الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مطالعة سياسية....

نشر بتاريخ: 27/03/2018 ( آخر تحديث: 27/03/2018 الساعة: 11:49 )

الكاتب: يونس العموري

مطالعة سياسية في ظل انعقاد المجلس الوطني والمشروع الوطني ووقائع المرحلة الراهنة ...

المادة (8) من الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية واضحة وصرحية وتقول بالنص ( اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ هي ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻜﻔﺎح اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻮى اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ هي ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ واﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، وﻋﻠﻰ هذا اﻷﺳﺎس ﻓﺈن الجماهير اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺳﻮاء ﻣﻦ كان ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ أرض اﻟﻮﻃﻦ أو ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻨﻈﻤﺎت وأﻓﺮاد ﺟﺒﻬﺔ وﻃﻨﻴﺔ واﺣﺪة ﺗﻌﻤﻞ ﻻﺳﺘﺮداد ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وتحريرها ﺑﺎﻟﻜﻔﺎح اﻟﻤﺴﻠﺢ.")
بالتالي كانت ولا زالت القوانين الحاكمة للمرحلة بالاساس هي قوانين التحرر الوطني، الا ان السياسة الاحترافية قد سيطرت على المشهد عموما.. وصارت تحاكي وقائع المرحلة بغير قوانينه مما نجم عن ذلك اختلال واضح بالتعاطي ومعطيات وافرازات الصراع وبالتالي متطلبات قوانين ذات المرحلة... وهنا يتصارع فن الممكن سياسيا وفن المستحيل .... وبهذا السياق ووفقا لوقائع المرحلة الراهنة وظروفها التي لا تخفي على احد، حيث الشرذمة الفلسطينية والانقسام وضياع بوصلة الوحدة والتوحد وهلامية منظمة التحرير الفلسطينية، وتغول السلطة الوطنية بمؤسساتها على مؤسسات المنظمة.
جاء قرار القيادة الرسمية لإنعقاد المجلس الوطني بدورته العادية في رام الله ليخلق حالة جدل جديدة .. الأمر الذي اثار الكثير من الحوار والسجال والتساؤل حول جدوى انعقاد المجلس الوطني في ظل كل هذه الصراعات ودون انجاز الحد الأدنى من التوافق على برامج العمل الوطني وترميم العلاقات ما بين فصائل م . ت . ف، وديكتاوتوية الجغرافيا التي بلا ادني شك فارضة لنفسها وهي العامل الموضوعي الذي كان يؤخذ بالحسبان عند التحضير لأي دورة من دورات المجلس الوطني سابقا، والسؤال الكبير هنا هل من شأن انغقاد المجلس برام الله الحتلة ان يفرض على المجلس معطيات جديدة ..؟؟ وهل من الممكن ان تتحكم رام الله عاصمة السلطة الوطنية الفلسطينية بمجريات اعمال المجلس ..؟؟ واعضاء المجلس في الشتات هل من سيصلون الى رام الله ..؟؟ والمقصود هنا كل هؤلاء ( اعضاء المجلس الوطني ) الذين ما زال لهم وجهة نظر متناقضة وافرازات رام الله العاصمة ...
وتجيء هذه الدورة لعدة اهداف لعل اهمها انقاذ البرنامج السياسي الفاشل لمسار القيادة الرسمية الفلسطينية والتي اعترفت بفشله ، حيث ان المسار التسووي ضمن قوانين اللعبة التي كانت سائدة ما بعد مؤتمر مدريد لما يسمى بالسلام وصل الى نهايته وأضحى هذا المسار والمضي به شكلا من اشكال الخروج عن الثوابت والحقوق التاريخية الوطنية للشعب الفلسطيني بل اصبح التمسك بخياراته شكلا من اشكال الخيانة شئنا ام ابينا بصرف النظر عن التوصيف الدقيق لوقائع هذا التمسك بالمسار .. وان كانت الأطروحات حتى اللحظة من قبل مختلف التشكيلات المختلفة للقيادة الرسمية لم تغادر تماما خيارات التسوية السياسة على قاعدة المفاوضات وبأشكال مختلفة وبألوان اخرى من خلال البحث عن وسطاء اخرين ، والذريعة هنا تكمن بفن الممكن سياسيا وتحقيقه .
وما بين فن الممكن وفن المستحيل تكمن الحكاية الفلسطينية بكل فصولها، حيث باتت عبارة فن الممكن وتحقيق الممكن من خلال المسيرة التسووية هي الشغل الشاغل لقادة الرأي والموقف الفلسطيني، وإنجاز وتواصل التهدئة بالشطر الأخر من الوطن من خلال الممكن لترسيخ الحكم العقائدي بقطاع غزة اساس فعل قادة حماس. وسياسات الممكن قد اصبحت هي الأساس في النهج القيادي الفلسطيني على مختلف توجهاتها وكأنهم قادة لأحزاب في دولة ذات سيادة يحترفون العمل السياسي .... وهو الأمر الذي بات مرتبطا بكل تفاصيل المرحلة الحرجة التي بلا شك ان لها الكثير من العناوين لعل ابرزها التصدع في البيت الواحد ( الفصيل الواحد الذي بات منقسم حتى على ذاته وهو الوضاح للعيان ) ..
ومن خلال رصد وقائع الحركة السياسية المعاصرة بكافة مراحلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة نلاحظ ان العمل السياسي بكافة دهاليزه وأطره قد اصبح سياسة لفن الممكن حفاظا على مصالح مراكز القوى المتنفذة على مختلف مستوياتها واشكالها، بل ان العمل السياسي قد تحول وفي معظم الدوائر لفن تحقيق الوصول عبر الموقع التنفيذي أو التشريعي، الى أعلى المرتبات، وتأمين وظائف للأبناء والأقارب، وتحقيق المصالح ذات الطابع الشخصي والفردي، وحتى المصالح التنظميمية الحزبية على ارضية الحسابات الفصائلية ومصالحها اولا. وإهمال القضايا ذات الاتصال المباشر بالجمهور والتي لها علاقة مباشرة بنبض وجوده واستمراره وتوفير مقومات الصمود والانتقال من حالة ردة الفعل الى حالة الفعل والمبادرة على طريق تحقيق تطلعات وطموحات الجماهير الرابضة في ظل الاحتلال.
وهنا لابد من اجراء مراجعة فكرية سياسية لماهية الواقع المعاش بالظرف الراهن، وهل اصبحت سياسات فن الممكن هي حجر الزاوية الاساسي التي تتحكم بمسار العمل الوطني..؟؟ واعتقد اننا بحاجة لإعادة صياغة مفاهيم العمل السياسي الفلسطيني من جديد على قاعدة اعادة توصيف طبيعة المرحلة ذاتها حيث مقولة ان السياسة فن الممكن قد باتت تتردد على السنة الكثير من الأكاديمين الفلسطينين والعرب الذين يحترفون دراسة العلوم السياسية وفقا لنظريات سياسية غربية لها اهداف تطبيقية بعيدة المدى على مستوى المنطقة ككل، تصب في خانة استعمار الشعوب والسيطرة على مقدراتها عن طريق فعل التدجين والتهجين للجماهير واحالتها الى حالة شعبوية مستهلكة لكل ما من شانه ان يخدم اهداف ما وراء نظريات (الممكن) في اطار سياسات فن الممكن، ومحاولة الإيحاء بأن انجاز التغيير المطلوب وانجاز اهداف عملية التحرير وتحقيق سيادة الشعوب على ارضها وتقرير مصائرها واحدة من المستحيلات وبالتالي يتم دقع الشعوب بكافة قواها وفعالياتها الحية نحو العمل السياسي ضمن هوامش فن الممكن تحقيقه من خلال هكذا نظريات مصممة على مقاسات انظمة الحكم المتناغمة ومصالح رعاة المنطقة وبالتالي مشاريعها.
الا ان الحالة الفلسطينية من المفروض انها مختلفة ولا اساس لنظريات سياسات فن الممكن في اجندة التعاطي السياسي والقضية الفلسطينية ذاتها، على اعتبار انها قضية تخضع لمنطق الصراع بين الظالم والمظلوم، ما بين الاحتلال والجماهير الفلسطينية التي أبدعت وأبتدعت كل أشكال الفعل والفعل المقاوم، وكانت ان أطرت ذاتها في بوتقة الفعل الكفاحي من خلال انجاز الإطار الثوري الذي اعتمد النظرية الثورية ذات الطابع النضالي كأسلوب للتصدي لسياسات الاحتلال ومحاولته طمس هوية الحضارية العروبية، وبالتالي اعتمد على فنون العمل الثوري والذي ما كان يوصف بفن المستحيل. وما بين فن الممكن وفن المستحيل خضعت فصول الحكاية الفلسطينية للشد والجذب. والمستحيل هنا ليس المقصود به استحالة تحقيق اهداف الشعوب بل انها عملية تغيير شاقة للواقع السيء المُعاش، حيث ان انطلاق العمل الثوري واعلان حالة العصيان وبكافة السبل والوسائل الممكنة والمتاحة في وجه الاحتلال وسياساته يعتبر الطريق الوحيد التي على الشعوب السير فيه ومن خلاله، والا فإن مصيره سيكون ضياع هويته وطمس معالم وجوده الانسانية والحضارية.
وغالبا ما يكون الظالم (الاحتلال) ذا قوة مادية جبارة وغالبا ما يكون المظلوم (المُحتل) ضعيف الحال المادي وحيث ذلك فإن عبارة السياسة فن الممكن تعطي المظلوم جرعة من الجبن والتخاذل كي يكسر إرادته للظالم ويستسلم له، لكن إذا ما حسبنا الإمكانيات الروحية للمظلوم فنجد أنها هائلة لأن إحساسه بالظلم له رد فعل عكسي حسب القانون الثالث لنيوتن (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه) أي أن المظلوم يملك بحسب القانون المذكور طاقة روحية (تتحول إلى طاقة مادية) تعادل طاقة الظالم القوي الجبار.
إن عبارة السياسة فن الممكن!!؟؟ قامت عليها كل الاتفاقيات السياسية للأمة من اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل إلى اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وأخيرا صناعة وصياغة التهدئة بقطاع غزة. وما خفي لربما يكون الأعظم ....
وبالعودة لسياسة الحسابات الدقيقة في مفاهيم فن الممكن وتحقيق الانجازات من وراءها وفن المستحيل وتحقيق المُراد من خلاله نلاحظ ان حزب الله مثلا واجه إسرائيل في الحرب السادسة 2006 وخاض معها حربا مدتها ثلاث وثلاثين يوما كسر فيها شوكة الجيش الدفاع الذي لا يقهر الذي كان يدوس على بطون عشرين جيشا عربيا متخصصين في قمع مواطنيهم بالأساس. حينها لم يحسب حزب الله فن الممكن ولو حسبها لاستسلم ولن يلمه أحد، وكذلك عبد الناصر عام 1956 لو حسب فن الممكن لما أمم قناة السويس وواجه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وسطر ملحمة تاريخية بدماء أبطال بورسعيد وأبطال الشعب المصري، كذلك لم يحسب ياسر عرفات فن الممكن عندما واجه الجيش الإسرائيلي المنتصر قبل عام في معركة الكرامة عام 1968 حيث انهزم الجيش الإسرائيلي. ولم يحسب كذلك فن الممكن في مفاوضات كامب ديفيد حينما قال اللا بحضرة سيد البيت الأبيض ورفض اطروحات التسوية السياسية.
مرة اخرى اعتقد ان الحالة فلسطينية بحاجة الى ثورة على وقائع وتفاصيل سياسات فن الممكن الراهنة التي باتت مسيطرة على العقل القيادي الفلسطيني وفلسفته اتجاه مختلف قضايانا الأساسية والجوهرية وبهذا السياق لابد من اعادة تموضع جديدة لفن الثورة والمقاومة ونبذ قوانين احتراف العمل السياسي ودهاليزه التي اصبحت تثقل كاهل قضيتنا وتحملها ما لا يمكن احتماله كالإلتزام بقوانين العمل السياسي الدبلوماسي واصوله.
إن عبارة (السياسة فن الممكن) هي جزء من سياسات القوى الاستعمارية لضمان الخنوع والاستكانة لأجندتها في سبيل انجاز التخاذل والاستسلام . واطفاء جذوة المقاومة بكافة اشكالها.
من هنا ومن خلال هذه المطالعة اعتقد ان المجلس الوطني وهو المشرعن للنظرية النضالية الفلسطينية ولقوانين الحالة الراهنة اذا كان لابد له من الانعقاد فلابد ان ينعقد اولا بعيدا عن رام الله عاصمة السلطة الوطنية الفلسطينية وثانيا لابد له ان يعمل على انجاز برامجه التوافقية ما بين الكل الوطني في أتون الإنخراط بالعملية الكفاحية ضد الاحتلال، ولابد له ان يدرك ان لا انتخابات لبرلمان الثورة الفلسطينية ( منظمة التحرير ) اذا ما اعترفنا اننا ما زلنا نعايش مرحلة التحرر الوطني من خلال الثورة والمقاومة، وهنا تصبح عمليات فرز القيادة الناظمة للعملية النضالية وفقا للتشريعات والمفاهيم الناظمة للمسار الوطني ما يصدر عن مقرارات المجلس الوطني. حيث ان المجلس الوطني ما هو الاحالة توافقية اتفاقية للجبهة الوطنية في اطار المنظمة تتشكل من الكل، فصائل واتحادات ومؤسسات وقوى شعبية ومكونات جماهيرية ونقابية وفعاليات وشخصيات عامة وعاملة على مختلف ساحات التواجد الفلسطيني وايضا لابد من الادراك ان التنظيمات والفصائل الفلسطينية المنخرطة في اطار المجلس الوطني لا تشكل ما مقادره نصف اعضاء المجلس وربما أقل. والمسألة هنا ليست مسألة تامين النصاب القانوني لإنعقاد المجلس، اذا لابد من توفير النصاب التوافقي الوطني بعيدا عن الحسابات العددية للنصاب القانوني، فكيف من الممكن انعقاد المجلس في ظل مقاطعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مثلا ..؟؟ او الفعاليات والشخصيات الوطنية المستقلة الفاعلة ..؟؟ واين هي حالة التوافق التي من المفروض تقديمها لجلسات المجلس كنتيجة طبيعية للتوافق الوطني سياسيا او حتى على الهيئات القيادية كما جرت العادة والتي اصبحت من اعراف وتقاليد المجلس الوطني عموما ...؟؟