الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

البقاء: استراتيجية الحركة الوطنية

نشر بتاريخ: 11/04/2018 ( آخر تحديث: 11/04/2018 الساعة: 17:42 )

الكاتب: تحسين يقين

ولو عنونت المقال ب"نظرات في الفكر السياسي الفلسطيني"، لما ابتعدنا قليل عن المضمون؛ لعل لفظة النظرات تتيح المجال للتفكير غير الأحادي، حيث أن محصلة النظرات تؤدي غالبا الى الانتقاء والاختيار الذكي.
ربما لا يحتاج القراء إلى التذكير بأن التفكير السياسي يعدّ من أصعب أنواع التفكير، كون من يود البحث فيه غالبا ما يعتمد على المعلومات التي على السطح المنظور، وفي عالم السياسة فإن المخفي هو الأكثر أهمية.
يزداد وضع الفلسطيني صعوبة، كون عملية التفكير هذه تخص شعبه ونفسه بينهم، تحت الاحتلال، مما يعني ضرورة الجدية والمسؤولية في التفكير.
مر أسبوعان على المؤتمر السنوي لمركز الأبحاث، وكلما حاولت الكتابة، وجدت نفسي وجها لوجه مع التفكير السياسي، ولما كان تقييم المراحل السابقة، بل والحالية للحركة الوطنية، إنما تتم ضمن سياقها التاريخي، اعتمادا على الممكنات والظروف التي سادت، فإننا هنا سنجد أنفسنا باحثين عن الخلاص أكثر منه بحثا كي ننقد الماضي والحاضر.
وحتى يكون التفكير السياسي مثمرا، لا بد من أمرين معا:
- أن يكون التفكير جادا مادحا ولا قادحا ولا ثأريا.
- وأن يقوم الساسة بالاطلاع عليه وتوظيفه في الفعل السياسي.
بعض الرموز والدلالات:
الزمان: 21/آذار ذكرى معركة الكرامة.
المكان: المقاطعة، عرين الرئيس عرفات الذي يرقد قريبا منا..
وعرين أخيه الرئيس أبو مازن، الذي نادى بإحياء مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير.
إن مركز الأبحاث العريق، التابع لمنظمة التحرير، هو مركز الدراسات الاستراتيجية للمنظمة والسلطة الوطنية، كذلك للدولة القادمة؛ من هنا، فإن قرار إعادة تأسيسه يعني ما نقول، وعليه، فإننا نسعد هنا بأن يتم فعلا تجاوز أي ارتجال سياسي، مما يعني أننا اليوم بحاجة لإعمال عقولنا، وإيجاد وسيلة تعاون فكرية بين الوطنيين المهتمين بالبحث السياسي، كونه وسيلة خلاص جمعي.
ثمة آمال نعلقها إذن ليس على المركز، خصوصا أن تأمل كلمة رئيس مجلس الإدارة دكتور محمد اشتية يمكن أن توحي بما نزعمه، أو بالأحرى بما نأمله؛ فقد نحا اشتية منحى وصفيا تاريخيا ونقديا، للماضي والحاضر، وصولا لنقد النظم السياسية.
وفّر لنا المؤتمر فرصة فريدة في تجميع الساسة والكتاب، باعتبارهم مكونات النظام السياسي للتعرف على اتجاهاته، بهدف التأكيد على التنوير المهم والمؤسس للتحرر والإرادة.
هنا نتذكر أن التاريخ علم، لكن فهمه وتحليه علم آخر، وهذا لا يعني إلا التفكير، وعدم القبول لا بالمسلمات ولا بإطلاق الأحكام المنحازة وغير الموضوعية؛ لعلنا نأمل أن يشكل المركز مختبر أفكار إبداعية وعملية واستراتيجية في آن واحد لخدمة صانع القرار في طريقنا معا نحو التحرر.
ترى ما الذي يمكن استخلاصه من أفكار واتجاهات؟
- البقاء!
- البقاء؟
- نعم، لأن ما يحتاجه شعبنا اليوم هو البقاء على هذه الأرض الجميلة التي هي الوطن والمكان والطبيعة والبيئة، والوجود في أرقى تجلياته. بل إن وجودنا هنا سيكون فعلا وجودا إبداعيا، ينهي الاحتلال؛ فلا استغراب وقطرات الماء المتدفقة نقطة نقطة تزيح الصخور. هذا ما تحدث به موصينا به الأخ محمد بركة، القادم من أعظم بقاء وطني لفلسطينيي عام 1948.
- "حجر على حجر"..
- أو "عشب على حجر"؛ جعله شاعرنا من شروط استحقاق الحياة.
في حديث محمد بركة، ما يمكن أن يكون أسلوب انتصار الإنسان الفلسطيني على العنصرية، ف"العالم لا يتخيل نوعين من المواطنة"، ما يعني أن العنصرية إلى زوال مهما طالت.
في فلسفة البقاء التي آمن بها قادة كبار نقدرهم، كما آمن فطريا بها آباؤنا وأمهاتنا، أجدادنا وجداتنا، والنتيجة أننا بقينا هنا.
ومن لوازم البقاء، أن نعود فقط لنرى ونقيم ماذا صنعت بنا التحولات بما فيها من نظام اقتصادي، أين نجحنا وأين أخفقنا، باعتبار اننا نراجع استراتيجيات الحركة الوطنية الحديثة والمعاصرة، حيث أن الاقتصاد هنا سيظل مفتاح مهما للصمود، من خلال العدالة ولو النسبية، بعيدا عن ثقافة الاستهلاك وسلبيات السوق المفتوح لشعب تحت الاحتلال.
فما دمنا متفقين على تمكين البقاء، فإن له اشتراطات، حتى لا يصير الانشغال بتأمين الحاجات اليومية على حساب مشاريعنا وخططنا الاستراتيجية في التحرر والتنوير والتنمية الحقيقية المعتمدة على الذات.
وكل ما ذكرنا هو طريق المحافظة على الهوية!
لذلك أعتبر أن ما ذكره الأخ عماد شقور عن الاقتصاد والتعليم والصحة والمجتمع، إنما ينمّ عن وعي وانتماء وقراءة استراتيجية ذكية تسير ببطء لكن بثبات.
لو تأملنا لوجدنا أن مركز الأبحاث شكل رمزا فكريا للمقاومة، وقد سبق في إنشائه الكثير من مراكز الأبحاث العربية والدولية، تلك ميزة وتقليد مهم لنبني عليه، ليتنادى الباحثون في التفكير في كل ما يقوي بقاءنا.
في مراجعة الأخطاء، فإن أهم نتيجة نستخلصها هي تجنب تكرار الأخطاء؛ فإذا وجدنا عذرا لأخطاء الماضي فيصعب ايجاد مبررات لاخطاء الان.
لقد أغرى التعرض لأخطاء الماضي -بالرغم من فهمها في سياقها- المشاركين لنقد النظام السياسي الحالي إيحاء في اليوم الأول، ثم ما لبثوا أن امتلكوا الجرأة فصار النقد مباشرا.
ولعل وجود الرئاسة كحاضنة لهكذا مؤتمر وطني نقدي، يعني التفاؤل بالمستقبل؛ حيث لا يظل الساسة المرجع الوحيد للقرار.
هل هي سعة صدر السياسي الفلسطيني؟
ربما، وهذا جميل ووطني يدعم حضور توهج القضية الأكثر نبلا..
أما دولة الاحتلال، فهي تنجح مؤقتا في فعل تطور جيني يقوم على "موضعة نفسها" لذاتها مستفيدة من خبراتها في توظيف الأزمات من ناحية ومن تشرذمنا من ناحية اخرى.
لقد خرجنا من المؤتمر بأسئلة أكثر من أجوبة، مثل:
متى كان أفضل وقت للحديث عن الدولة الواحدة؟
لم لم تهتم الحركة الوطنية قبل عام 1948بإقامة الدولة؟
كيف نجح بذلك بنجوريون؟
ما الفرق بين 14/5/1948 و15/5/1948؟
أما السؤال الأكثر وجعا فهو: لماذا تحول اختلافنا السياسي إلى نزاع في أكثر من مرحلة تاريخية وصولا إلى الآن؟
ثمة أمل في البحث والفكر والوطن والإنسان؛ من ذلك، اختيار مركز الأبحاث المكان والزمان، لدلاتهما الوطنية والنضالية، وتكريم الرواد الأوائل.

[email protected]