الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحلول الإقتصادية المطروحة وتحدي فن الممكن

نشر بتاريخ: 08/08/2018 ( آخر تحديث: 08/08/2018 الساعة: 22:52 )

الكاتب: سامر سلامه

يبدو أن لصفقة القرن مساران الأول سياسي والثاني إقتصادي والمساران مرتبطان إرتباطا وثيقا بعضهما ببعض، بحكم أن السياسة والإقتصاد وجهان لعملة واحدة. وللمتتبع للسياسة الأمريكية الخارجية خلال العقود الماضية فإننا نلاحظ أن الولايات المتحدة تبدأ أولا في المعركة الإقتصادية قبل الدخول في المعركة السياسية أو العسكرية وهذا ما شاهدناه في تعامل الولايات المتحدة مع إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وحتى روسيا. ويبدو أن الأمريكان قد عدلوا عن طرح صفقتهم السياسية بإنتظار ما ستسفر عنه الصفقه الإقتصادية التي يتم بلورتها الآن وطبخها على نار هادئة في بعض أقطار المنطقة تحت شعار الحلول الإنسانية لقطاع غزه وحماية القطاع من كارثه إنسانية!.
فمنذ أشهر بدأنا نتلمس تصاعد وتيرة التقارير الإعلامية التي تسلط الضوء على الوضع الانساني السيء في قطاع غزه والدعوات المستمرة من أطراف عربية وإقليمية ودولية بما فيها مؤسسات حقوقية وإنسانية وحتى أحزاب وطنية فلسطينية تنادي بضرورة العمل على إنقاذ غزه من إنهيار إقتصادي كارثي، في حين تغافل العديد من أصحاب تلك الدعوات عن وعي أو بغير وعي أن الإنهيار الإقتصادي الكارثي قد حصل فعلا في غزه قبل 12 عاما. وما يحدث الآن من تصوير الوضع الإنساني الصعب في القطاع على أنه نتيجة لسياسات إقتصادية آنية أو نتيجة للهبة الشعبية التي تنادي بحق العودة، ما هو إلا ذر للرماد في العيون، ومحاولة بائسة من مسوقي صفقة القرن في بعدها الإقتصادي، بالترويج إلى أنه إذا لم تتخذ إجراءات آنية وسريعة لإنقاذ غزه فالكارثة ستحل لا محالة على القطاع. وبدورها تشارك إسرائيل في اللعبة السياسية من خلال إطلاقها للتهديدات العشوائية من هنا وهناك عن نيتها إجتياح القطاع وتدميره بالكامل في الوقت الذي يعلم الجميع أن إسرائيل لن تذهب أبعد من التصريحات والتهديدات وخاصة في هذا التوقيت بالذات إنطلاقا من معرفتها بأن أي حرب تشنها على غزه ستفشل صفقة القرن بشكل نهائي لأن العالم أجمع سيتعاطف مع الشعب الفلسطيني كما حدث إبان الحروب السابقة. حيث وضعت إسرائيل نفسها في موقف صعب أمام الرأي العام العالمي. وبذلك تضعف مبررات الإدارة الأمريكية التي تدعي بأن صفقة القرن ستجلب السلام والرفاهية لشعوب المنطقة! وإن أخطر ما يكون فيما يتعلق بهذه الصفقة وهذه المحاولات ما يتم تداوله وتسويقه عن ضرورة البدء في إعلان هدنه طويلة الأمد مع الإحتلال الإسرائيلي مقابل تسهيلات إقتصادية تشمل الميناء والمطار.
ولإخراج الدول العربية التي تتساوق مع هذه الصفقة الإقتصادية من الحرج، فإن تلك الدول قد طرحت مبادرة في جوهرها تتساوق مع صفقة القرن وفي ظاهرها تتحدث عن حوار وطني لإنهاء الإنقسام. وللمتتبع للتصريحات التي تخرج من هنا وهناك فإننا نلاحظ أن الحلول المطروحة لا تتعدى إعلان هدنه مقابل تسهيلات إقتصادية دون التطرق إلى معالجة الخلل الأصلي المتمثل بالحصار الاسرائيلي الظالم على القطاع وما تبعه من انقسام بغيض ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. حتى أن العراب الأمريكي "جارد كوشنير" يهدد بمواصلة الخطة بدون موافقة الشرعية الفلسطينية علما منه مسبقا أن الشرعية الفلسطينية لن تقبل بأي خطة تصفوية للقضية الفلسطينية. وبهذا فإن المسار السياسي للصفقة يبدأ عندما يتم الإعلان عن الهدنه بين طرف فلسطيني لا يمثل الشرعية الفلسطينية وإسرائيل وبهذا فإن إنفصال قطاع غزه عن الضفة يصبح حقيقة قائمة ومعالم دويلة فلسطينية في غزه ستبدأ بالظهور وذلك على حساب القدس والمقدسات واللاجئين والثوابت الوطنية الأخرى.  
فأول الإستنتاجات أن صفقة القرن لم تمت ولم يحيد عنها الرئيس الأمريكي وإنما الصفقة مستمرة في مسارها الإقتصادي إستعدادا لتطبيق الشق السياسي منها. ومن أهم منطلقات بعض الأنظمة العربية التي تساوقت مع صفقة القرن أنها تسعى لإدخال الصفقة حيز التنفيذ من البوابة الإنسانية والحرص على الشعب الفلسطيني ودعمه وحمايته من حرب ستشنها إسرائيل على القطاع وتمكينه من البقاء والعيش الكريم حتى ولو كان ذلك على حساب الثوابت السياسية. فالمؤامرة مستمرة لم تنتهي أيضا.
فهل نحن أمام تحدي ممارسة فن الممكن بلغة السياسة؟ ففي هذه الحالة سيكون التعامل مع حساسية الموضوع أصعب بكثير من رفض صفقة القرن نفسها وتحدي الإدارة الأمريكية التي لم يجرؤ أحد من قبل على تحديها غير القيادة الفلسطينية التي تتسلح بدعم شعبها وعدالة القضية التي تناضل من أجلها. فممارسة مهارات فن الممكن يتمثل بإحتواء البعض حتى تمر العاصفة بسلام لتفويت الفرصة على كل من يتربص بالقضية الفلسطينية وبشرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية. فلا بد لنا أن نعمل معا على تخفيف معاناة أبناء شعبنا في القطاع بكل الطرق والوسائل وعبر بوابات الشرعية حتى ولو لم نحصل على كل ما نريد وذلك عبر تطوير أدوات الحوار الوطني الشامل ومعالجة بعض القضايا الإجرائية لحين الإتفاق على مضمون وشكل المرحلة المقبلة التي نريد. وخلال تلك الفترة يتم العمل مع الجميع على تنفيذ رزمة من المشاريع الإقتصادية التي تقدم مباشرة إلى أبناء شعبنا في القطاع والحفاظ على التفاهمات التي تمت سابقا فيما يتعلق بفتح المعابر. لأن توقيع هدنة من طرف واحد مع الإحتلال يعني فصل القطاع عن الوطن الأم وإعلان بداية تنفيذ صفقة القرن التصفوية.