الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مقاربة مختلفة نحو الوحدة والنهوض الوطني الشامل

نشر بتاريخ: 07/05/2018 ( آخر تحديث: 07/05/2018 الساعة: 17:03 )

الكاتب: جمال زقوت

يجري في هذه الأيام تسريبات حول إمكانية توجه حماس لاجمال هدنة طويلة الأمد مع الاحتلال الاسرائيلي.... لسان حال هذه التسريبات والمواقف وكأنه يقول "حاولنا مع السلطة ومش ماشية "،....."كما أن لسان حال فتح سيقول "ألم نقل لكم !،..."، ولكن بماذا سينفع ذاك بعد خراب مالطا.... 
في الواقع أن حماس، ورغم الحروب الثلاثة التي شنتها اسرائيل، كانت طوال الوقت ومنذ استلامها الحكومة بعد انتخابات 2006، وبعدها السيطرة العسكرية على الحكم بعد ما عرف بالانقلاب أو ما تسميه هي بالحسم العسكري، فقد ظلت حماس ملتزمة بهدنة هشة ومجانية مع اسرائيل، وقد احتفظت اسرائيل لنفسها دوماً باليد العليا في هذه الهدنة المحصورة في غزة، وفي الجهة المقابلة التزمت السلطة الوطنية طوال الوقت بما يعرف بالتنسيق الأمني، رغم تحلل اسرائيل من واجباتها والتزاماتها المتصلة بعدم دخول واجتياح المدن و "المناطق المسماة أ"، واحتفظت أيضاً ومنذ 28 سبتمبر 2000 لنفسها بالحق في الاجتياح والإعتقال والمداهمات وخلال السنوات الاخيرة بالقتل دون مبرر على الحواجز، أي أن المعادلة القائمة في الضفة هي أيضاً أكثر من هدنة مفتوحة ومجانية وهشة و إسرائيل اليد العليا تماماٌ فيها . ناهيك عن الأبعاد السياسية التي تحكم "كلا الهدنتين".
السؤال الذي يطرح نفسه حول أسباب انهيار مباحثات الوحدة و انهاء الانقسام ، و المتمثّلة بما يمكن تعريفه التخوف من احتمالات ازدواجية السلطة في غزة ، سيما في موضوع الأمن و السلاح ، و مفهوم الشراكة الوطنية في تحمل المسؤولية و واجباتها .شخصياً يمكن ، و كمواطن عاش مرحلة ازدواجية هذه السلطة في قطاع غزة قبل و عشية الانقلاب و حسم ما تسميه حماس " الحسم العسكري " لازدواجية السلطة بالقوة المسلحة لصالح سلطتها الموجودة حتى الآن ، رغم التزامها العملي و من طرف واحد بالهدنة الهشة القائمة. 
وهنا يقفز للذهن طبيعة التعامل من قبل الطرفين بوضع وتعميق العوائق للتغلب على معضلة ليس فقط مخاطر ازدواجية السلطة، بل وازدواجية المعايير القائمة على التشدد الكبير في العلاقة البينية بين كل من حماس و السلطة و حزبها "فتح" ، و التراخي الأكبر في علاقة كل منهما في هذه القضية بالذات مع سلطة وحكومة الاحتلال، والتي وصلت حد " يا بتشيلوا يا بنشيل" والتي تكثف مفهوم حسم وحدانية السلطة و مسؤولياتها و واجباتها الداخلية دون التطرق لعلاقتها بالاحتلال و طبيعة إدارة الصراع بما في ذلك أية هدنة نريد و كيف يمكن وضع حد لمجانيتها و احتفاظ اسرائيل بتجزئتها و الحصول على أرباح صافية ليس فقط أمنية بل و سياسية و في مقدمتها تفتيت السياسة و الجغرافيا الفلسطينية ، و بما يرسخ تفتيت الحقوق و تذويب الهوية الوطنية و استحقاقاتها.
وهنا لا بد من الإشارة بوضوح للتناقض الذي يمارسه الطرفان فحماس ما زالت غير جاهزة أو مستعدة بشكل جوهري لتقديم تنازلات داخلية في هذا الملف رغم إشارات قيادتها للاستعداد النظري لذلك تحت عناوين الشراكة في إدارة و استخدام السلاح أو إمكانية تحول قوتها العسكرية لنواة جيش وطني تحت قيادة م ت ف. أي الشراكة التامة في القرار السياسي مقابل الأمني ، على أهمية ذلك و الذي يأتي في سياق محاولات إظهار الرغبة لانهاء الانقسام ، و ربما في إطار التحولات التي ما زالت جارية وغير مكتملة و مفتوحة نحو جميع الاحتمالات ازء متطلبات الانتقال من الاخوانية نحو الوطنية الفلسطينية ؟ و قد يبدو ذلك محقاً، لحين خروج حماس و الإشارة لاستعدادها لاجمال هدنة طويلة الأمد مع اسرائيل . ذات الشئ ينطبق على السلطة و حركة فتح التي تريد حسم ازدواجية السلطة بالسيطرة على السلاح تحت مسؤليتها دون أن توضح كيف ستعمل على تغيير معادلات الهدنة المجانية و الهشة في غزة و طبيعة التنسيق الأمني في الضفة الغربية.هذا بالاضافة إلى أن معادلة "يا بتشيلوا يا بنشيل "هي معادلة إقصائية صفرية تتناقض ليس فقط مع كل الاتفاقات الداخلية ، بل و تتعارض مع متطلبات و ضرورات بناء الوحدة الوطنية في مؤسسات وطنية جامعة في إطار السلطة و المنظمة كوننا شعب ما زال يرزح تحت الاحتلال و أمامه تحديات وطنية بل و وجودية لمخططات التصفية الامريكية و الاسرائيلية لحقوقه الوطنية التي أقرتها الشرعية الدولية. ناهيك عن الاعتقاد الخاطئ بأن أزمة حماس قد تدفعها للانصياع نحو مثل هذه الشروط المستحيلة بالتسليم الكامل لمطلب السلطة هذا ، ذلك كله بالاضافة إلى أن تلك المعادلة تحمل في طياتها دفع قطاع غزة بعيداً الامر الذي يشكل ضربة قاصمة للوطنية الفلسطينية و ليس للمشروع الوطني و حسب.
أمام هذا الواقع المعرض لمزيد من التمزق فإن العمل الوطني المخلص و الجدي لصون و حماية شرعية الحقوق و تمكين الشعب و تعزيز قدرته علي الصمود الميداني و السياسي، و الذي بدونهما يصبح لامعنى أو قيمة لأي شرعية أو تمكين على صعيد المنظمة و السلطة.
إن المرحلة الراهنة تستدعي و تفرض على جميع الأطراف مقاربة مختلفة لبلورة حل موضوعي و وطني لمعضلة احتمالية و مخاطر ازدواجية السلطة غير مقاربة "يا بتشيلو ا يا بنشيل" و التي لن تنقلنا سوى لتكريس الانقسام نحو الانفصال التام بين غزة و الضفة ، بما يعنيه ذلك من تدمير للمشروع الوطني ، بل و تفتيت الوطنية الفلسطينة و حقوق شعبنا. هذه المقاربة تبدأ بمبدأ الشراكة الوطنية بديلاً عن الازدواجية والاقصاء و الإنفراد و التفرد من أي جهة كانت.ان هذا يتطلب، و في ظل الاجماع المتكون حول أهمية المقاومة الشعبية بطابعها السلمي خاصة على حدود غزة كما هي، و إن كانت محدودة و موسمية في القدس و سائر أرجاء الضفة الغربية ، ضرورة توفير الحاضنة السياسة لها و صون سلميتها من أي انحراف لفعالياتها نحو العنف أو التخلي الرسمي عنها أو التجيير الفئوي لإنجازاتها .و التقدم وفق هذه الاستراتيجية للبحث الوطني نحو مقاربة هدنة شاملة مسقوفة بزمن محدد و بمحددات و مطالب و شروط فلسطينية جوهرها وضع حد لهشاشتها و لِيَد اسرائيل العليا و الطويلة فوقها، و بما يشمل رفع الحصار كلياً عن قطاع غزة و وقف كل أشكال السلوك العدواني ضد شعبنا و أرضه و ممتلكاته و مقدساته في كل من القطاع و الضفة بما فيها القدس الشرقية، و الطلب من الشقيقة مصر و الاتحاد الأوروبي و الامم المتحدة التحرك لرعاية هذا الجهد، و في نفس الوقت البدء بحوار وطني استراتيجي للبناء على هذه القاعدة لبلورة خطة وطنية و مبادرة سياسية مسنودة ببرنامج الاجماع الوطني لعام 1988 برنامج العودة و تقرير المصير و إقامة دولة فلسطين المستقلة على كامل حدود 1967و مسنودة كذلك بتوفير متطلبات النهوض الشعبي على أساس المقاومة السلمية الشاملة و توفير مقومات الصمود الميداني لها من خلال حكومة وحدة وطنية ، و الصمود السياسي عبر تكريس هذه الوحدة في إطار م ت ف،من خلال مجلس توحيدي جديد قبل نهاية هذا العام ، و لحين ذلك من خلال إطار قيادي مؤقت يضم جميع القوى و التيارات و الشخصيات المستقلة الفاعلة وليس الديكورية الموالية و اللاهثة وراء جانبي التخندق و المصالح الذاتية الضيقة.