الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

المفاوضات الاسرائيلية وسيلة لترويض الفلسطينيين

نشر بتاريخ: 08/07/2018 ( آخر تحديث: 08/07/2018 الساعة: 17:58 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

الفلسفة الصهيونية في التفاوض من اجل التفاوض او التفاوض المفتوح بدون سقف زمني ليست سرا وهي التي زرع بذورها شامير علنا في اليوم الذي خرج فيه من دائرة الحكم سنة 1992. هذه الفلسفة اثمرت بعد ذلك سُماً كان اول ضحاياه رابين بسبب موافقته على فترة انتقالية كونها محددة زمنيا بخمس سنوات كانت ستفضي الى قيام دولة فلسطينية كانت بقيامها ستضع حدا لهذه الفلسفة واطماعها التي لا حصر لها والتي هي بحاجة الى زمن غير محدد من اجل انجاز هذه الاطماع التي تبدأ في ترويض الفلسطينيين كونهم اصحاب الارض المسروقة التي قامت عليها اسرائيل وذلك بالقتل والتطهير العرقي اضافة للسَجن وهدم البيوت واخيرا التجويع بالسطو على اموال ضرائبهم.
كل ذلك بتناقض كامل مع المفهوم الحقيقي للمفاوضات الوسيلة الحضارية التي يتبناها البشر لانهاء النزاعات بينهم ولكن بتساوق كامل مع المفهوم الصهيوني للمفاوضات والذي يبدو انه اصبح يطغى على المفهوم الاسرائيلي للمفاوضات وبكافة اطيافه بحيث تم استخدامها بخداع وعلى مدار اكثر من عقدين من الزمن كوسيلة حاول بواسطتها السارق ترويض المسروق حتى يقبل بما يقره السارق.
الفلسطينيون هم اصحاب الارض التي قامت عليها اسرائيل ولكنهم ولسوء حظ الاسرائيليين ما زالوا يعيشون عليها ولم يندثروا كما الهنود الحمر وهذا كان جل امل الصهاينة منذ اليوم الذي جاؤوا فيه مهاجرين الى هذه الارض الذين ادعوا زورا وبهتانا انها بلا شعب بالرغم من كل الشواهد الحضارية والثقافية التي تثبت عكس ذلك وفعلوا كل ما يمكنهم من اجل ازالة اثار وجود الفلسطينيين بتطهيرهم عرقيا بداية بمخطط دالت والنكبة في سنة 1948 وحتى يومنا هذا في الخان الاحمر.
الا ان اصرار الشعب الفلسطيني على الصمود وعلى حقه في البقاء على ارضه التي ربطها الله له بعقد ميلاد المسيح عليه السلام والتي اثبتت وبعد عقود من البحث الصهيوني المضني والحفريات فوق الارض وتحتها اثبتت انها خالية من اي اثر للادعاءات والمزاعم الصهيونية بالرغم من استخدامهم لاحدث وسائل التكنولوجيا التي تمكن العالم بواسطتها من التوصل لحقائق تعود لملايين السنين، حيث لا يعقل لهيكل مزعوم بالمواصفات المزعومة ان يتبخر دونما اثر.
هذا الاصرار الفلسطيني مضاف اليه هذا الفشل التوراتي الصهيوني كان سببا في ان الحركة الصهيونية وجدت في ترويض الفلسطينيين ضالتها كبديل من اجل تحقيق الاطماع التي قامت من اجلها هذه الحركة وهي السيطرة على هذه المنطقة التي تعتبر قلب العالم بجيوسياسيتها وثرائها هذه الاطماع تقاطعت ايجابا مع حماية تكفلت بها الحركة الصهيونية للمصالح الغربية ومستفيدين جميعهم غربا وصهاينة من تخلف وقصر نظر سياسي عربي يبدو انه مزمن كان اخيره الدعوة لتبادل السفارات بالرغم من انها دعوة مناقضة تماما ليس فقط لمبادرة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز التي اصبحت مبادرة العرب والمسلمين ولكنها على نقيض كامل لما كان يؤمن به الراحل الشهيد الملك فيصل الذي قال في حديث متلفز ما زلت احتفظ به "لو ان العرب جميعهم وافقوا على الاعتراف بوجود اسرائيل لن ندخل معهم بهذا الاتفاق".
القصد من هذا الطرح الجديد القديم هو بمثابة انذار لايقاذ ضمير العالم الذي ما زال يغط في سبات عميق ازاء كل هذه المعاناة الانسانية التي طال امدها لكل من يعيش على هذه الارض المقدسة، معاناة مستمرة ومنذ اللحظة التي قامت فيها اسرائيل والتي لا يُرى في افقها ان لم تتوقف غير الفناء لكل من يعيش على هذه الارض من يهود ومسيحيين ومسلمين. الدعوة لوقف المعاناة من المفروض ان تلقى لها صدى ايجابيا بعد ان اثبت الفلسطينيون انهم عصيون على الترويض كونهم خيول اصيلة ومهما كانت المعاناة ومهما طال الزمن الذي اثبت لكل من يرى الشمس بالغربال ان صغار الفلسطينيين لم ولن ينسوا وعلى الرغم من كل التنازلات التي قدموها مساهمة منهم في انجاح مدرسة الاعتدال التي تأسست في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي انعقد في الجزائر سنة 1988 . هذه المدرسة اصبحت مهددة بجرائم من فقدوا انسانيتهم بقتلهم للاطفال والمقعدين وبقنصهم للبشر كما يقنصون الطيور وبدم لا يمكن وبسبب برودته ان يكون دم بشري.
هذا الانذار كذلك يؤكد مرة اخرى على ان الاصرار ومن اي كان في البحث عن حل ثنائي تفاوضي او حتى اقليمي هو مضيعة للوقت وربما وسيلة لاطالة عمر هذا الصراع الدموي الذي طال امده وآن له ان يتوقف.
قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في سنة 1947 وبالرغم من كل ما له وما عليه كان قرارا دوليا اقرته الشرعية الدولية بما رأته مناسبا في حينه دون ان تتفاوض حتى مع اصحاب الارض. الامر الذي يؤكد على امكانية تطبيقه ولو بعد كل هذه السنين وفرضه ليس بحكم قوته الدولية هذه فقط وانما في كون تطبيقه ضرورة واستحقاق للسلم والامن الدوليين المهددة لهما اسرائيل بممارساتها وهما اللذان قامت من اجل حمايتهما منظمة الامم المتحده التي ما زال لنا فيها املا علها تتدارك ذلك قبل ان تغلق مدرسة الاعتدال الفلسطيني ابوابها وهي التي اصبحت وكما اسلفت مهددة بالزوال بسبب كل هذه الممارسات الصهيونية غير الانسانية التي كان اخرها قرار السطو الاسرائيلي على اموال الضرائب الفلسطينية الذي اقره الكنيست في الثاني من شهر يوليو. قرار السطو هذا يشكل في نظري المسمار الاخير في نعش ما يسمى بمسيرة السلام التي انجبتها اوسلو. خصوصا وان هذا السطو وبفضل الخداع الصهيوني قد تم تسويقه عالميا باستخدام موسيقى الارهاب التي اصبحت تُطرب كل الاذان حتى ان استراليا وللاسف رقصت على انغامها بالرغم من نشازها كونها تعزف باصابع ارهابية خصوصا وان قرار السطو المذكور هدفه الاساسي هو تجويع الفلسطينيين بهدف ترويضهم حتى يقبلوا بالعيش بشروط الاسياد الصهاينة وهو ما يتناقض مع كافة القيم الانسانية التي تُمِد الحضارة البشرية بالقوة والاستدامة.
ما ذكر انفا يؤكد ولو متأخرا على ان اتفاق اوسلو الذي استبشرنا به يوما خيرا كطريق ولو ضيق ووعر نحو محطة السلام وانهاء صراع القرن لم يكن يعني الاسرائيليين منه سوى الشق الامني الذي اصبحت اسرائيل تستثمره ببشاعة من اجل خدمة نفس الهدف الميؤوس منه وهو ترويض وتطويع الفلسطينيين.