الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجاليات (الجزء الاول)

نشر بتاريخ: 12/07/2019 ( آخر تحديث: 12/07/2019 الساعة: 16:42 )

الكاتب: مازن الحساسنة

ؤسساتُ المجتمع المدنيّ ، بالتعريفِ الدقيقِ هي : عبارة عن أُطرٍ يُشكلها ويُكوِّنها عددٌ من الأشخاصِ غير الحكوميين الذين تجمعهم رؤيةً أو قضيّة أو هدف مُشترك .
والتجمعاتُ الأهليّة فيما يتعلق بالمشهدِ الفلسطيني هي بالتأكيد نتاجُ شروطٍ تاريخيّةٍ ، ووليدة مأساةِ الاحتلال الذي استهدفَ كامل التكوين الفلسطيني لذلك فإنَّ هذه المؤسسات لا تقوم فقط بالدورِ النقابيّ في مُخاطبةِ المستوى الرسمي ( الحكوميّ ) بل هي بؤرٌ نضاليّةٌ ذات أشكالٍ مُتعددة وجبهاتٍ رئيسيّة لحمايةِ الهويّة الفلسطينيّة .
‎وهنالك شكلان أساسيان لهذهِ الجمعيّات ، الأوّل " تخصّصيٌّ " مثل تجمعات الأطباء أو المُهندسين أو رجال الأعمال ، والآخر ليس تخصصيًّا ( عام ) كتجمّعاتِ الجاليات التي تحملُ معنًى واسعًا وأعمالًا متعددةً ، كما وتتحملُ جهودًا كبيرةً ، وترتكز على مجموعةِ قواعدٍ يجب أَنْ تتوفّرَ فيها ، أهمها : تمثيلُ غالبيةِ المجتمع الفلسطينيّ المغترب على امتدادِ المساحة الجُغرافيّة المتواجدة فيها .
‎ومسألةُ التمثيل في الحالةِ " الجالويّة " لا تخضع لأسلوبِ الانتقاء لعيّناتٍ تمثيليّةٍ ذات عددٍ محدود جدًا ، بل هي عضويّةٌ هائلةٌ تجمع جلَّ التواجد على اختلافِ أنواعهِ ومستوياتهِ وأيديولوجياتهِ، وهذه هي القواعد الأساسيّة في بناءِ مؤسسةِ الجاليّة ذات الوجه الديمقراطيّ ، لذا لا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوالِ استئثار مجموعةٌ قليلةٌ عدديًّا بمُسمى هكذا جسم أساسي في عالمِ مؤسّساتِ المُجتمع المدنيّ الفلسطينيّ في الشتاتِ ، ولا يصحُ مُطلقّا أنْ يتدنّى أو ينحصر سلوك هذه المؤسّسة على هامشٍ اجتماعيٍّ بسيط ، أو حراكاتٌ متواضعةٌ لا تضيف إلّا القليل جدًا .
‎إنَّ الجاليةَ هي الوطنُ المعنويُّ لفلسطينيي الشتات والمهجر، وهي الجدارُ الواقيُّ له ، وهي الملاذُ والحاضنُ لأصحابِ الهمومِ ، كما وإنّها الرؤيةُ المستقبليّةُ في إنتاجِ واقعٍ مؤثِّرٍ داخل أماكن تواجدها ، وهي خلقُ الجسورِ بين كافةِ الأطراف، و هي أيضًا شكلٌ من أشكالِ الصوت الفلسطينيّ المدوي الذي يجب أَنْ يكونَ حاضرًا ، إنّها الفعلُ المتميّزُ الذي يترك أثرًا كبيرًا ، وهي العلامةُ الفارقةُ في تكوينِ المنصةِ الضاغطة من أجلِ المصلحةِ الوطنيّة الفلسطينيّة ، الجاليةُ فكرٌ وتخطيط واستراتيجيّة ، وليست مأدبة طعامٍ أو بيان استنكارٍ إنّها أكبر من ذلك بكثير .
‎ولأنّني أدقُ الجرسَ منذ الآن ، فلا بُدَّ من إعادةِ تعريفِ مؤسّسات الجاليات في أوروبا بل في كُلِّ الشتاتِ الفلسطينيّ والاطلاع على انجازاتها وما حققت ، وماهيتها ورؤاها وأفكارها وحيادتها ، وهل أدّت ما عليها من التزاماتٍ أخلاقيّةٍ ووطنيّة ، أم أنّها انحصرت داخل الصندوق الحزبيّ وانتجت شخصياتٍ مهووسة بالمواقعِ المُتقدّمة وحاربت كل أشكالِ النقد من أجلِ المحافظة على تواجدها .
‎من حقنا ونحن أبناءُ الشتات أَنْ نُعلي الصوت وأنْ نضعَ النقاط فوق الحروف ، لا يردّنا عن ذلك أيّ شيء .