيعي ان تجد في معظم الجامعات تنوع نسبي في الهيئات التدريسية حسب المناطق؛ ولكن هناك جامعات تفتقد الى هذا التنوع بل تعتمد بدرجة عالية جدا على موظفين وعاملين من منطقة جغرافية معينة لاسباب اعتقد انها لا تخدم العملية التربوية ولا علاقة لها بالمهنية. فقد تحدث ابن خلدون قبل 612 عام حين قال في مقدمته : "العصبية أو العصبة التي يقصدها ابن خلدون لا تعني مطلق الجماعة وإنما الأفراد الذين تجمع بينهم رابطة الدم أو رابطة الحلف أو الولاء بالإضافة إلى شرط الملازمة بينهم من أجل أن يتم التفاعل الاجتماعي" .. فهل نحن نعيش ايامنا هذه في عصر الولاءات حتى في الجامعات التعليمية ؟؟
اما "كونت" فيفسر حالنا اليوم بقوله:
"إن الوضعية لا تقر حقا آخر غير حق القيام بالواجب ولا تقر واجبا غير واجبات الكل تجاه الكل، لأنها تنطلق دائماً من وجهة نظر اجتماعية ولا يمكن لها أن تقبل بمفهوم الحق الفردي. فكل حق فردي هو عبثي بقدر ما هو غير أخلاقي".
ومن اجل المستقبل المشرق للأجيال القادمة في الوطن العربي بشكل عام وفلسطين بشكل خاص يجب ان يكون هناك منظومة تعليمية تعتمد على مجلس اعلى اكاديمي للجامعات وليس مجلس امناء لافراد لا يعرفون شيئا عن تلك الجامعات ولكن لمجرد انهم مالكون للاسهم او اصحاب نفوذ او مصالح حزبية واخرى ولكن يجب ان يكون لكل الجامعات مجلس اعلى للجامعات حقيقياً وفاعلاً ويملك الكفاءة والصلاحيات في بناء خطط ورسم سياسات وليس نسج علاقات واستقطاب ولاءات لا تخدم الا اصحاب تلك الولاءات وتسهم في تدمير المؤسسة التعليمية بغض النظر عن تخصصاتهم الاكاديمي أو المهنية.
السؤال الذي يعد جوهر هذه المقالة التي تجسد حال الجامعات الفلسطينية وحال المؤسسات الجامعية في فلسطين وفي الوطن العربي: هل اصحاب أو ملاك او مسؤولي تلك المؤسسات لم يسمعوا بالتصنيفات العالمية؟ ولم يعرفوا ان مؤسساتهم تحتل "ذيل" تلك التصنيفات؟؛ هذا ان ظهرت اصلا بالتصنيفات فمعظمها لا تظهر اصلا في تلك التصنيفات. والسؤال الاخر: هل اهالي الطلبة يجهلون مستقبل ابنائهم بعد التخرج من تلك الجامعات وهو البطالة حتماً للغالبية من الخريجين؟ والسؤال الاخير: اين المسؤولين عن الرقابة على تلك المؤسسات؟ التي تُغيِب المواءمة بين المخرجات وسوق العمل، والمؤسسات التي توظف أكاديميين في تخصصات بعيدة عن رؤية ورسالة تلك الجامعة؛ فهل يعقل ان تكون هناك مؤسسة اكاديمية في الوطن العربي نسبة الأكاديميين المتخصصين فيها لا تتجاوز 15% ؟ وان من يدرس ويعلم هؤلاء الطلبة افراد لا علاقة لهم بتخصصات الطلبة.
اعتقد ان مؤسساتنا الجامعية يمكن تصنيفها الى:
• مؤسسات تعتمد الولاءات بدل الكفاءات.
• مؤسسات تعتمد على تحقيق عائد مالي بغض النظر عن جودة التعليم فيها؛ بعضها تفضل حملة شهادة الماجستير على الدكتورة تحت عبارة:
" نستفيد من اثنين من حملة الماجستير مقابل واحد من حملة الدكتوراة ".
• مؤسسات تعتمد على التوظيف المناطقي او الحزبي او العلاقات الشخصية وكذلك الترقيات.
• مؤسسات تسعى الى تعزيز دخلها بغض النظر عن طبيعة الطلبة او مستواهم او هويتهم ولا حتى مصيرهم بعد التخرج.
تبقى الجامعات الفلسطينية تحت المجهر بين فكر ابن خلدون واغست كونت؛ فلا يَعتقد الفرد انهم محترمون من الشعب، ولا يُعتقد ان ممالكهم سوف تدوم، ولا يُعتقد انهم آلِه على الارض، فقد تنبأ ابن خلدون بزوالهم، وقد زال كثيرون قبلهم، وكانت نهايتهم تقشعر لها الابدان، من يعمل من اجل الكل يجد الكل في صفه، ومعه، ومن يعمل من اجل الفرد فحتما ان نهايته سوف تكون فردية كارثية.