السبت: 25/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مرة أخرى السجال حول بلدية القدس!!..

نشر بتاريخ: 09/04/2018 ( آخر تحديث: 10/04/2018 الساعة: 11:53 )

الكاتب: يونس العموري

كثيرة هي الدعوات التي تتكاثر وتحاول ان تمارس اجتهادها لدعم المشاركة العربية في انتخابات بلدية القدس، بذريعة التأثير المباشر على الخارطة الإنتخابية في القدس للمجلس البلدي الإسرائيلي. وكانت ان انطلقت دعوات سابقة بضرورة تشكيل (بلدية القدس الفلسطينية) وهي الأخرى كانت ان سميت دعوة اجتهادية للتأثير في مسار العملية الإنتخابية البلدية في القدس. وكانت اخر هذه الدعوات ما صدر من خلال مقال نشره رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق، ابراهام بورغ، حول الدعوة الى خوض الإنتخابات لبلدية "القدس" ضمن قائمة يهودية - عربية برئاسة عضو الكنيست العربي د.أحمد الطيبي (الذي رفض بشدة وحزم هذه الفكرة واكد ان القدس محتلة- التحرير ).
الا ان هذه الدعوات تثير العديد من الإشكالات والسجالات حولها وحول مواقيتها وطبيعة توجهاتها وخفايا وخبايا منطلقاتها، في ظل الاعتراف الامريكي بالقدس الموحدة كعاصمة لدولة الاحتلال وما يُثار عن الخطوط العريضة لماهية صفقة القرن وملامحها، الأمر الذي يحمل في طياته الكثير من التساؤلات لعل ابرزها حول فعل هكذا بلدية في ظل الاحتلال، او فيما يخص امكانية فعل بلدية القدس العربية ذاتها في ظل وقائع القدس وتداعيات قضاياها..
من المعلوم والمعروف حقيقة الظرف الواقعي المعاش في القدس ولا اعتقد ان الاعلان عن بلدية عربية بالشكل النظري من الممكن ان يسهم في خلق وقائع جديدة على الأرض في المدينة... او الدخول بشكل مباشر وبالشراكة الفعلية مع المجلس البلدي الإسرائيلي الإحتلالي له الحد الأدني من التأثير ....هذا من جانب اما من الجانب الأخر فلابد من الإشارة الى ان مسألة البلدية والخدمات البلدية في الفهم القانوني والسياسي والمسألة السيادية هي مسألة خدماتية بإمتياز قد تُمنح من قبل سلطات الاحتلال للأقاليم المُحتلة ولا علاقة بممارسة الفعل والعمل البلدي بمفهوم السيادة ذاته، الأمر الذي يعني ان الخدمات البلدية وتقديمها لسكان المدينة ليس له علاقة بالسيطرة الفعلية على الأرض والانسان، بل ان تجربة الاحتلال الإسرائيلي في القدس كانت قد حاولت العمل على خلق اشكال بلدية محلية للإحياء العربية في المدينة وربطها ببلدية الاحتلال على شكل لجان تطوير الأحياء، واتاحة الفرصة للسكان بإدارة شوؤنهم الحياتية فيما يخص الأمور البلدية. بل ان احد أهم مرتكزات الرؤى الإسرائيلية للحلول المقترحة للقدس يقوم على اساس خلق شكل من الأشكال البلدية للإحياء العربية في القدس يقوم بإدارة الشان الحياتي اليومي فقط لا غير. ان هذه الدعوات المنطلقة من العديد من الشخصيات وربما ايضا من بعض من تسمي انفسها مؤسسات مقدسية مخطئة بالتوجه اولا، حيث ان الدعوة لتأسيس بلدية فلسطينية او الشراكة في البلدية الإسرائيلية وممارسة العملية الإقتراعية، قد اغفلت العديد من القضايا والأساسيات بالمشهد المقدسي الوطني وعلى رأسها الأتي:
• اغفال حقيقة أمانة القدس القائمة بالفعل كإطار وطني مقدسي قائم ما قبل الاحتلال ومازال قائما بالشكل الفعلي ويتم التعاطي مع هذا الإطار عربيا ودوليا.... كشكل من اشكال رفض وقائع الاحتلال الجديدة في القدس ما بعد العام 67، حيث كان من الضروري الإبقاء على التشكيلة العربية الوطنية الفلسطينية لبدلية القدس والمتمثلة بإمانة القدس.
• استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية والحقوق المشروعة للمواطنين المقدسيين، فكل ما تم ويتم استحداثه بالمناطق المحتلة يعتبر باطلا وعلى هذا الأساس كان من الضروري بمكان ان يتم الحفاظ على إطار امانة القدس لا العمل على خلق جسم جديد في ظل الاحتلال من الممكن ان يخدم توجهات الاحتلال ذاتها.
• ان قضية القدس قضية سياسية سيادية بإمتياز ، وإن القدس منطقة محتلة تسري عليها اتفاقية جنيف الرابعة، ولا يحق لسلطات الاحتلال بموجبها اتخاذ أية إجراءات تؤدي إلى تغيير وضعها القانوني، أو طبيعتها الجغرافية أو تركيبتها الديمغرافية، ومن حق سكانها النضال في سبيل قضيتهم الوطنية ومن واجبات الاحتلال تنظيم حياتهم المدنية وتسيير أحوالهم المعيشية وفقا لمتطلباتهم الحياتية على الأساس القانوني الدولي. وكونهم جزء لا يتجزء من الفسيفساء الفلسطينية المحتلة فبالتالي يسري عليهم ما يسري على باقي الأقاليم المحتلة وبالتالي فأنهم يخضعون لممثليهم في الإطار السياسي والوطني، وفي الحالة الفلسطينية فإن سكان القدس يخضعون لمقرارات منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في كافة اماكن تواجده وبالتالي هم جزء من منظومة مؤسسات منظمة التحرير ولا يجوز ابتداع اشكال واطر جديدة لتثميلهم او ادارة شؤونهم الحياتية... على اعتبار ان منظمة التحرير ما زالت هي من تنطق بأسم جموع الشعب الفلسطيني ومن ضمنها كما اسلفنا مواطني القدس.
• ان مواجهة السياسات الاحتلالية في القدس لا يتطلب خلق الجسم البلدي للقدس بل يتطلب الإنخراط في الإطار الوطني الجامع والفاعل وذلك من خلال برمجة الفعل الوطني المقدسي ذاته وفقا للأجندة الوطنية المقدسية وهذا يتطلب معرفة متطلبات القدس اولا والعمل على خلق برامج قادرة على استيعاب الحالة المقدسية من خلال صناعة السياسات القادرة على مواجهة ومجابهة سلطات الاحتلال وبرامجها التي سعت لتغيير معالم المدينة وتهجير أهلها منها، والاستيلاء على أراضي سكانها وأملاكهم، وتنفيذها لسلسلة مكثفة ومتتالية من الإجراءات العنصرية الهادفة إلى إحداث تغيير نهائي وشامل في وضع المدينة. وهو الأمر الذي يعني ضرورة استنهاض الحركة الوطنية المقدسية من جديد وتفعيل المؤسسات التي اعتقد انها تعاني من ممارسات ومطاردات سلطات الاحتلال ومن إهمال قد يكون مبرمج ممن يمسكون اليوم بدفة العمل السياسي الفلسطيني. ان ما ورد ويرد بهكذا دعوات انما يشير وبوضوح الى الحالة المقدسية الراهنة، واعتقد ان المهمات المقدسية لا يمكن ان يضطلع بها الجسم البلدي المُشار اليه..
وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها وحقيقة امورها فلابد من القول ان هذه المهمات لا بد من ان تضطلع بها الحركة الوطنية جمعاء من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، وفي هذا السياق فلا اعتقد ان بمقدور الجسم البلدي العربي الفلسطيني العتيد التصدي للمهام الوطنية برمتها في القدس. بذات السياق يطلع علينا كل يوم من يحدثنا عن القدس وعن توصيف حالة القدس وتداعيات القضايا المقدسية خاصة في ظل ذكرى مرور اربعون عاما ونيف على الاحتلال، والأدهى من ذلك كله ان صُناع القرار الوطني الفلسطيني الرسمي قد تحولوا الى باحثين اكاديمين يجيدون الحديث عن وقائع القدس في الإطار النظري ويقدمون الإقتراحات والخطط التنظيرية وكفى المؤمنين شر القتال.... فمن مسؤول الى زعيم يشارك في مؤتمر هنا او بمقالة هناك يجتهد بتوصيف حالة القدس فيها وحتى يتمظمهر بمظهر الشفاف يصرخ بالعجز والتقصير الممارس بحق القدس وقضاياها وهو بلا شك ركنا من اركان العجز والتقصير والإهمال. 
مرة اخرى اعتقد ان المطلوب للقدس اليوم يتعدى الدعوات النظرية الشكل ومن الضروري الإنتقال الى الشكل العملاني الفعلي للقدس وذلك عبر تنفيذ البرامج القادرة على استيعاب المرحلة بكل انعكاساتها وتداعياتها على القدس وقضاياها وهذا يتطلب: 
اولا: لم شمل الحركة الوطنية الفلسطينية في القدس.
ثانيا: ترسيخ مفاهيم القدس العربية العاصمة الوحيدة والأبدية للفلسطينين.
ثالثا:تحييد القدس من كل اشكال الصراعات السلطوية في المشهد الفلسطيني.
رابعا: المباشرة بخلق وقائع جديدة على الآرض وذلك عبر برمجة فرض الأمر الواقع فلسطينيا في القدس. 
خامسا: اعادة الإعتبار لوثيقة العهد والشرف للقدس لتكون وثيقة فلسطينية عربية قادرة على خلق الحالة الإستقطابية الشعبية والرسمية العربية والإنسانية من حولها.