الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة افتراضية لمشهد مربك

نشر بتاريخ: 26/03/2019 ( آخر تحديث: 26/03/2019 الساعة: 14:02 )

الكاتب: عوني المشني

اذا لم تحصل مفاجآت فان من المرجح ان يعود نتنياهو لتشكيل حكومة اسرائيلية جديدة، فالجمهور والأحزاب اليمينية الاسرائيلية تغض النظر عن فساد نتنياهو ما دام الامر يتعلق باختيار زعيم يميني عنصري متطرف، وطبعا ومهما اختلفت القوى التي ستشارك فيها فهي تختلف في درجة توجهاتها اليمينية العنصرية، وللحق فان هذا يمثل تعبير صادق عن توجهات المجتمع الاسرائيلي الذي استطاع اليمين العنصري ان يخضعه لغسيل دماغ على مدار اكثر من عقد من الزمن.

واذا ما وضعنا هذا المشهد في سياق اشمل وهو الانحياز الامريكي غير المسبوق للنزعة التوسعية الاستيطانية الاسرائيلية وتطوع الرئيس الامريكي ترامب في صالح الحملة الانتخابية لنتنياهو عبر مزيد من الخطوات الداعمة لسياسات الاخير فان الأفق المستقبلية وعلى المدى المنظور تنذر بمزيد من الأزمات والتوترات التي قد تفضي الى ما هو اكبر من ذلك بكثير.

فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرايئيلي فان طرح صفقة القرن بعيد الانتخابات الاسرائيلية ستشكل عنوان المرحلة، ورغم الحرج الكبير التي ستواجهه بعض اطراف تلك الصفقة او المتواطئين معها فان تجليات تطبيقها ستتواصل، تلك التجليات التي بدأت منذ اكثر من عام، وستكون غزة على وجه الخصوص بؤرة التركيز، غزة التي وصل فيها التجويع الهادف للتركيع ذروته، والتي بدا ان قدرة جماهير غزة على الاحتمال فد وصلت الى الحد الاقصى اصبحت مهيأة الى حد كبير للوضع الجديد، حماس مهيأة لتهدئة تحدث انفراجات اقتصادية كبيرة وان لم يكن بأي ثمن، لكن التدخلات المصرية القطرية قد تجد صيغة لتلك التهدئة بأثمان ترغم حماس على دفعها، وحتى اعادة اشراك السلطة في تلك الصيغة ليست مستحيلة وربما هي صيغة معقولة لكل الاطراف بما فيها حماس على ان تكون تلك الصيغة توحيدية سياسيا !!!!

وعلى الصعيد الفلسطيني، ومع اقتراب انتهاء حكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بفعل العمر وعدم وجود آلية مفهومة وقانونية لاستحداث منصب الرئيس فان الضفة تصبح منفتحة على صيغ ان لم تكن تصب في صفقة القرن فهي تخدمها، صيغ ستأتي من خلال حالة الفراغ وتآكل الشرعيات والفجوة التي تتسع بين النخب الحاكمة والجمهور، والصيغ المتوقعة او الممكنة هو استمرار الحكم الاداري الذاتي بسقف سياسي اقل عالميا وسياسيا وربما صلاحيات ادارية اوسع محليا هذا يترافق مع ضم اجزاء ليست قليلة من الضفة لاسرائيل بمباركة امريكية، وليس من المستغرب ان يطال الانفصال الضفة ذاتها لتصبح نماذج لما هو الحال بين الضفة وغزة، ويوجد في الحالة الفلسطينية من هو مستعد بل ويحضر لذلك، ما يعطل ذلك هو منسوب الوعي الجماهيري العالي والذي تحاول اسرائيل تخفيض تاثيره عبر سياسات الإلهاء بالظروف المعيشيبالاغراء او الضغوط.
 
تآكل منظمة التحرير وتفريغها من مضمونها مقدمات تخدم تخفيض هذا السقف، خاصة بعد ان تحولت المنظمة من عنوان جامع الى عنوان خلاف، والتقاء الفهمين المتناقضين، الفهم الذي يرى ان الإبقاء على الوضع الحالي للمنظمة والفهم الذي يسعى لتجاوز فكرة المنظمة كممثل شرعي ووحيد، كلا الفهمين يلتقيان عند أضعاف المنظمة وأفقادها لدورها وصيغتها الجمعية.
هذا هو المشهد المتوقع، وهكذا تقود المقدمات، ولكن هل يمكن تغيير هذا المسار لما هو متوقع في ظل السياقات القائمة ؟؟؟ 

هناك اكثر من عامل يمكن يساهم في تغيير المسار...
جهد كفاحي فلسطيني خارج عن المألوف المتوقع، ويشهد للفلسطينيين تاريخيا انهم قادرين على ابتداع مثل تلك الاشكال الكفاحية والتي تشكل مفاجئة في كل مرة وتحتاج الى وقت وجهد اسرائيلي ليتم استيعابها والسيطرة عليها، الأمثلة كثيرة من الانتفاضة الاولى الى الانتفاضة الثانية الى بروز شكل العمل الفردي "الذئب المنفرد" ...... الخ، مثل هذا العنصر يمكن ان يقلب الطاولة ويعيد صياغة المشهد من جديد بطريقة مختلفة، ربما ان حربا توقع خسائر اسرائيلية لدرجة اعادة صياغة التفكير الجمعي الاسرائيلي ايضا احد العوامل التي قد تغير مسار الاحداث بطريقة دراماتيكية، ايضا متغيرات على الساحة العربية الحبلى بالجديد قد تقلب المشهد رأسا على عقب، السعودية، مصر، العراق، الاردن، سوريا، لبنان .... كلها دور تترك المتغيرات فيها تأثيرا مباشرا على مباشرا على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وكل تلك الدول مرشحة لمتغيرات دراماتيكية خارج التوقع.
 
في كلا الحالتين فليس هناك جهة فلسطينية متوقع ان تعلن انخراطها في هذا المشروع التصفوي، رغم ذلك فأداء الفريقين المنقسمين -بقصد او بدون قصد- يخدم بشكل غير مباشر صفقة القرن. هذا يجعل من المسار القادم مسارا مفروضا بفعل موازين القوى، لا يمتلك سوى شرعية القوة، وبالتالي هو يمثل استمرار للفعل العدواني الاستقوائي، نجاحه وفق هذا الفهم هو نجاح لقوة عدوان وشرعيته تستمد من التفوق العسكري، واستمراره مرهون باستمرار التفوق، لهذا فهو لا يمثل حلا سياسيا، ويفتقد لكل الشرعيات التي تمكنه من الاستمرار، وسيكون معرضا لسقوط مدوي عند اي متغيرات قادمة، المتغيرات القادمة طبيعيا كثيرة ليس اقلها تاكل سلطة الحكم الاداري الذاتي في الضفة وتعثر حكم حماس في غزة، كلاهما يسيران الى خط النهاية بخطى متسارعة، وكلاهما يفتقدان مع الوقت الشرعية الداخلية. انبثاق قوى فلسطينية جديدة تعيد تعميق البعد القومي والإسلامي والانساني للقضية الفلسطينية امرا وارد، هناك ارهاصات لذلك، وحركة الجهاد الاسلامي تمثل توجها ما على هذا الصعيد، وهناك مفاعيل فلسطينية اخرى تتنامى.
 
واضح ان القضية الفلسطينية أضحت جزء من معادلة المنطقة ايضا، محور ايران الممتد حتى لبنان تأتيه الفرصة من اوسع ابوابها للاستثمار بما يعزز دوره في ظل السياسة الاسرائيلية الامريكية، ودخول هذا العامل كمعطى أساسي ايضا يساهم في تغيير المسارات المتوقعة خاصة ان زيادة الضغوط على ايران قد يدفعها للتفجير في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ومتاح لها هذا سواء عبر غزة او لبنان وسوريا، وهنا فان المفاجئات على هذا الصعيد غير مستبعده بل وممكنة الى حد كبير.
 
على كل الأحوال عندما تتعادل الفرص بين المتوقع وفق معطيات التحليل وغير المتوقع وفق المتغيرات المفاجئة فان المنطق السياسي يفترض التعاطي بسياسات مرنة قادرة على التعامل مع الجديد القادم، هذا ما يفترض في سياسات النخب الفلسطينية ، لكن - وهنا جوهر الازمة الفلسطينية - فان النخب تتعاطى مع السياسة وفق مخيلتها ولا تاخذ في حساباتها لا سيرورة الاحداث ولا متغيرات الواقع الدراماتيكية لهذا نراها وشعبنا التي تقودها هي دائما الخاسرة، خاسرة كونها لا تصنع الحدث ولا تتعامل مع المستجدات بوعي لسياقات تلك المستجدات، وكما ان المعضلة هنا، فان الحل هنا ايضا، هذا الحل الذي يستدعي تفكير فلسطيني جديد مختلف نوعيا في التعاطي مع الصراع، تفكير يرسم البعد الاستراتيجي للصراع ويعدل في المسار عند المتغيرات دون ان يمس بالبعد الاستراتيجي، بمعنى ان المرونة في التكتيكات والثبات الاستراتيجي هو سمة السياسة الجادة والمسئولة، واستخدام وتوظيف طاقات الشعب الفلسطيني على اختلافها في معركة التحرير، هاضافة لذلك عدم إغلاق الباب في العلاقات الإقليمية، هذا يعني اعادة ترتيب الحالة الفلسطينية بطريقة تمكنها من ذلك، اعادة بناء منظمة التحرير على اسس ديمقراطية وطنية بعيدا عن المحاصصة والهيمنة وبما يضمن تمثيل كل التجمعات الفلسطينية هو المدخل لذلك، وهو المدخل لإنهاء الانقسام دون اوهام باستئصال قوى فلسطينية من المشهد.