الإثنين: 20/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ترنيمة في الوعي 3.. "بلد بدها حرق" القول والعقل

نشر بتاريخ: 06/05/2018 ( آخر تحديث: 06/05/2018 الساعة: 09:50 )

الكاتب: عبدالله زماري

بلد بدها حرق.. شعب تعبان، إنسى بالآخر فلسطيني.. فش اشي بهالبلد زابط.. مستاهلين كل اللي بصير فينا.. وعبارات كثيرة ممائلة في الدلالة درجت على ألسن كثير من المواطنين الفلسطينيين عبر سنوات، تقود كلها الى تعميم السلبية حول المجتمع والبلد، وتقود ايضا الى ترسيخ النظرة التشاؤمية، وتمكين الاحباط في الوعي الفردي، والجماعي _وهو الاخطر_ على حد سواء. يؤدي هذا (غالبا) الى توقع الاسوأ كخيارٍ تلقائي، مع استبعاد حصول ما هو جيد، استصغارا لكل ما هو ايجابيّ، بل وايضا اعتبار كل ما يجري هنا من ضغط وتراجع وتردي امراً عادياً (فنحن بنستاهل كل اللي بصير فينا)، وهكذا يتشكل جزء من وعينا وتتلاشى لدينا الرغبة والقدرة معا، على التغيّر والتغيير لأنه (فش اشي بهالبلد بزبط).
تشكيل الوعي والاغتراب
ان وعيا تشكّل في ظل المدخلات اعلاه تحت سماء تردٍ فعليٍّ في كثير من الجوانب من حياتنا كشعب فلسطيني لهو أمر خطير، وعندما نقول ان هناك تردٍّ فعلي فنحن لا نناقض انفسنا هنا، لأن هناك فرق بين تشخيص التردي مع محاولات لايجاد حلول بعد الإحاطة بالاسباب، والاستسلام اللاواعي لهذا التردي واصطباغه في انماط تفكيرنا بصبغة المصير المحتوم الذي لا يرد. إن العبارات اعلاه وما شابهها من مفردات وعبارات، معنىً ودلاله، مع اخذنا عامليّ الزمن والتكرار ستقود الى حالة من الاغتراب، فيكفي ان نعلم ان اغلب المرات التي يقول بها الشخص احدى هذه العبارات او غيرها فانه في قرارة نفسه، يقصد ان ينأى بنفسه عن هذه التوصيفات، ومن المؤكد انه لا يشمل نفسه (في قرارتها) ضمن هذه الدلالات السلبية، وهنا حالة اغتراب عن المجتمع او على الاقل فردانية في ردات الفعل والتي احد مظاهرها النأي بالنفس جانبا فأنا ان نأوت بنفسي هنا فانا ابرّئها من اقتراف السلبية، واعفيها من المساهمة في الحل او على الاقل البحث عن حل لمصلحة المجموع، فالمجموع متردٍّ وقد أكون الناجي الوحيد. وهل هناك اغتراب اوضح دلالة من هذا.
ماذا نفعل
لسنا بحاجة ربما إلى اطالة الوصف والتشخيص، فإن اي مختصٍّ او مهتمٍ، قد يصل لهذه النتيجة حول التأثير التراكمي لهذه العبارات ودلالاتها، خاصة دارسي علم النفس وعلم الاجتماع وما يرتبط بهما من علوم، ومع ان التشخيص الدقيق هو اولى مراحل العلاج ولكن بالطبع ليس التشخيص هنا هو الأمر الاهم، بل العلاج هو ما يحتاج للنصيب الاكبر من الجهد والوقت والمشاركة.
وفي زاوية ماذا نفعل لا بد ايضا من التطرق الى (من سيفعل؟) كيف سنحارب الاغتراب البادية ملامحه في مجتمعنا الفلسطيني، وكيف سنعيد صياغة وعي وطني ( ولا اقصد هنا فقط وعيا سياسيا) بل وعيا فلسطينيا بان ما يجري من تراجع هو بسبب غياب هذا الوعي، وربما ندخل بجدلية من يقود منهما الى الاخر، حسناً، يبدو هنا انها علاقة تبادلية بنظام الفعل ورد الفعل، ولكن لا بد من نقطة بداية، بداية من تشخيص أوسع واكثر دقة وخوض في التفاصيل فأنا لا أدعي ان بمقدوري القيام بذلك، يحتاج هذا ربما الى سلسلة ورشات عمل (جادّة) ومؤتمر خاص، تتدخل فيه اطراف عديدة من مختصين نفسيين واجتماعيين وخبراء تخطيط واعلام ومستشارين تربويين وممثلين عن الحكومة والتنظيمات مع اهمية بالغه لممثلين عن التنظيمات لانني مصرٌّ انها تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عما يحدث في الوطن. هذا المؤتمر لا بد ان يناقش الاغتراب الموجود في اوساط الفلسطينيين، الشباب منهم خاصّة، مع صياغة خطة وطنية لمواجهة ذلك، لان اغتراب المواطن يبعده عن الانتاج، والحماس للتغير، وربما نرى جميعا حجم الرغبة بالهجرة لدى الشباب وهم محقون بهذه الرغبة من منظور اسبابهم الخاصة، وهنا مرة اخرى لا بد من معالجة هذه الاسباب او بعضها على الاقل. نعلم جميعا ان واقعنا ليس بخير، والمستقبل ليس واضحاً، وهناك تردي في اركان كثيرة، والضغوط لا تتناقص مع الوقت، ولكن هل هذا يعني اليأس؟ هل يعني عدم محاولة اتخاذ اي فعل قد يساهم على الاقل في عدم ازدياد التدهور، وزيادة القدرة على الصمود والمواجهة؟
اخيرا، فإنني كشخص ذو خبرة متواضعة في البحث والكتابة لا أدعي انني هنا علّقت الجرس، ولكن على الاقل أرى ان هناك ضرورة ملحّة لتعليق جرس في مكان ما، فالخطر يتعاظم مع الوقت.