الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل ستؤسس مسيرات العودة في ميادين المقاومة الشعبية إلى انتفاضة ثالثة؟

نشر بتاريخ: 11/04/2018 ( آخر تحديث: 11/04/2018 الساعة: 13:46 )

الكاتب: شامخ بدرة

هل ستؤسس مسيرات العودة في ميادين المقاومة الشعبية إلى انتفاضة ثالثة (1-2)
باحث في دراسات السلام والصراع


لقد كان لمسيرات العودة التي انطلقت في ميادين المقاومة الشعبية في غزة انعكاسات وإنجازات هامة على كافة المستويات المحلية والعربية والعالمية والاسئلة التي تطرح نفسها الآن إلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه المسيرات والفعاليات المتنوعة ؟ وماهي العوامل التي ساعدت على نجاحها؟ وما الجديد في هذه الانطلاقة والاستراتيجية؟ وبماذا تختلف عن سابقاتها؟ وما العوامل التي ستساعد على استمرارها؟ هل ستؤسس مسيرات العودة في ميادين المقاومة الشعبية في قطاع غزة الى انتفاضة ثالثة بأساليب ابداعية جديدة.
سأحاول خلال هذا التحليل مناقشة بعض استراتيجيات المقاومة "اللاعنفية" الشعبية التي تم استخدامها, آخذا في عين الاعتبار الربط بين النظرية والتطبيق ومحاولا الإجابة على هذه التساؤلات, فالتحليل في "الجزء الأول" سيكون مقتصرا على أساليب المقاومة الشعبية كوسائل للنضال أما فيما يتعلق بالأهداف وبعض الأبعاد التي يجب أخذها بعين الاعتبار سيكون في "الجزء الثاني" حيث سأحاول تسليط الضوء على بعض أشكال القصور في الهبة الشعبية خاصة استمرار الانقسام السياسي وتأثيره على مواصلة الهبة الشعبية, بالإضافة أيضا سيكون التركيز على البعد السياسي وسبل استثمار هذه الهبة الشعبية وهذه الاساليب النضالية من أجل تحقيق أهداف نضال الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال وتقرير المصير، في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على كامل الأراضي التي احتلت عام 67، وضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وعلى رأسها حق العودة طبقا للقرار 194. وسبل الحفاظ على طابعها الشعبي والجماهيري ومنع عسكرتها وعدم حرفها عن مسارها والحيلولة دون استثمارها لتحقيق بعض المكاسب الحزبية أو إجهاضها في تحقيق بعض المطالب الإنسانية.
وبالتركيز على البعد المتعلق باستراتيجية وأساليب المقاومة الشعبية المستخدمة في مسيرات العودة فمن الواضح بأن هناك عوامل في غاية الأهمية تم أخذها بعين الاعتبار عند تنظيم مسيرة العودة الكبرى وميادين المقاومة الشعبية والتي يمكن البناء عليها من أجل المساهمة في الانتقال من هبة شعبية مرتبطة بظرف معين الى التخطيط الاستراتيجي لانتفاضة ثالثة و برؤية سياسية واضحة, فالخطط التي استخدمت في مسيرة العودة في إعادة تفعيل المقاومة الشعبية والتي أرست قواعد جديدة في العمل الكفاحي والشعبي ساهمت في التغلب على العقبات التي واجهت هذا الشكل الهام من النضال الوطني ومن هنا يجب تحليلها بشكل موضوعي ويمكن تلخيصها كالآتي:
اولا: التخطيط للحشد الشعبي الواسع بعشرات الآلاف في ميادين المقاومة الشعبية:
لقد نجحت قيادة المسيرة في تعبئة وتوحيد الجماهير والناشطين والنقابات والقوى والفعاليات الشعبية والشبابية للمشاركة الفاعلة والواسعة في الاحتجاجات والمسيرات والمظاهرات والتجمعات التي انطلقت في ميادين المقاومة الشعبية أو مخيمات العودة كما يطلق عليها حاليا.
وقد لفتت هذه المسيرات أنظار العالم والحركات الدولية ولازالت التحركات تتفاعل بشكل متسارع وقبل الوصول الى ذروة مسيرة العودة الكبرى يوم الذكرى المئوية ال 70 للنكبة.
إن المشاركة الجماهيرية الواسعة تذكرنا بالثورات الشعبية " الربيع العربي" في تونس ومصر حيث كانت المشاركة الضخمة بمئات الآلاف عاملا هاما في النجاح لمثل هذه الاحتجاجات.
لقد نجحت الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة الكبرى في استثمار ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من مارس آذار ذكرى يوم الأرض الخالد كموعد لانطلاق فعاليات مسيرة العودة وصولا للذكرى السنوية الـ 70 للنكبة وهو مناسبة هامة و عاملا رئيسيا في التخطيط من أجل الحشد الجماهيري الواسع في المسيرات الكبرى التي يكون التحضير فيها بمشاركة مئات الآلاف في جميع ميادين المقاومة الشعبية.
وقد وجهت الهيئة العليا لمسيرة العودة كافة الطاقات الوطنية إلى ميادين المقاومة الشعبية الخمسة كمراكز ونقاط لإطلاق هذه المسيرات نحو الحدود في قطاع غزة عدا عن تجسيد الوحدة الوطنية في الميدان وفي المظاهرات وهو أمرا في غاية الأهمية.
ثانيا: الاستفادة من تراكم التجربة الفلسطينية وحتى العالمية في المقاومة الشعبية.
من الواضح هنا أن قيادة مسيرات العودة وميادين المقاومة الشعبية استفادت من تراكم التجربة الفلسطينية وحتى العالمية في المقاومة الشعبية , حيث كان للمقاومة الشعبية الدور البارز والحاسم في المنعطفات التاريخية وللشعب الفلسطيني تجربة غنية يجب الاستفادة منها, حيث مارس الشعب الفلسطیني تاریخیا كل أشكال النضال الشعبي والجماھیري ضد الاستعمار البريطاني والاحتلال الإسرائيلي , بدءاً من الإضراب العام الكبیر عام 1936 وھو الإضراب الأطول في تاريخ البشرية الحدیث , وهبة مارس التي أسقطت مشروع توطين اللاجئين في سيناء بقيادة معين بسيسو والذي يعتبر أحد رموز المقاومة الشعبية في فلسطين كشاعر تقدمي محرضا على التمرد في وجه الظلم وقائد جماهيري ميداني زاوج بين النظرية والتطبيق , حيث كانت القوى الامبريالية في تلك المرحلة تراهن على تصفية القضية الفلسطينية بعد احتلال الأرض في محاولة منها استكمال المؤامرة وإنهاء قضية اللاجئين وتوطينهم في سيناء بدلا من العودة أوطانهم لكن هبة مارس الشعبية أسقطت المؤامرة.
كذلك كان للانتفاضة الاولى عام 1987 والتي تجلت بھا أرقى اشكال واساليب المقاومة الشعبیة , حيث لم تقتصر المشاركة على على فئة ما او مجموعات بعینھا بل شارك بھا كافة فئات الشعب الفلسطیني وصولا الى الانتفاضة الثانية " انتفاضة الاقصى. وبالتالي فإن التجربة الفلسطينية الرائعة هي عاملا مهما يمكن الاستفادة منه لتطوير أساليب المقاومة الشعبية وهو عامل بارز في المساهمة لتأسيس استراتيجية جديدة نحو انتفاضة ثالثة .
ثالثا : ما الجديد في هذه الانطلاقة والاستراتيجية؟ وبماذا تختلف عن سابقاتها؟
هناك عاملا آخر وبعدا هاما في المعادلة , فقد أرست هذه المسيرة قواعد جديدة للمقاومة الشعبية في قطاع غزة.
حيث بات واضحا وبدون أدنى شك بأن هناك بعض الحلول للعقبات التي كانت تواجه المقاومة الشعبية في غزة حيث تعتبر المنطقة العازلة في غزة واحدة من أصعب العقبات التي تواجه الفلسطينيين من أجل تفعيل المقاومة غير العنيفة في قطاع غزة نظرا لخطورتها والسيطرة العسكرية الاسرائيلية الكاملة عليها والتي فرضها الاحتلال الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية لمنع الفلسطينيين من المواجهة المباشرة , حيث صادرت وجرفت الأراضي الزراعية وحرمت الآلاف من المزارعين من رعاية أراضيهم الزراعية.
على سبيل المثال ومن واقع تجربتي الشخصية في هذا المجال، عندما شاركت في بعض الاحتجاجات التي نظمت ضد المنطقة العازلة والاحتلال الإسرائيلي، أذكر أنه واجهتنا العديد من الصعوبات حيث كنا نواجه نحن ورفاق الدرب والمتظاهرين واجهنا أخطارا حقيقية فكنا نسير لمسافات طويلة في طرق وعرة ، الأمر الذي الذي كان يحول دون تمكن سيارات الإسعاف من الدخول والوصول إلى نقاط المواجهة.
وأذكر أيضا كيف قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أحد رفاقنا وهو الشهيد احمد سليمان ديب في إحدى المسيرات ولم نتمكن من إنقاذه فقط لأن سيارة الإسعاف لم تستطع الوصول في الوقت المطلوب لإنقاذ حياته بسبب الطرق الوعرة ا وعلاوة على ذلك، فإن الاحتلال الإسرائيلي كان يطلق النار على كل من يتحرك أو يسير في المنطقة العازلة. كل هذه الظروف تعيق قدرة الفلسطينيين على الاستمرار في مقاومتهم الشعبية.
وبالتالي، كان من الأهمية بمكان بالنسبة للفلسطينيين وضع خطط السلامة من أجل التغلب على كل هذه العقبات الموجودة أمام ممارسة المقاومة اللاعنفية، وخاصة في قطاع غزة. لقد كانت المشاركة الشعبية على الحدود مرهقة فلم يكن يتوفر الإمكانات اللازمة , وبالتالي فالمتظاهرين كان يمكن لهم المشاركة لساعات قليلة في هذة المناطق المعزولة ومن ثم ينتهي الأمر خلال يوم واحد. فلم يكن يتوفر إمكانيات للدعم والمساندة بالشكل المطلوب في مثل هذه المناطق الحدودية الصعبة والوعرة حيث كانت المسيرات تنظم لاحياء مناسبات وتنتهي بانتهاء المناسبة الوطنية , أما اليوم فمن الواضح أن الامر مختلف تماما عن سابقاتها , فالتخطيط وتدارس الأمور بشكل معمق وتوفير الإمكانيات اللازمة لتشيد ميادين المقاومة الشعبية أو ما أطلق عليه مخيمات العودة والتي جهزت بكافة المستلزمات فهي اماكن يمكن من خلالها تزويد المتظاهرين بالامكانات اللازمة
هي عوامل هامة جدا للدعم والمساندة وقد أرست قواعد جدية وهامة لتفعيل و استمرارية وفعالية المقاومة الشعبية.
وضع خطط للطوارئ:
ونظرا للصعوبات والمخاطر في المنطقة العازلة، فقد تم وضع خطط للطوارئ ووجود فرق مستعدة لتقديم الإسعافات الأولية وتوثيق العنف خلال المواجهات.
رابعا : ماهية ميادين المقاومة الشعبية أو مخيمات العودة:
لقد بادرت الأطر الطلابية والشبابية "وهو عامل آخر يؤكد على تواصل الاجيال الثائرة المتمسكة بحقوق شعبها الفلسطيني عدا عن المشاركة الميدانية الواسعة لهذا الجيل من الشباب" بدراسة الواقع وبناء استراتيجية وطنية لضمان استمرار الانتفاضة الشعبية وقد بدأت الاطر الشبابية والطلابية التخطيط له لتفعيل المقاومة الشعبية في فلسطين وإيجاد الحلول للعقبات التي تواجه هذا الشكل من المقاومة حيث طرحت مبادرتها والمتمثلة بإنشاء ميادين المقاومة الشعبية كمراكز ونقاط مركزية لانطلاق التظاهرات ضخمة على الحدود الشمالية والشرقية للقطاع وقد كانت الخطة كالتالي :
• إنشاء وتدشين ميادين للمقاومة الشعبية والجماهيرية قريبا من نقاط التماس على الحدود الشرقية والشمالية , بحيث تكون ملاذا آمنا للمتظاهرين باعتبارها ميادين تنطلق منها واليها الانشطة والمسيرات والفعاليات الوطنية .
• استصلاح الطريق المؤدي الى نقاط التماس لتسهيل وصول سيارات الإسعاف لنجدة المصابين , وانشاء السواتر الرملية لحماية المتظاهرين من القناصة الإسرائيليين , وتشجير المنطقة للحد من القدرة البصرية لجنود الاحتلال .
• إنشاء خيمة اعتصام دائمة على أطراف المنطقة العازلة ..
• تزويد المنطقة بالمياه من خلال تمديد خط ناقل للمياه من اقرب بئر .
• تزويد المنطقة بمياه الشرب من خلال توفير خزانات مياه كبيرة بلاستيكية , تمهيدا لبناء خزان مياه ضخم " حاووز" .
وقد دعمت القوى الوطنية هذه الأفكار وأثرتها واختارت الوقت المناسب وركزت على أن تكون هذة الميادين رمزا ليس فقط للمقاومة الشعبية بل بالقضية المركزية لشعبنا الفلسطيني وهي قضية العودة للاجئين الفلسطينيين وهنا قامت القوى الوطنية والاسلامية بتلبية الدعوة التي وجهتها لجنة الإشراف على ميادين المقاومة الشعبية لتفعيل العمل الشعبي والجماهيري في مواجهة المحتل ودعمت مبادرتهم والبدء بخطوات عملية على الأرض في المناطق الحدودية وربطها بالمدن القريبة من المنطقة العازلة على طول الشريط الحدودي لقطاع غزة والتي تؤسس لتظاهرات ضخمة على الحدود الشمالية والشرقية للقطاع .
حيث أعلنت القوى الوطنية والاسلامية عن الثلاثين من مارس آذار ذكرى يوم الأرض الخالد , يوما للعودة ووجهت كافة الطاقات الوطنية ومكونات المجتمع لإطلاق مسيرات العودة الكبرى نحو الحدود الزائلة لقطاع غزة وفي كافة ميادين المقاومة الشعبية شرقا وشمالا.
وأخيرا: يمكن القول بأن قيادة الحركة الوطنية في المراحل الاولى لمسيرة العودة استطاعت تقديم صورة مميزة في التخطيط والحشد والتعاون وتوفير الإمكانيات والتغلب على العقبات التي تواجه الحركة الوطنية في ممارسة مقاومة شعبية فعالة في قطاع غزة وإطلاق العنان للشباب المبدع وللجماهير لتقول كلمتها وهو العامل الأهم هنا وتجسيد الوحدة الوطنية على الأرض وتوفير ملاذا وميادين للمقاومة تتوفر فيه كل الإمكانيات لمواصلة هذا الشكل من النضال. فهذه الأبعاد يمكن أن تكون رافعة نحو تطوير هذه الهبة والانتقال نحو انتفاضة ثالثة برؤية سياسية مشتركة.
ومن الأهمية بمكان هنا هو تقييم ومتابعة الهبة الشعبية في مراحلها الاولى بشكل دوري في محاولة لتعزيز نقاط القوة ومعالجة بعض الجوانب التي يمكن أن تطرأ في الميادين وتوعية الجماهير بماهية هذه الهبة وأهدافها ومن الضرورة أن يكون التقييم ارتباطا بالتجربة الفلسطينية الطويلة بموضوعية وتحليل التحديات التي تواجه الفلسطينيين لتفعيل هذا الشكل من المقاومة من خلال عقد الاجتماعات والندوات السياسية والنقاشات المعمقة بعيدا عن الحزبية بين مختلف مكونات الحركة الوطنية والشعبية والطلابية. وتنظيم المؤتمرات الدولية واستضافة الخبراء وقادة الفصائل الفلسطينية من أجل دراسة أساليب النضال وفقا لما حققت هذه من نجاحات وإخفاقات لقضيتهم